الباحث القرآني
قَوْلُهُ: كُتِبَ مَعْناهُ فُرِضَ وأُثْبِتَ، ومِنهُ قَوْلُ عُمَرُ بْنُ أبِي رَبِيعَةَ:
؎كُتِبَ القَتْلُ والقِتالُ عَلَيْنا وعَلى الغانِياتِ جَرُّ الذُّيُولِ
وهَذا إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ لِعِبادِهِ بِأنَّهُ شَرَعَ لَهم ذَلِكَ. وقِيلَ: إنَّ كُتِبَ هُنا إشارَةٌ إلى ما جَرى بِهِ القَلَمُ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ.
و﴿القِصاصُ﴾ أصْلُهُ قَصُّ الأثَرِ: أيِ اتِّباعُهُ، ومِنهُ القاصُّ لِأنَّهُ يَتَتَبَّعُ الآثارَ، وقَصُّ الشِّعْرِ اتِّباعُ أثَرِهِ، فَكَأنَّ القاتِلَ يَسْلُكُ طَرِيقًا مِنَ القَتْلِ، يَقُصُّ أثَرَهُ فِيها، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا﴾ وقِيلَ: إنَّ القِصاصَ مَأْخُوذٌ مِنَ القَصِّ وهو القَطْعُ، يُقالُ قَصَصْتُ ما بَيْنَهُما، أيْ قَطَعْتُهُ.
وقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ القائِلُونَ بِأنَّ الحُرَّ لا يُقْتَلُ بِالعَبْدِ وهُمُ الجُمْهُورُ.
وذَهَبَ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ والثَّوْرِيُّ وابْنُ أبِي لَيْلى وداوُدُ إلى أنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ.
قالَ القُرْطُبِيُّ: ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ.
وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وإبْراهِيمُ النَّخَعِيُّ وقَتادَةُ والحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، واسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ وأجابَ الأوَّلُونَ عَنْ هَذا الِاسْتِدْلالِ بِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿الحُرُّ بِالحُرِّ والعَبْدُ بِالعَبْدِ﴾ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ وقالُوا أيْضًا: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها﴾ يُفِيدُ أنَّ ذَلِكَ حِكايَةٌ عَمّا شَرَعَهُ اللَّهُ لِبَنِي إسْرائِيلَ في التَّوْراةِ.
ومِن جُمْلَةِ ما اسْتَدَلَّ بِهِ الآخِرُونَ قَوْلُهُ ﷺ: «المُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ دِماؤُهم» ويُجابُ عَنْهُ بِأنَّهُ مُجْمَلٌ والآيَةُ مُبَيِّنَةٌ، ولَكِنَّهُ يُقالُ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿الحُرُّ بِالحُرِّ والعَبْدُ بِالعَبْدِ﴾ إنَّما أفادَ بِمَنطُوقِهِ أنَّ الحُرَّ يُقْتَلُ بِالحُرِّ، والعَبْدَ يُقْتَلُ بِالعَبْدِ، ولَيْسَ فِيهِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ الحُرَّ لا يُقْتَلُ بِالعَبْدِ إلّا بِاعْتِبارِ المَفْهُومِ، فَمَن أخَذَ بِمِثْلِ هَذا المَفْهُومِ لَزِمَهُ القَوْلُ بِهِ هُنا، ومَن لَمْ يَأْخُذْ بِمِثْلِ هَذا المَفْهُومِ لَمْ يَلْزَمْهُ القَوْلُ بِهِ هُنا، والبَحْثُ في هَذا مُحَرَّرٌ في عِلْمِ الأُصُولِ.
وقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ القائِلُونَ بِأنْ المُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالكافِرِ وهُمُ (p-١١٤)الكُوفِيُّونَ والثَّوْرِيُّ، لِأنَّ الحُرَّ يَتَناوَلُ الكافِرَ كَما يَتَناوَلُ المُسْلِمَ، وكَذا العَبْدُ والأُنْثى يَتَناوَلانِ الكافِرَ كَما يَتَناوَلانِ المُسْلِمَ.
واسْتَدَلُّوا أيْضًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ لِأنَّ النَّفْسَ تَصْدُقُ عَلى النَّفْسِ الكافِرَةِ كَما تَصْدُقُ عَلى النَّفْسِ المُسْلِمَةِ.
وذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّهُ لا يُقْتَلُ المُسْلِمُ بِالكافِرِ، واسْتَدَلُّوا بِما ورَدَ مِنَ السُّنَّةِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّهُ لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكافِرٍ،» وهو مُبَيِّنٌ لِما يُرادُ في الآيَتَيْنِ، والبَحْثُ في هَذا يَطُولُ.
واسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ القائِلُونَ بِأنَّ الذَّكَرَ لا يُقْتَلُ بِالأُنْثى، وقَرَّرُوا الدَّلالَةَ عَلى ذَلِكَ بِمِثْلِ ما سَبَقَ إلّا إذا سَلَّمَ أوْلِياءُ المَرْأةِ الزِّيادَةَ عَلى دِيَتِها مِن دِيَةِ الرَّجُلِ.
وبِهِ قالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وأحْمَدُ وإسْحاقُ والثَّوْرِيُّ وأبُو ثَوْرٍ.
وذَهَبَ الجُمْهُورُ إلى أنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالمَرْأةِ ولا زِيادَةَ، وهو الحَقُّ.
وقَدْ بَسَطْنا البَحْثَ في شَرْحِ المُنْتَقى فَلْيُرْجَعْ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيْءٌ﴾ " مَن " هُنا عِبارَةٌ عَنِ القاتِلِ.
والمُرادُ بِالأخِ: المَقْتُولُ أوِ الوَلِيُّ، والشَّيْءُ عِبارَةٌ عَنِ الدَّمِ، والمَعْنى: أنَّ القاتِلَ أوِ الجانِيَ إذا عُفِيَ لَهُ مِن جِهَةِ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ أوِ الوَلِيِّ دَمٌ أصابَهُ مِنهُ عَلى أنْ يَأْخُذَ مِنهُ شَيْئًا مِنَ الدِّيَةِ أوِ الأرْشِ، فَلْيَتْبَعِ المَجْنِيُّ عَلَيْهِ الوَلِيَّ مَن عَلَيْهِ الدَّمُ فِيما يَأْخُذُهُ مِنهُ مِن ذَلِكَ اتِّباعًا بِالمَعْرُوفِ، ولْيُؤَدِّ الجانِي ما لَزِمَهُ مِنَ الدِّيَةِ أوِ الأرْشِ إلى المَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أوْ إلى الوَلِيِّ أداءً بِإحْسانٍ، وقِيلَ: إنَّ ( مَن ) عِبارَةٌ عَنِ الوَلِيِّ و( الأخُ ) يُرادُ بِهِ القاتِلُ، والشَّيْءُ: الدِّيَةُ، والمَعْنى أنَّ الوَلِيَّ إذا جَنَحَ إلى العَفْوِ عَنِ القِصاصِ إلى مُقابِلِ الدِّيَةِ، فَإنَّ القاتِلَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أنْ يُعْطِيَها أوْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لِلْقَصاصِ كَما رُوِيَ عَنْ مالِكٍ أنَّهُ يَثْبُتُ الخِيارُ لِلْقاتِلِ في ذَلِكَ، وذَهَبَ مَن عَداهُ إلى أنَّهُ لا يُخَيَّرُ، بَلْ إذا رَضِيَ الأوْلِياءُ بِالدِّيَةِ فَلا خِيارَ لِلْقاتِلِ بَلْ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُها، وقِيلَ: مَعْنى ( عُفِيَ ) بُذِلَ، أيْ مَن بُذِلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الدِّيَةِ، فَلْيَقْبَلْ ولْيَتَّبِعْ بِالمَعْرُوفِ، وقِيلَ: إنِ المُرادَ بِذَلِكَ أنَّ مَن فَضُلَ لَهُ مِنَ الطّائِفَتَيْنِ عَلى الأُخْرى شَيْءٌ مِنَ الدِّياتِ، فَيَكُونُ ( عُفِيَ ) بِمَعْنى فَضُلَ، وعَلى جَمِيعِ التَّقادِيرِ فَتَنْكِيرُ ( شَيْءٌ ) لِلتَّقْلِيلِ، فَيَتَناوَلُ العَفْوَ عَنِ الشَّيْءِ اليَسِيرِ مِنَ الدِّيَةِ، والعَفْوَ الصّادِرَ عَنْ فَرْدٍ مِن أفْرادِ الوَرَثَةِ.
وقَوْلُهُ: فاتِّباعٌ مُرْتَفِعٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أيْ فَلْيَكُنْ مِنهُ اتِّباعٌ، أوْ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ فالأمْرُ اتِّباعٌ، وكَذا قَوْلُهُ: ﴿وأداءٌ إلَيْهِ بِإحْسانٍ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ﴾ إشارَةٌ إلى العَفْوِ والدِّيَةِ، أيْ أنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِهَذِهِ الأُمَّةِ العَفْوَ مِن غَيْرِ عِوَضٍ أوْ بَعُوضٍ، ولَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْهِمْ كَما ضَيَّقَ عَلى اليَهُودِ، فَإنَّهُ أوْجَبَ عَلَيْهِمُ القِصاصَ، ولا عَفْوَ، وكَما ضَيَّقَ عَلى النَّصارى فَإنَّهُ أوْجَبَ عَلَيْهِمُ العَفْوَ ولا دِيَةَ.
قَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أيْ بَعْدِ التَّخْفِيفِ، نَحْوَ أنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ ثُمَّ يَقْتُلَ القاتِلَ، أوْ يَعْفُوَ ثُمَّ يَقْتَصَّ.
وقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِيمَن قَتَلَ القاتِلَ بَعْدَ أخْذِ الدِّيَةِ.
فَقالَ جَماعَةٌ مِنهم مالِكٌ والشّافِعِيُّ: إنَّهُ كَمَن قَتَلَ ابْتِداءً، إنْ شاءَ الوَلِيُّ قَتَلَهُ وإنْ شاءَ عَفا عَنْهُ.
وقالَ قَتادَةُ وعِكْرِمَةُ والسُّدِّيُّ وغَيْرُهم: عَذابُهُ أنْ يُقْتَلَ ألْبَتَّةَ، ولا يُمَكِّنَ الحاكِمُ الوَلِيَّ مِنَ العَفْوِ.
وقالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: أمْرُهُ إلى الإمامِ يَصْنَعُ فِيهِ ما رَأى.
وقَوْلُهُ: ﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ أيْ لَكم في هَذا الحُكْمِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لَكم حَياةٌ، لِأنَّ الرَّجُلَ إذا عَلِمَ أنَّهُ يُقْتَلُ قِصاصًا إذا قَتَلَ آخَرَ كَفَّ عَنِ القَتْلِ وانْزَجَرَ عَنِ التَّسَرُّعِ إلَيْهِ والوُقُوعِ فِيهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ الحَياةِ لِلنُّفُوسِ الإنْسانِيَّةِ.
وهَذا نَوْعٌ مِنَ البَلاغَةِ بَلِيغٌ، وجِنْسٌ مِنَ الفَصاحَةِ رَفِيعٌ، فَإنَّهُ جَعَلَ القِصاصَ الَّذِي هو مَوْتٌ حَياةً بِاعْتِبارِ ما يَئُولُ إلَيْهِ مِنَ ارْتِداعِ النّاسِ عَنْ قَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، إبْقاءً عَلى أنْفُسِهِمْ واسْتِدامَةً لِحَياتِهِمْ، وجَعَلَ هَذا الخِطابَ مُوَجَّهًا إلى أُولِي الألْبابِ لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ في العَواقِبِ ويَتَحامَوْنَ ما فِيهِ الضَّرَرُ الآجِلُ، وأمّا مَن كانَ مُصابًا بِالحُمْقِ والطَّيْشِ والخِفَّةِ فَإنَّهُ لا يَنْظُرُ عِنْدَ سَوْرَةِ غَضَبهِ وغَلَيانِ مَراجِلِ طَيْشِهِ إلى عاقِبَةٍ ولا يُفَكِّرُ في أمْرِ مُسْتَقْبَلٍ، كَما قالَ بَعْضُ فُتّاكِهِمْ:
؎سَأغْسِلُ عَنِّي العارَ بِالسَّيْفِ جالِبًا ∗∗∗ عَلَيَّ قَضاءُ اللَّهِ ما كانَ جالِبًا
ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحانَهُ هَذا الحُكْمَ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبادِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ أيْ تَتَحامَوْنَ القَتْلَ بِالمُحافَظَةِ عَلى القِصاصِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّقْوى.
وقَرَأ أبُو الجَوْزاءِ ولَكم في القَصَصِ حَياةٌ قِيلَ أرادَ بِالقَصَصِ القُرْآنَ، أيْ لَكم في كِتابِ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ القِصاصَ حَياةٌ، أيْ نَجاةٌ، وقِيلَ: أرادَ حَياةَ القُلُوبِ، وقِيلَ: هو مَصْدَرٌ بِمَعْنى القِصاصِ، والكُلُّ ضَعِيفٌ، والقِراءَةُ بِهِ مُنْكَرَةٌ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: إنَّ حَيَّيْنِ مِنَ العَرَبِ اقْتَتَلُوا في الجاهِلِيَّةِ قَبْلَ الإسْلامِ بِقَلِيلٍ، فَكانَ بَيْنَهم قَتْلٌ وجِراحاتٌ حَتّى قَتَلُوا العَبِيدَ والنِّساءَ، ولَمْ يَأْخُذْ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ حَتّى أسْلَمُوا، فَكانَ أحَدُ الحَيَّيْنِ يَتَطاوَلُ عَلى الآخَرِ في العُدَّةِ والأمْوالِ، فَحَلَفُوا أنْ لا يَرْضَوْا حَتّى يُقْتَلَ بِالعَبْدِ مِنّا الحُرُّ مِنهم، وبِالمَرْأةِ مِنّا الرَّجُلُ مِنهم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانُوا لا يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالمَرْأةِ، ولَكِنْ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ والمَرْأةَ بِالمَرْأةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ فَجَعَلَ الأحْرارَ في القِصاصِ سَواءً فِيما بَيْنَهم في العَمْدِ رِجالُهم ونِساءُهم في النَّفْسِ وفِيما دُونَ النَّفْسِ، وجَعَلَ العَبِيدَ مُسْتَوِينَ في العَمْدِ في النَّفْسِ وفِيما دُونَ النَّفْسِ رِجالُهم ونِساءُهم.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أبِي مالِكٍ قالَ: «كانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ الأنْصارِ قِتالٌ كانَ لِأحَدِهِما عَلى الآخَرِ الطَّوْلُ فَكَأنَّهم طَلَبُوا الفَضْلَ، فَجاءَ النَّبِيُّ ﷺ لِيُصْلِحَ بَيْنَهم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿الحُرُّ بِالحُرِّ والعَبْدُ بِالعَبْدِ والأُنْثى بِالأُنْثى﴾» قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: فَنَسَخَتْها ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ﴾ قالَ: هو العَمْدُ رَضِيَ أهْلُهُ بِالعَفْوِ.
﴿فاتِّباعٌ بِالمَعْرُوفِ﴾ أمَرَ بِهِ الطّالِبَ ﴿وأداءٌ إلَيْهِ بِإحْسانٍ﴾ مِنَ القابِلِ، قالَ: يُؤَدِّي المَطْلُوبَ بِإحْسانٍ.
﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكم ورَحْمَةٌ﴾ (p-١١٥)مِمّا كانَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ.
وأخْرَجَ نَحْوَهُ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ مِن وجْهٍ آخَرَ.
وأخْرَجَ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ في بَنِي إسْرائِيلَ القِصاصُ ولَمْ تَكُنِ الدِّيَةُ فِيهِمْ، فَقالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصاصُ في القَتْلى﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيْءٌ﴾ فالعَفْوُ أنْ تَقْبَلَ الدِّيَةَ في العَمْدِ ﴿فاتِّباعٌ بِالمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَيْهِ بِإحْسانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكم ورَحْمَةٌ﴾ مِمّا كَتَبَ عَلى مَن كانَ قَبْلَكم ﴿فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ قِيلَ: بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ ﴿فَلَهُ عَذابٌ ألِيمٌ﴾ .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ قالَ: كانَ أهْلُ التَّوْراةِ إنَّما هو القِصاصُ أوِ العَفْوُ لَيْسَ بَيْنَهُما أرْشٌ، وكانَ أهْلُ الإنْجِيلِ إنَّما هو العَفْوُ أُمِرُوا بِهِ، وجَعَلَ اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ القَتْلَ والعَفْوَ والدِّيَةَ إنْ شاءُوا، أحَلَّها لَهم ولَمْ تَكُنْ لِأُمَّةٍ قَبْلَهم.
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والبَيْهَقِيُّ عَنْ أبِي شُرَيْحٍ الخُزاعِيِّ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَن أُصِيبَ بِقَتْلٍ أوْ خَبَلٍ فَإنَّهُ يَخْتارُ إحْدى ثَلاثٍ: إمّا أنْ يَقْتَصَّ، وإمّا أنْ يَعْفُوَ، وإمّا أنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، فَإنْ أرادَ الرّابِعَةَ فَخُذُوا عَلى يَدَيْهِ، ومَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ نارُ جَهَنَّمَ خالِدًا فِيها أبَدًا» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ أنَّهُ إذا قَتَلَ بَعْدَ أخْذِ الدِّيَةِ فَلَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ، قالَ: فَعَلَيْهِ القَتْلُ لا تُقْبَلُ مِنهُ الدِّيَةُ.
قالَ: وذُكِرَ لَنا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لا أُعافِي رَجُلًا قَتَلَ بَعْدَ أخْذِ الدِّيَةِ» .
وأخْرَجَ سَمُّوَيْهِ في فَوائِدِهِ عَنْ سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ أنَّهُ قالَ: يَقْتُلُ، وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ قالَ: جَعَلَ اللَّهُ في القِصاصِ حَياةً ونَكالًا وعِظَةً إذا ذَكَرَهُ الظّالِمُ المُعْتَدِي كَفَّ عَنِ القَتْلِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ قالَ: لَعَلَّكَ تَتَّقِي أنْ تَقْتُلَهُ فَتُقْتَلَ بِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ: ﴿ياأُولِي الألْبابِ﴾ قالَ: مَن كانَ لَهُ لُبٌّ يَذْكُرُ القِصاصَ فَيَحْجِزُهُ خَوْفُ القِصاصِ عَنِ القَتْلِ ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾ قالَ: لِكَيْ تَتَّقُوا الدِّماءَ مَخافَةَ القِصاصِ.
{"ayahs_start":178,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِی ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِیَ لَهُۥ مِنۡ أَخِیهِ شَیۡءࣱ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَاۤءٌ إِلَیۡهِ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ ذَ ٰلِكَ تَخۡفِیفࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةࣱۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","وَلَكُمۡ فِی ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰةࣱ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ"],"ayah":"وَلَكُمۡ فِی ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰةࣱ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق