الباحث القرآني
﴿قالَتْ رُسُلُهُمْ﴾ اسْتِئْنافٌ مَبْنِيٌّ عَلى سُؤالٍ يَنْساقُ إلَيْهِ المَقالُ كَأنَّهُ قِيلَ: فَماذا قالَتْ لَهم رُسُلُهُمْ؟ فَأُجِيبَ بِأنَّهم قالُوا: مُنْكِرِينَ عَلَيْهِمْ، ومُتَعَجِّبِينَ مِن مَقالَتِهِمُ الحَمْقاءِ.
﴿أفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾ بِإدْخالِ الهَمْزَةِ عَلى الظَّرْفِ لِلْإيذانِ بِأنَّ مَدارَ الإنْكارِ لَيْسَ نَفْسَ الشَّكِّ، بَلْ وُقُوعُهُ فِيما لا يَكادُ يُتَوَهَّمُ فِيهِ الشَّكُّ أصْلًا مُنْقادِينَ عَنْ تَطْبِيقِ الجَوابِ عَلى كَلامِ الكَفَرَةِ، بِأنْ يَقُولُوا أأنْتُمْ في شَكٍّ مُرِيبٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى؟ مُبالَغَةً في تَنْزِيهِ ساحَةِ السُّبْحانِ عَنْ شائِبَةِ الشَّكِّ، وتَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِسَخافَةِ العُقُولِ، أيْ: أفِي شَأْنِهِ سُبْحانَهُ مِن وُجُودِهِ، ووَحْدَتِهِ، ووُجُوبِ الإيمانِ بِهِ وحْدَهُ شَكٌّ ما، وهو أظْهَرُ مَن كُلِّ ظاهِرٍ، وأجْلى مِن كُلِّ جَلِيٍّ، حَتّى تَكُونُوا مِن قِبَلِهِ في شَكٍّ مُرِيبٍ، وحَيْثُ كانَ مَقْصِدُهُمُ الأقْصى الدَّعْوَةَ إلى الإيمانِ، والتَّوْحِيدِ. (p-37)وَكانَ إظْهارُ البَيِّناتِ وسِيلَةً إلى ذَلِكَ، لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْجَوابِ عَنْ قَوْلِ الكَفَرَةِ: إنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ، واقْتَصَرُوا عَلى بَيانِ ما هو الغايَةُ القُصْوى، ثُمَّ عَقَّبُوا ذَلِكَ الإنْكارَ بِما يُوجِبُهُ مِنَ الشَّواهِدِ الدّالَّةِ عَلى انْتِفاءِ المُنْكَرِ. فَقالُوا: ﴿فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ: مُبْدِعُهُما، وما فِيهِما مِنَ المَصْنُوعاتِ عَلى نِظامٍ أنِيقٍ، شاهِدٍ بِتَحَقُّقِ ما أنْتُمْ مِنهُ في شَكٍّ. وهو صِفَةٌ لِلِاسْمِ الجَلِيلِ، أوْ بَدَلٌ مِنهُ، وشَكٌّ مُرْتَفِعٌ بِالظَّرْفِ لِاعْتِمادِهِ عَلى الِاسْتِفْهامِ، وجَعْلُهُ مُبْتَدَأً عَلى أنَّ الظَّرْفَ خَبَرُهُ، يُفْضِي إلى الفَصْلِ بَيْنَ المَوْصُوفِ والصِّفَةِ بِالأجْنَبِيِّ، أعْنِي المُبْتَدَأ، والفاعِلَ لَيْسَ بِأجْنَبِيٍّ مِن رافِعِهِ، وقَدْ جُوِّزَ ذَلِكَ أيْضًا.
﴿يَدْعُوكُمْ﴾ إلى الإيمانِ بِإرْسالِهِ إيّانا لا أنّا نَدْعُوكم إلَيْهِ مِن تِلْقاءِ أنْفُسِنا، كَما يُوهِمُهُ قَوْلُكُمْ: مِمّا تَدْعُونَنا إلَيْهِ ﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ﴾ بِسَبَبِهِ، أوْ يَدْعُوَكم لِأجْلِ المَغْفِرَةِ. كَقَوْلِكَ: دَعَوْتُهُ لِيَأْكُلَ مَعِي.
﴿مِن ذُنُوبِكُمْ﴾ أيْ: بَعْضِها. وهو ما عَدا المَظالِمِ مِمّا بَيْنَهم وبَيْنَهُ تَعالى. فَإنَّ الإسْلامَ يَحُبُّهُ قِيلَ: هَكَذا وقَعَ في جَمِيعِ القرآن في وعْدِ الكَفَرَةِ دُونَ وعْدِ المُؤْمِنِينَ، تَفْرِقَةً بَيْنَ الوَعْدِ. ولَعَلَّ ذَلِكَ لِما أنَّ المَغْفِرَةَ حَيْثُ جاءَتْ في خِطابِ الكَفَرَةِ مُرَتَّبَةً عَلى مَحْضِ الإيمانِ، وفي شَأْنِ المُؤْمِنِينَ مَشْفُوعَةً بِالطّاعَةِ، والتَّجَنُّبِ عَنِ المَعاصِي، ونَحْوِ ذَلِكَ، فَيَتَناوَلُ الخُرُوجَ مِنَ المَظالِمِ. وقِيلَ: المَعْنى: لِيَغْفِرَ لَكم بَدَلًا مِن ذُنُوبِكم.
﴿وَيُؤَخِّرَكم إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلى وقْتٍ سَمّاهُ اللَّهُ تَعالى، وجَعَلَهُ مُنْتَهى أعْمارِكم عَلى تَقْدِيرِ الإيمانِ.
﴿قالُوا﴾ اسْتِئْنافٌ كَما سَبَقَ.
﴿إنْ أنْتُمْ﴾ أيْ: ما أنْتُمْ ﴿إلا بَشَرٌ مِثْلُنا﴾ مِن غَيْرِ فَضْلٍ يُؤَهِّلُكم لِما تَدَّعُونَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ ﴿تُرِيدُونَ﴾ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِبَشَرٍ حَمْلًا عَلى المَعْنى. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أبَشَرٌ يَهْدُونَنا﴾، أوْ كَلامٌ مُسْتَأْنِفٌ، أيْ: تُرِيدُونَ بِما تَتَصَدَّوْنَ لَهُ مِنَ الدَّعْوَةِ والإرْشادِ.
﴿أنْ تَصُدُّونا﴾ بِتَخْصِيصِ العِبادَةِ بِاللَّهِ سُبْحانَهُ ﴿عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا﴾ أيْ: عَنْ عِبادَةِ ما اسْتَمَرَّ آباؤُنا عَلى عِبادَتِهِ مِن غَيْرِ شَيْءٍ يُوجِبُهُ، وإلّا ﴿فَأْتُونا﴾ أيْ: وإنْ لَمْ يَكُنِ الأمْرُ كَما قُلْنا، بَلْ كُنْتُمْ رُسُلًا مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى، كَما تَدَّعُونَهُ فَأْتُونا ﴿بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ يَدُلُّ عَلى فَضْلِكُمْ، واسْتِحْقاقِكم لِتِلْكَ الرُّتْبَةِ، أوْ عَلى صِحَّةِ ما تَدَّعُونَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ، حَتّى نَتْرُكَ ما لَمْ نَزَلْ نَعْبُدُهُ أبًا عَنْ جَدٍّ، ولَقَدْ كانُوا آتَوْهم مِنَ الآياتِ الظّاهِرَةِ، والبَيِّناتِ الباهِرَةِ ما تَخِرُّ لَهُ صُمُّ الجِبالِ، ولَكِنَّهم إنَّما يَقُولُونَ ما يَقُولُونَ مِنَ العَظائِمِ مُكابَرَةً، وعِنادًا، وإراءَةً لِمَن وراءَهم أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن جِنْسِ ما يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ السُّلْطانُ المُبِينُ.
{"ayah":"۞ قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِی ٱللَّهِ شَكࣱّ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یَدۡعُوكُمۡ لِیَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَیُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ قَالُوۤا۟ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرࣱ مِّثۡلُنَا تُرِیدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق