الباحث القرآني

سُورَةُ الِانْفِطارِ مَكِّيَّةٌ وهي تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً ﷽ ﴿إذا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ ﴿وإذا الكَواكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ ﴿وإذا البِحارُ فُجِّرَتْ﴾ ﴿وإذا القُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ﴾ ﴿يا أيُّها الإنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ﴾ ﴿كَلّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ ﴿وإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ﴾ [الإنفطار: ١٠] ﴿كِرامًا كاتِبِينَ﴾ [الإنفطار: ١١] ﴿يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ﴾ [الإنفطار: ١٢] ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ [الإنفطار: ١٣] ﴿وإنَّ الفُجّارَ لَفي جَحِيمٍ﴾ [الإنفطار: ١٤] ﴿يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الإنفطار: ١٥] ﴿وما هم عَنْها بِغائِبِينَ﴾ [الإنفطار: ١٦] ﴿وما أدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الإنفطار: ١٧] ﴿ثُمَّ ما أدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الإنفطار: ١٨] ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا والأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الإنفطار: ١٩] ( بَعْثَرْتُ المَتاعَ: قَلَبْتُهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وبَعْثَرْتُ الحَوْضَ وبَحْثَرْتُهُ: هَدَمْتُهُ وجَعَلْتُ أعْلاهُ أسْفَلَهُ. (p-٤٣٦)﴿إذا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ ﴿وإذا الكَواكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ ﴿وإذا البِحارُ فُجِّرَتْ﴾ ﴿وإذا القُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ﴾ ﴿ياأيُّها الإنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ ﴿فِي أيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ﴾ ﴿كَلّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ ﴿وإنَّ عَلَيْكم لَحافِظِينَ﴾ [الإنفطار: ١٠] ﴿كِرامًا كاتِبِينَ﴾ [الإنفطار: ١١] ﴿يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ﴾ [الإنفطار: ١٢] ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ [الإنفطار: ١٣] ﴿وإنَّ الفُجّارَ لَفي جَحِيمٍ﴾ [الإنفطار: ١٤] ﴿يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الإنفطار: ١٥] ﴿وما هم عَنْها بِغائِبِينَ﴾ [الإنفطار: ١٦] ﴿وما أدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الإنفطار: ١٧] ﴿ثُمَّ ما أدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الإنفطار: ١٨] ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾ [الإنفطار: ١٩] ﴿والأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الإنفطار: ١٩] . هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وانْفِطارُها تَقَدَّمَ الكَلامُ فِيهِ، وانْتِثارُ الكَواكِبِ: سُقُوطُها مِن مَواضِعِها كالنِّظامِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: (فُجِّرَتْ) بِتَشْدِيدِ الجِيمِ، ومُجاهِدٌ، والرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ، والزَّعْفَرانِيُّ، والثَّوْرِيُّ: بِخَفِّها، وتَفْجِيرُها مِنَ امْتِلائِها، فَتُفَجَّرُ مِن أعْلاها وتَفِيضُ عَلى ما يَلِيها، أوْ مِن أسْفَلِها فَيُذْهِبُ اللَّهُ ماءَها حَيْثُ أرادَ. وعَنْ مُجاهِدٍ: فَجَرَتْ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ مُخَفَّفًا بِمَعْنى: بَغَتْ لِزَوالِ البَرْزَخِ نَظَرًا إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَبْغِيانِ﴾ [الرحمن: ٢٠] لِأنَّ البَغْيَ والفَجْرَ مُتَقابِلانِ (بُعْثِرَتْ) قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بُحِثَتْ. وقالَ السُّدِّيُّ: أُثِيرَتْ لِبَعْثِ الأمْواتِ. وقالَ الفَرّاءُ: أُخْرِجَ ما في بَطْنِها مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَعْثَرَ وبَحْثَرَ بِمَعْنًى واحِدٍ، وهُما مُرَكَّبانِ مِنَ البَعْثِ والبَحْثِ مَعَ راءٍ مَضْمُومَةٍ إلَيْهِما، والمَعْنى: بُحِثَتْ وأُخْرِجَ مَوْتاها. وقِيلَ لِبَراءَةَ: المُبَعْثِرَةُ، لِأنَّها بَعْثَرَتْ أسْرارَ المُنافِقِينَ. انْتَهى. فَظاهِرُ قَوْلِهِ أنَّهُما مُرَكَّبانِ أنَّ مادَّتَهُما ما ذُكِرَ، وأنَّ الرّاءَ ضُمَّتْ إلى هَذِهِ المادَّةِ، والأمْرُ لَيْسَ كَما يَقْتَضِيهِ كَلامُهُ؛ لِأنَّ الرّاءَ لَيْسَتْ مِن حُرُوفِ الزِّيادَةِ، بَلْ هُما مادَّتانِ مُخْتَلِفَتانِ وإنِ اتَّفَقا مِن حَيْثُ المَعْنى. وأمّا أنَّ إحْداهُما مُرَكَّبَةٌ مِن كَذا فَلا، ونَظِيرُهُ قَوْلُهم: دَمِثٌ ودِمَثْرٌ وسَبِطٌ وسِبَطْرٌ ﴿ما قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ﴾ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى شَبَهِهِ في سُورَةِ القِيامَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ما غَرَّكَ﴾ فَما اسْتِفْهامِيَّةٌ. وقَرَأ ابْنُ جُبَيْرٍ والأعْمَشُ: ما أغَرَّكَ بِهَمْزٍ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ تَعَجُّبًا، واحْتَمَلَ أنْ تَكُونَ ما اسْتِفْهامِيَّةً، وأغَرَّكَ بِمَعْنى أدْخَلَكَ في الغِرِّ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِن قَوْلِكَ غَرَّ الرَّجُلُ فَهو غارٌّ، إذا غَفَلَ مِن قَوْلِكَ بَيْنَهُمُ العَدُوُّ وهم غارُّونَ، وأغَرَّهُ غَيْرُهُ: جَعَلَهُ غارًّا. انْتَهى. ورُوِيَ «أنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، قَرَأ: ﴿ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ فَقالَ: جَهْلُهُ» وقالَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وقَرَأ أنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا، وهَذا يَتَرَتَّبُ في الكافِرِ والعاصِي. وقالَ قَتادَةُ: عَدُوُّهُ المُسَلَّطُ عَلَيْهِ، وقِيلَ: سَتْرُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وقِيلَ: كَرَمُ اللَّهِ ولُطْفُهُ يُلَقِّنُ هَذا الجَوابَ، فَهَذا لُطْفٌ بِالعاصِي المُؤْمِنِ. وقِيلَ: عَفْوُهُ عَنْهُ إنْ لَمْ يُعاقِبْهُ أوَّلَ مَرَّةٍ. وقالَ الفُضَيْلُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سِتْرُهُ المُرَخى. وقالَ ابْنُ السِّماكِ: ؎يا كاتِمَ الذَّنْبِ أما تَسْتَحِي واللَّهُ في الخَلْوَةِ رائِيكا ؎غَرَّكَ مِن رَبِّكَ إمْهالُهُ ∗∗∗ وسَتْرُهُ طُولَ مَساوِيكا وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: في جَوابِ الفُضَيْلِ، وهَذا عَلى سَبِيلِ الِاعْتِرافِ بِالخَطَأِ. بِالِاغْتِرارِ بِالسَّتْرِ، ولَيْسَ بِاعْتِذارٍ كَما يَظُنُّهُ الطَّمّاعُ، ويَظُنُّ بِهِ قُصّاصُ الحَشْوِيَّةِ، ويَرْوُونَ عَنْ أئِمَّتِهِمْ إنَّما قالَ: ﴿بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ دُونَ سائِرِ صِفاتِهِ، لِيُلَقِّنَ عَبْدَهُ الجَوابَ حَتّى يَقُولَ: غَرَّنِي كَوْنُهُ الكَرِيمَ. انْتَهى. وهو عادَتُهُ في الطَّعْنِ عَلى أهْلِ السُّنَّةِ، (فَسَوّاكَ) جَعَلَكَ سَوِيًّا في أعْضائِكَ (فَعَدَلَكَ) صَيَّرَكَ مُعْتَدِلًا مُتَناسِبَ الخَلْقِ مِن غَيْرِ تَفاوُتٍ. (p-٤٣٧)وقَرَأ الحَسَنُ، وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وطَلْحَةُ، والأعْمَشُ، وعِيسى، وأبُو جَعْفَرٍ والكُوفِيُّونَ: بِخَفِّ الدّالِ، وباقِي السَّبْعَةِ: بِشَدِّها. وقِراءَةُ التَّخْفِيفِ إمّا أنْ تَكُونَ كَقِراءَةِ التَّشْدِيدِ، أيْ عَدَلَ بَعْضَ أعْضائِكَ بِبَعْضٍ حَتّى اعْتَدَلَتْ، وإمّا أنْ يَكُونَ مَعْناهُ فَصَرَفَكَ. يُقالُ: عَدَلَهُ عَنِ الطَّرِيقِ: أيْ عَدَلَكَ عَنْ خِلْقَةِ غَيْرِكَ إلى خِلْقَةٍ حَسَنَةٍ مُفارِقَةٍ لِسائِرِ الخَلْقِ، أوْ فَعَدَلَكَ إلى بَعْضِ الأشْكالِ والهَيْئاتِ، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿في أيِّ صُورَةٍ﴾ يَتَعَلَّقُ بِرَبِّكَ، أيْ وضَعَكَ في صُورَةٍ اقْتَضَتْها مَشِيئَتُهُ مِن حُسْنٍ وطُولٍ وذُكُورَةٍ، وشَبَهٍ بِبَعْضِ الأقارِبِ أوْ مُقابِلِ ذَلِكَ. وما زائِدَةٌ، وشاءَ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِصُورَةٍ، ولَمْ يَعْطِفْ (رَكَّبَكَ) بِالفاءِ كالَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأنَّهُ بَيانٌ لِعَدَلَكَ، وكَوْنُ في (أيِّ صُورَةٍ) مُتَعَلِّقًا بِرَبِّكَ هو قَوْلُ الجُمْهُورِ. وقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، أيْ رَكَّبَكَ حاصِلًا في بَعْضِ الصُّوَرِ. وقالَ بَعْضُ المُتَأوِّلِينَ: إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: (فَعَدَلَكَ) أيْ: فَعَدَلَكَ في صُورَةٍ أيَّ صُورَةِ، وأيُّ تَقْتَضِي التَّعْجِيبَ والتَّعْظِيمَ، فَلَمْ يَجْعَلْكَ في صُورَةِ خِنْزِيرٍ أوْ حِمارٍ، وعَلى هَذا تَكُونُ ما مَنصُوبَةً بِـ(شاءَ)، كَأنَّهُ قالَ: أيَّ تَرْكِيبٍ حَسَنٍ شاءَ رَكَّبَكَ، والتَّرْكِيبُ: التَّأْلِيفُ وجَمْعُ شَيْءٍ إلى شَيْءٍ، وأدْغَمَ خارِجَةُ عَنْ نافِعٍ (رَكَّبَكْ كَلّا)، كَأبِي عَمْرٍو في إدْغامِهِ الكَبِيرِ. وكَلّا: رَدْعٌ وزَجْرٌ لِما دَلَّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ مِنَ اغْتِرارِهِمْ بِاللَّهِ تَعالى، أوْ لِما دَلَّ عَلَيْهِ ما بَعْدَ كَلّا مِن تَكْذِيبِهِمْ بِيَوْمِ الجَزاءِ والدِّينِ أوْ شَرِيعَةِ الإسْلامِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ﴾ بِالتّاءِ خِطابًا لِلْكُفّارِ، والحَسَنُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، وأبُو بِشْرٍ: بِياءِ الغَيْبَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب