الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الإنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾ أيْ: أيُّ شَيْءٍ خَدَعَكَ وجَرَّأكَ عَلى عِصْيانِهِ تَعالى وارْتِكابِ ما لا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ عَزَّ شَأْنُهُ، وقَدْ عَلِمْتَ ما بَيْنَ يَدَيْكَ وما سَيَظْهَرُ مِن أعْمالِكَ عَلَيْكَ والتَّعَرُّضِ لِعُنْوانِ كَرَمِهِ تَعالى دُونَ قَهْرِهِ سُبْحانَهُ مِن صِفاتِ الجَلالِ المانِعَةِ مُلاحَظَتُها عَنِ الِاغْتِرارِ لِلْإيذانِ بِأنَّهُ لَيْسَ مِمّا يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ مَدارًا لِاغْتِرارِهِ حَسْبَما يُغْوِيهِ الشَّيْطانُ ويَقُولُ لَهُ: افْعَلْ ما شِئْتَ؛ فَإنَّ رَبَّكَ كَرِيمٌ قَدْ تَفَضَّلَ عَلَيْكَ في الدُّنْيا وسَيَفْعَلُ مِثْلَهُ في الآخِرَةِ، أوْ يَقُولُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ مِمّا مَبْناهُ الكَرَمُ كَقَوْلِ بَعْضِ شَياطِينِ الإنْسِ: ؎تَكَثَّرْ ما اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطايا سَتَلْقى في غَدٍ رَبًّا غَفُورا ؎تَعَضُّ نَدامَةً كَفَّيْكَ مِمّا ∗∗∗ تَرَكْتَ مَخافَةَ الذَّنْبِ السُّرُورا فَإنَّهُ قِياسٌ عَقِيمٌ وتَمْنِيَةٌ باطِلَةٌ بَلْ هو مِمّا يُوجِبُ المُبالَغَةَ في الإقْبالِ عَلى الإيمانِ والطّاعَةِ والِاجْتِنابِ عَنِ الكُفْرِ والعِصْيانِ دُونَ العَكْسِ، ولِذا قالَ بَعْضُ العارِفِينَ: لَوْ لَمْ أخَفِ اللَّهَ تَعالى لَمْ أعْصِهِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ما حَمَلَكَ عَلى عِصْيانِ رَبِّكَ (p-64)المَوْصُوفِ بِما يَزْجُرُ عَنْهُ وتَدْعُو إلى خِلافِهِ؟ وقِيلَ: إنَّ هَذا تَلْقِينٌ لِلْحُجَّةِ وهو مِنَ الكَرَمِ أيْضًا فَإنَّهُ إذا قِيلَ لَهُ ما غَرَّكَ إلَخْ. يَتَفَطَّنُ لِلْجَوابِ الَّذِي لُقِّنَهُ ويَقُولُ: كَرَمُهُ، كَما قِيلَ: يُعْرَفُ حُسْنُ الخُلُقِ والإحْسانُ بِقِلَّةِ الآدابِ في الغِلْمانِ ولَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ وكانَ الِاغْتِرارُ بِذَلِكَ في النَّظَرِ الجَلِيلِ وإلّا فَهو في النَّظَرِ الدَّقِيقِ كَما سَمِعْتَ. وعَنِ الفُضَيْلِ أنَّهُ قالَ: غَرَّهُ سَتْرُهُ تَعالى المَرْخِيُّ وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّمّاكِ: ؎يا كاتِمَ الذَّنْبِ أما تَسْتَحِي ∗∗∗ واللَّهُ في الخَلْوَةِ رائِيكا ؎غَرَّكَ مِن رَبِّكَ إمْهالُهُ ∗∗∗ وسَتْرِهِ طُولَ مَساوِيكا وقالَ بَعْضُهُمْ: ؎يَقُولُ مَوْلايَ ألا تَسْتَحِي ∗∗∗ مِمّا أرى مِن سُوءِ أفْعالِكَ ؎فَقُلْتُ: يا مَوْلايَ رِفْقًا فَقَدْ ∗∗∗ جَرَّأنِي كَثْرَةُ أفْضالِكَ وقالَ قَتادَةُ: غَرَّهُ عَدُوُّهُ المُسَلَّطُ عَلَيْهِ. ورُوِيَ «أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَرَأ الآيَةَ فَقالَ: «الجَهْلُ»». وقالَهُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ وقَرَأ: ﴿إنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ والفَرْقُ بَيْنَ هَذا وبَيْنَ ما ذَكَرُوا لا يَخْفى عَلى ذِي عِلْمٍ. واخْتُلِفَ فِي: ( الإنْسانُ ) المُنادى فَقِيلَ الكافِرُ، بَلْ عَنْ عِكْرِمَةَ أنَّهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وقِيلَ: الأعَمُّ الشّامِلُ لِلْعُصاةِ وهو الوَجْهُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، ولِوُقُوعِهِ بَيْنَ المُجْمَلِ ومُفَصَّلِهِ؛ أعْنِي: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ و﴿إنَّ الأبْرارَ﴾ و﴿وإنَّ الفُجّارَ﴾ وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ فَفي الكَشْفِ إمّا أنْ يَكُونَ تَرْشِيحًا لِقُوَّةِ اغْتِرارِهِمْ بِإيهامِ أنَّهم أسْوَأُ حالًا مِنَ المُكَذِّبِينَ تَغْلِيظًا، وإمّا لِصِحَّةِ خِطابِ الكُلِّ بِما وُجِدَ فِيما بَيْنَهم. وقَرَأ ابْنُ جُبَيْرٍ والأعْمَشُ: «ما أغَرَّكَ» بِهَمْزَةٍ؛ فاحْتُمِلَ أنْ يَكُونَ تَعَجُّبًا وأنْ تَكُونَ ما اسْتِفْهامِيَّةً كَما في قِراءَةِ الجُمْهُورِ، و«أغَرَّكَ» بِمَعْنى أدْخَلَكَ في الغِرَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب