الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الإنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَّلَكَ﴾ ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ﴾ . اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لِأنَّ ما قَبْلَهُ بِمَنزِلَةِ المُقَدِّمَةِ لَهُ لِتَهْيِئَةِ السّامِعِ لِتَلَقِّي هَذِهِ المَوْعِظَةِ؛ لِأنَّ ما سَبَقَهُ مِنَ التَّهْوِيلِ والإنْذارِ يُهَيِّئُ النَّفْسَ لِقَبُولِ المَوْعِظَةِ، إذِ المَوْعِظَةُ تَكُونُ أشَدَّ تَغَلْغُلًا في القَلْبِ حِينَئِدٍ لِما يَشْعُرُ بِهِ السّامِعُ مِنِ انْكِسارِ نَفْسِهِ ورِقَّةِ قَلْبِهِ، فَيَزُولُ عَنْهُ طُغْيانُ المُكابَرَةِ والعِنادِ فَخَطَرَ في النُّفُوسِ تَرَقُّبُ شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ. والنِّداءُ لِلتَّنْبِيهِ تَنْبِيهًا يُشْعِرُ بِالِاهْتِمامِ بِالكَلامِ والِاسْتِدْعاءِ لِسَماعِهِ فَلَيْسَ النِّداءُ مُسْتَعْمَلًا في حَقِيقَتِهِ إذْ لَيْسَ مُرادًا بِهِ طَلَبُ إقْبالٍ ولا هو مُوَجَّهٌ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أوْ جَماعَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ مِثْلُهُ يَجْعَلُهُ المُتَكَلِّمُ مُوَجَّهًا لِكُلِّ مَن يَسْمَعُهُ بِقَصْدٍ أوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ. فالتَّعْرِيفُ في الإنْسانِ تَعْرِيفُ الجِنْسِ، وعَلى ذَلِكَ حَمَلَهُ جُمْهُورُ (p-١٧٤)المُفَسِّرِينَ، أيْ: لَيْسَ المُرادُ إنْسانًا مُعَيَّنًا، وقَرِينَةُ ذَلِكَ سِياقُ الكَلامِ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَهُ ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ﴾ [الإنفطار: ٩] الآيَةَ. وهَذا العُمُومُ مُرادٌ بِهِ الَّذِينَ أنْكَرُوا البَعْثَ بِدَلالَةِ وُقُوعِهِ عَقِبَ الإنْذارِ بِحُصُولِ البَعْثِ ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ [الإنفطار: ٩] فالمَعْنى: يا أيُّها الإنْسانُ الَّذِي أنْكَرَ البَعْثَ ولا يَكُونُ مُنْكِرُ البَعْثِ إلّا مُشْرِكًا؛ لِأنَّ إنْكارَ البَعْثِ والشِّرْكَ مُتَلازِمانِ يَوْمَئِذٍ فَهو مِنَ العامِّ المُرادِ بِهِ الخُصُوصُ بِالقَرِينَةِ أوْ مِنَ الِاسْتِغْراقِ العُرْفِيِّ؛ لِأنَّ جُمْهُورَ المُخاطَبِينَ في إبْداءِ الدَّعْوَةِ الإسْلامِيَّةِ هُمُ المُشْرِكُونَ. وما في قَوْلِهِ: ﴿ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ﴾ اسْتِفْهامِيَّةٌ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي غَرَّ المُشْرِكَ فَحَمَلَهُ عَلى الإشْراكِ بِرَبِّهِ وعَلى إنْكارِ البَعْثِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وعَطاءٍ: الإنْسانُ هُنا الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ، وعَنْ عِكْرِمَةَ المُرادُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: المُرادُ أبُو الأشَدِّ بْنُ كَلَدَةَ الجُمَحِيُّ، وعَنِ الكَلْبِيِّ ومُقاتِلٍ: نَزَلَتْ في الأسْوَدِ بْنِ شَرِيقٍ. والِاسْتِفْهامُ مَجازٌ في الإنْكارِ والتَّعْجِيبِ مِنَ الإشْراكِ بِاللَّهِ، أيْ: لا مُوجِبَ لِلشِّرْكِ وإنْكارِ البَعْثِ إلّا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ غُرُورًا غَرَّهُ عَنّا كِنايَةً عَنْ كَوْنِ الشِّرْكِ لا يَخْطُرُ بِبالِ العاقِلِ إلّا أنْ يَغُرَّهُ بِهِ غارُّهُ، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الغُرُورُ مَوْجُودًا ومُحْتَمَلٌ أنْ لا يَكُونَ غُرُورٌ. والغُرُورُ: الإطْماعُ بِما يَتَوَهَّمُهُ المَغْرُورُ نَفْعًا وهو ضُرٌّ. وفِعْلُهُ قَدْ يُسْنَدُ إلى اسْمِ ذاتِ المُطْمَعِ حَقِيقَةً مِثْلَ ولا يَغُرَّنَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ أوْ مَجازًا نَحْوَ ﴿وغَرَّتْكُمُ الحَياةُ الدُّنْيا﴾ [الجاثية: ٣٥] فَإنَّ الحَياةَ زَمانُ الغُرُورِ، وقَدْ يُسْنَدُ إلى اسْمِ مَعْنًى مِنَ المَعانِي حَقِيقَةً نَحْوَ ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ﴾ [آل عمران: ١٩٦] . وقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ: ؎أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قاتِلِي أوْ مَجازًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] . ويَتَعَدّى فِعْلُهُ إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ، وقَدْ يُذْكَرُ مَعَ مَفْعُولِهِ اسْمُ ما يَتَعَلَّقُ الغُرُورُ بِشُئُونِهِ فَيَعَدّى إلَيْهِ بِالباءِ، ومَعْنى الباءِ فِيهِ المُلابَسَةُ كَما في قَوْلِهِ: ولا يَغُرَّنَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ (p-١٧٥)أيْ: لا يَغُرَّنَّكم غُرُورًا مُتَلَبِّسًا بِشَأْنِ اللَّهِ، أيْ: مُصاحِبًا لِشُئُونِ اللَّهِ مُصاحِبَةً مَجازِيَّةً ولَيْسَتْ هي باءَ السَّبَبِيَّةِ كَما يُقالُ: غَرَّهُ بِبَذْلِ المالِ، أوْ غَرَّهُ بِالقَوْلِ. وإذا كانَتِ المُلابَسَةُ لا تُتَصَوَّرُ ماهِيَّتُها مَعَ الذَّواتِ، فَقَدْ تَعَيَّنَ في باءِ المُلابَسَةِ إذا دَخَلَتْ عَلى اسْمِ ذاتٍ أنْ يَكُونَ مَعَها تَقْدِيرُ شَأْنٍ مِن شُئُونِ الذّاتِ يُفْهَمُ مِنَ المَقامِ، فالمَعْنى هُنا: ما غَرَّكَ بِالإشْراكِ بِرَبِّكَ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ الآيَةَ فَإنَّ مُنْكِرَ البَعْثِ يَوْمَئِذٍ لا يَكُونُ إلّا مُشْرِكًا. وإيثارُ تَعْرِيفِ اللَّهِ بِوَصْفِ رَبِّكَ دُونَ ذِكْرِ اسْمِ الجَلالَةِ لِما في مَعْنى الرَّبِّ مِنَ المُلْكِ والإنْشاءِ والرِّفْقِ، فَفِيهِ تَذْكِيرٌ لِلْإنْسانِ بِمُوجِباتِ اسْتِحْقاقِ الرَّبِّ طاعَةَ مَرْبُوبِهِ فَهو تَعْرِيضٌ بِالتَّوْبِيخِ. وكَذَلِكَ إجْراءُ وصْفِ الكَرِيمِ دُونَ غَيْرِهِ مِن صِفاتِ اللَّهِ لِلتَّذْكِيرِ بِنِعْمَتِهِ عَلى النّاسِ ولُطْفِهِ بِهِمْ، فَإنَّ الكَرِيمَ حَقِيقٌ بِالشُّكْرِ والطّاعَةِ. والوَصْفُ الثّالِثُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الصِّلَةُ ﴿فَعَدَلَكَ في أيِّ صُورَةٍ﴾ جامِعٌ لِكَثِيرٍ مِمّا يُؤْذِنُ بِهِ الوَصْفانِ الأوَّلانِ، فَإنَّ الخَلْقَ والتَّسْوِيَةَ والتَّعْدِيلَ وتَحْسِينَ الصُّورَةِ مِنَ الرِّفْقِ بِالمَخْلُوقِ، وهي نِعَمٌ عَلَيْهِ وجَمِيعُ ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِالتَّوْبِيخِ عَلى كُفْرانِ نِعْمَتِهِ بِعِبادَةِ غَيْرِهِ. وذُكِرَ عَنْ صالِحِ بْنِ مِسْمارٍ قالَ: ”بَلَغَنا أنَّ النَّبِيءَ ﷺ تَلا هَذِهِ الآيَةَ فَقالَ: غَرَّهُ جَهْلُهُ“ . ولَمْ يَذْكُرْ سَنَدًا. وتَعْدادُ الصِّلاتِ وإنْ كانَ بَعْضُها قَدْ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ البَعْضِ، فَإنَّ التَّسْوِيَةَ حالَةٌ مِن حالاتِ الخَلْقِ، وقَدْ يُغْنِي ذِكْرُها عَنْ ذِكْرِ الخَلْقِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ [البقرة: ٢٩]، ولَكِنْ قُصِدَ إظْهارُ مَراتِبِ النِّعْمَةِ. وهَذا مِنَ الإطْنابِ المَقْصُودِ بِهِ التَّذْكِيرُ بِكُلِّ صِلَةٍ والتَّوْقِيفُ عَلَيْها بِخُصُوصِها، ومِن مُقْتَضَياتِ الإطْنابِ مَقامُ التَّوْبِيخِ. والخَلْقُ: الإيجادُ عَلى مِقْدارٍ مَقْصُودٍ. والتَّسْوِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْءِ سَوِيًّا، أيْ: قَوِيمًا سَلِيمًا، ومِنَ التَّسْوِيَةِ جَعْلُ قُواهُ ومَنافِعِهِ الذّاتِيَّةِ مُتَعادِلَةً غَيْرَ مُتَفاوِتَةٍ في آثارِ قِيامِها بِوَظائِفِها بِحَيْثُ إذا اخْتَلَّ بَعْضُها (p-١٧٦)تَطَرَّقَ الخَلَلُ إلى البَقِيَّةِ، فَنَشَأ نَقْصٌ في الإدْراكِ أوِ الإحْساسِ، أوْ نَشَأ انْحِرافُ المِزاجِ أوْ ألَمٌ فِيهِ، فالتَّسْوِيَةُ جامِعَةٌ لِهَذا المَعْنى العَظِيمِ. والتَّعْدِيلُ: التَّناسُبُ بَيْنَ أجْزاءِ البَدَنِ مِثْلَ تَناسُبِ اليَدَيْنِ، والرِّجْلَيْنِ، والعَيْنَيْنِ، وصُورَةِ الوَجْهِ، فَلا تَفاوُتَ بَيْنَ مُتَزاوِجِها، ولا بَشاعَةَ في مَجْمُوعِها. وجَعْلِهِ مُسْتَقِيمَ القامَةِ، فَلَوْ كانَتْ إحْدى اليَدَيْنِ في الجَنْبِ والأُخْرى في الظَّهْرِ لاخْتَلَّ عَمَلُهُما، ولَوْ جَعَلَ العَيْنَيْنِ في الخَلْفِ لانْعَدَمَتْ الِاسْتِفادَةُ مِنَ النَّظَرِ حالَ المَشْيِ، وكَذَلِكَ مَوْضِعُ الأعْضاءِ الباطِنَةِ مِنَ الحَلْقِ والمَعِدَةِ والكَبِدِ والطِّحالِ والكُلْيَتَيْنِ، ومَوْضِعُ الرِّئَتَيْنِ والقَلْبِ ومَوْضِعُ الدِّماغِ والنُّخاعِ. وخَلَقَ اللَّهُ جَسَدَ الإنْسانِ مُقَسَّمَةً أعْضاؤُهُ وجَوارِحُهُ عَلى جِهَتَيْنِ لا تَفاوُتَ بَيْنَ جِهَةٍ وأُخْرى مِنهُما، وجَعَلَ في كُلِّ جِهَةٍ مِثْلَما في الأُخْرى مِنَ الأوْرِدَةِ والأعْصابِ والشَّرايِينِ. وفُرِّعَ فِعْلُ سَوّاكَ عَلى خَلَقَكَ وفِعْلُ عَدَّلَكَ عَلى سَوّاكَ تَفْرِيعًا في الذِّكْرِ نَظَرًا إلى كَوْنِ مَعانِيها مُتَرَتِّبَةً في اعْتِبارِ المُعْتَبِرِ، وإنْ كانَ جَمِيعًا حاصِلًا في وقْتٍ واحِدٍ، إذْ هي أطْوارُ التَّكْوِينِ مِن حِينِ كَوْنِهِ مُضْغَةً إلى تَمامِ خَلْقِهِ فَكانَ لِلْفاءِ في عَطْفِها أحْسَنُ وقْتٍ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى﴾ [الأعلى: ٢] . وقَرَأ الجُمْهُورُ (فَعَدَّلَكَ) بِتَشْدِيدِ الدّالِ. وقَرَأهُ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ بِتَخْفِيفِ الدّالِ، وهُما مُتَقارِبانِ إلّا أنَّ التَّشْدِيدَ يَدُلُّ عَلى المُبالَغَةِ في العَدْلِ، أيِ: التَّسْوِيَةِ فَيُفِيدُ إتْقانَ الصُّنْعِ. وقَوْلُهُ: ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ﴾ اعْلَمْ أنَّ أصْلَ أيِّ أنَّها لِلِاسْتِفْهامِ عَنْ تَمْيِيزِ شَيْءٍ عَنْ مُشارِكِيهِ في حالِهِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [عبس: ١٨] في سُورَةِ عَبَسَ وقَوْلِهِ تَعالى: فَبِأيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ. والِاسْتِفْهامُ بِها كَثِيرًا ما يُرادُ بِها الكِنايَةُ عَنِ التَّعَجُّبِ أوِ التَّعْجِيبِ مِن شَأْنِ ما أُضِيفَتْ إلَيْهِ أيٌّ؛ لِأنَّ الشَّيْءَ إذا بَلَغَ مِنَ الكَمالِ والعَظَمَةِ مَبْلَغًا قَوِيًّا يُتَساءَلُ عَنْهُ ويُسْتَفْهَمُ عَنْ شَأْنِهِ، ومِن هُنا نَشَأ مَعْنى دَلالَةِ أيٍّ عَلى الكَمالِ، وإنَّما (p-١٧٧)تَحْقِيقُهُ أنَّهُ مَعْنًى كِنائِيٌّ كَثُرَ اسْتِعْمالُهُ في كَلامِهِمْ، وإنَّما هي الِاسْتِفْهامِيَّةُ، وأيُّ هَذِهِ تَقَعُ في المَعْنى وصْفًا لِنَكِرَةٍ إمّا نَعْتًا نَحْوَ: هو رَجُلٌ أيُّ رَجُلٍ، وإمّا مُضافَةً إلى نَكِرَةٍ كَما في هَذِهِ الآيَةِ، فَيَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ: ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ﴾ بِأفْعالِ (خَلَقَكَ، فَسَوّاكَ، فَعَدَّلَكَ) فَيَكُونُ الوَقْفُ عَلى ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ﴾ . ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: (رَكَّبَكَ) فَيَكُونُ الوَقْفُ عَلى قَوْلِهِ: (فَعَدَّلَكَ) ويَكُونُ قَوْلُهُ: ما شاءَ مُعْتَرِضًا بَيْنَ ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ﴾ وبَيْنَ (رَكَّبَكَ) . والمَعْنى عَلى الوَجْهَيْنِ: في صُورَةٍ أيِّ صُورَةٍ، أيْ: في صُورَةٍ كامِلَةٍ بَدِيعَةٍ. وجُمْلَةُ ﴿ما شاءَ رَكَّبَكَ﴾ بَيانٌ لِجُمْلَةِ عَدَّلَكَ بِاعْتِبارِ كَوْنِ جُمْلَةِ عَدَّلَكَ مُفَرَّعَةً عَنْ جُمْلَةِ فَسَوّاكَ المُفَرَّعَةِ عَنْ جُمْلَةِ خَلَقَكَ فَبَيانُها بَيانٌ لَهُما. وفِي لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ الَّتِي هي بِمَعْنى المُلابَسَةِ، أيْ: خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَّلَكَ مُلابِسًا صُورَةً عَجِيبَةً فَمَحَلُّ ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ﴾ مَحَلُّ الحالِ مِن كافِ الخِطابِ وعامِلُ الحالِ عَدَّلَكَ، أوْ رَكَّبَكَ، فَجُعِلَتِ الصُّورَةُ العَجِيبَةُ كالظَّرْفِ لِلْمُصَوَّرِ بِها لِلدَّلالَةِ عَلى تَمَكُّنِها مِن مَوْصُوفِها. وما يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً ما صَدَقُها تَرْكِيبٌ، وهي في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ وشاءَ صِلَةُ ما والعائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: شاءَهُ. والمَعْنى: رَكَّبَكَ التَّرْكِيبَ الَّذِي شاءَهُ قالَ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكم في الأرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ﴾ [آل عمران: ٦] . وعُدِلَ عَنِ التَّصْرِيحِ بِمَصْدَرِ رَكَّبَكَ إلى إبْهامِهِ بِـ ما المَوْصُولَةِ لِلدَّلالَةِ عَلى تَقْحِيمِ المَوْصُولِ بِما في صِلَتِهِ مِنَ المَشِيئَةِ المُسْنَدَةِ إلى ضَمِيرِ الرَّبِّ الخالِقِ المُبْدِعِ الحَكِيمِ وناهِيكَ بِها. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ شاءَ صِفَةً لِـ صُورَةٍ، والرّابِطُ مَحْذُوفٌ وما مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، والتَّقْدِيرُ: في صُورَةٍ عَظِيمَةٍ شاءَها مَشِيئَةً مُعَيَّنَةً أيْ: عَنْ تَدْبِيرٍ وتَقْدِيرٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب