الباحث القرآني
قالت الرسل لأممهم: ﴿أفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾
فالخلق مفطورون على معرفته وتوحيده، فلو خلوا وهذه الفطرة لنشأوا على معرفته وعبادته وحده، وهذه الفطرة أمر خلقي خلقوا عليه، ولا تبديل لخلقه فمضى الناس على هذه الفطرة قرونا عديدة، ثم عرض لها موجب فسادها وخروجها عن الصحة والاستقامة بمنزلة ما يعرض للبدن الصحيح والطبيعة الصحيحة مما يوجب خروجهما عن الصحة إلى الانحراف، فأرسل رسله ترد الناس إلى فطرتهم الأولى التي فطروا عليها فانقسم الناس معهم ثلاثة أقسام.
منهم من استجاب لهم كل الاستجابة وانقاد إليهم كل الانقياد، فرجعت فطرته إلى ما كانت عليه مع ما حصل لها من الكمال والتمام في قوتي العلم النافع والعمل الصالح، فازدادت فطرتهم كمالا إلى كمالها، فهؤلاء لا يحتاجون في المعاد إلى تهذيب وتأديب ونار تذيب فضلاتهم الخبيثة، وتطهرهم من الأردن والأوساخ، فإن انقيادهم للرسل أزال عنهم ذلك كله.
وقسم استجابوا لهم من وجه دون وجه، فبقيت عليهم بقية من الأدران والأوساخ التي تنافي الحق الذي خلقوا له فهيأ لهم العليم الحكيم من الأدوية الابتلاء والامتحان بحسب تلك الأدواء التي قامت بهم، فإن وفت بالخلاص منها في هذه الدار وإلا ففي البرزخ فإن وفّى بالخلاص وإلا ففي موقف القيامة وأهوالها ما يخلصهم من تلك البقية، فإن وفّى بها وإلا فلا بد من المداواة بالدواء الأعظم، وآخر الطب الكي فيدخلون كير التمحيص والتخليص حتى إذا هذبوا ولم يبق للدواء فائدة أخرجوا من مارستان المرضى إلى دار أهل العافية كما دل على ذلك السنة المتواترة عن النبي ﷺ وصرح به في قوله:
"حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة"
وكذلك قوله تعالى: ﴿طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ﴾ فلم يأذن لهم في دخولها إلا بعد طيبهم فإنها دار الطيبين فليس فيها شيء من الخبث أصلا ولهذا يلبث هؤلاء في النار على قدر حاجتهم إلى التطهر وزوال الخبث.
القسم الثالث قوم لم يستجيبوا للرسل ولا انقادوا لهم بل استمروا على الخروج عن الفطرة ولم يرجعوا إليها واستحكم فسادها فيهم أتم استحكام لا يرجى لهم صلاح فهؤلاء لا يفي مجيء الدنيا ومصائب الموت وما بعده وأهوال القيامة بزوال أوساخهم وأدرانهم ولا يليق بحكمة العليم الحكيم أن يجاور بهم الطيبين في دارهم ولم يخلقوا للفناء فهؤلاء أهل دار الابتلاء والامتحان باقون فيها ببقاء ما معهم من درن الكفر والشرك والنار إنما أوقدت عليهم بأعمالهم الخبيثة فعذابهم بنفس أعمالهم السيئة لهم منها صور من العذاب يناسبها ويشاكلها فالعذاب باق عليهم ما بقيت حقائق تلك الأعمال وما تولد منها فما دامت موجبات العذاب باقية فالعذاب باق.
* (فصل)
وَتَأمَّلْ حالَ العالَمِ كُلِّهِ، عُلْوِيِّهِ وسُفْلِيِّهِ، بِجَمِيعِ أجْزائِهِ: تَجِدُهُ شاهِدًا بِإثْباتِ صانِعِهِ وفاطِرِهِ ومَلِيكِهِ، فَإنْكارُ صانِعِهِ وجَحْدُهُ في العُقُولِ والفِطَرِ بِمَنزِلَةِ إنْكارِ العِلْمِ وجَحْدِهِ، لا فَرْقَ بَيْنَهُما، بَلْ دِلالَةُ الخالِقِ عَلى المَخْلُوقِ، والفَعّالِ عَلى الفِعْلِ، والصّانِعِ عَلى أحْوالِ المَصْنُوعِ عِنْدَ العُقُولِ الزَّكِيَّةِ المُشْرِقَةِ العُلْوِيَّةِ، والفِطَرِ الصَّحِيحَةِ أظْهَرُ مِنَ العَكْسِ.
فالعارِفُونَ أرْبابُ البَصائِرِ يَسْتَدِلُّونَ بِاللَّهِ عَلى أفْعالِهِ وصُنْعِهِ، إذا اسْتَدَلَّ النّاسُ بِصُنْعِهِ وأفْعالِهِ عَلَيْهِ، ولا رَيْبَ أنَّهُما طَرِيقانِ صَحِيحانِ، كُلٌّ مِنهُما حَقٌّ، والقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِما.
فَأمّا الِاسْتِدْلالُ بِالصَّنْعَةِ فَكَثِيرٌ، وأمّا الِاسْتِدْلالُ بِالصّانِعِ فَلَهُ شَأْنٌ، وهو الَّذِي أشارَتْ إلَيْهِ الرُّسُلُ بِقَوْلِهِمْ لِأُمَمِهِمْ ﴿أفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾ [إبراهيم: ١٠] أيْ أيُشَكُّ في اللَّهِ حَتّى يُطْلَبَ إقامَةُ الدَّلِيلِ عَلى وُجُودِهِ؟ وأيُّ دَلِيلٍ أصَحُّ وأظْهَرُ مِن هَذا المَدْلُولِ؟ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلى الأظْهَرِ بِالأخْفى؟ ثُمَّ نَبَّهُوا عَلى الدَّلِيلِ بِقَوْلِهِمْ ﴿فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾.
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الإسْلامِ تَقِيَّ الدِّينِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: كَيْفَ يُطْلَبُ الدَّلِيلُ عَلى مَن هو دَلِيلٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ؟ وكانَ كَثِيرًا ما يَتَمَثَّلُ بِهَذا البَيْتِ:
؎وَلَيْسَ يَصِحُّ في الأذْهانِ شَيْءٌ ∗∗∗ إذا احْتاجَ النَّهارُ إلى دَلِيلٍ
وَمَعْلُومٌ أنَّ وُجُودَ الرَّبِّ تَعالى أظْهَرُ لِلْعُقُولِ والفِطَرِ مِن وُجُودِ النَّهارِ، ومَن لَمْ يَرَ ذَلِكَ في عَقْلِهِ وفِطْرَتِهِ فَلْيَتَّهِمْهُما.
{"ayah":"۞ قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِی ٱللَّهِ شَكࣱّ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یَدۡعُوكُمۡ لِیَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَیُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ قَالُوۤا۟ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُنَا تُرِیدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق