الباحث القرآني
﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ والمَقْصُودُ مِنهُ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلى الِانْقِيادِ لِحُكْمِ القَصّاصِ لِكَوْنِهِ شاقًّا لِلنَّفْسِ، وهو كَلامٌ في غايَةِ البَلاغَةِ، وكانَ أوْجَزُ كَلامٍ عِنْدَهم في هَذا المَعْنى: ( القَتْلُ أنْفى القَتْلَ ) وفُضِّلَ هَذا الكَلامُ عَلَيْهِ مِن وُجُوهٍ؛ الأوَّلُ: قِلَّةُ الحُرُوفِ، فَإنَّ المَلْفُوظَ هُنا عَشَرَةُ أحْرُفٍ، إذا لَمْ يُعْتَبَرِ التَّنْوِينُ حَرْفًا عَلى حِدَةٍ، وهُناكَ أرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا، الثّانِي: الِاطِّرادُ؛ إذْ في كُلِّ قِصاصٍ حَياةٌ، ولَيْسَ كُلُّ قَتْلٍ أنْفى لِلْقَتْلِ، فَإنَّ القَتْلَ ظُلْمًا أدْعى لِلْقَتْلِ، الثّالِثُ: ما في تَنْوِينِ حَياة مِنَ النَّوْعِيَّةِ أوِ التَّعْظِيمِ.
الرّابِعُ: صَنْعَةُ الطِّباقِ بَيْنَ ( القِصاصِ والحَياةِ ) فَإنَّ ( القِصاصَ ) تَفْوِيتُ الحَياةِ، فَهو مُقابِلُها.
الخامِسُ: النَّصُّ عَلى ما هو المَطْلُوبُ بِالذّاتِ - أعْنِي الحَياةَ - فَإنَّ نَفْيَ القَتْلِ إنَّما يُطْلَبُ لَها لا لِذاتِهِ.
السّادِسُ: الغَرابَةُ مِن حَيْثُ جَعْلُ الشَّيْءِ فِيهِ حاصِلًا في ضِدِّهِ، ومِن جِهَةِ أنَّ المَظْرُوفَ إذا حَواهُ الظَّرْفُ صانَهُ عَنِ التَّفَرُّقِ، فَكانَ ( القِصاصُ ) فِيما نَحْنُ فِيهِ يَحْمِي الحَياةَ مِنَ الآفاتِ. السّابِعُ: الخُلُوُّ عَنِ التَّكْرارِ مَعَ التَّقارُبِ، فَإنَّهُ لا يَخْلُو عَنِ اسْتِبْشاعِ، ولا يُعَدُّ رَدُّ العَجْزِ عَلى الصَّدْرِ حَتّى يَكُونَ مُحَسَّنًا. الثّامِنُ: عُذُوبَةُ اللَّفْظِ وسَلاسَتُهُ؛ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما في قَوْلِهِمْ مِن تَوالِي الأسْبابِ الخَفِيفَةِ؛ إذْ لَيْسَ في قَوْلِهِمْ: حَرْفانِ مُتَحَرِّكانِ عَلى التَّوالِي إلّا في مَوْضِعٍ واحِدٍ، ولا شَكَّ أنَّهُ يُنْقِصُ مِن سَلاسَةِ اللَّفْظِ وجَرَيانِهِ عَلى اللِّسانِ، وأيْضًا الخُرُوجُ مِنَ الفاءِ إلى اللّامِ، أعْدَلُ مِنَ الخُرُوجِ مِنَ اللّامِ إلى الهَمْزَةِ لِبُعْدِ الهَمْزَةِ مِنَ اللّامِ، وكَذَلِكَ الخُرُوجُ مِنَ الصّادِ إلى الحاءِ، أعْدَلُ مِنَ الخُرُوجِ مِنَ الألِفِ إلى اللّامِ. التّاسِعُ: عَدَمُ الِاحْتِياجِ إلى الحَيْثِيَّةِ، وقَوْلُهُمْ: يَحْتاجُ إلَيْها.
العاشِرُ: تَعْرِيفُ القِصاصِ بِلامِ الجِنْسِ الدّالَّةِ عَلى حَقِيقَةِ هَذا الحُكْمِ المُشْتَمِلَةِ عَلى ( الضَّرْبِ والجَرْحِ والقَتْلِ ) وغَيْرِ ذَلِكَ، وقَوْلُهم لا يَشْمَلُهُ. الحادِي عَشَرَ: خُلُوُّهُ مِن أفْعَلَ المُوهِمُ أنَّ في التَّرْكِ نَفْيًا لِلْقَتْلِ أيْضًا.
الثّانِي عَشَرَ: اشْتِمالُهُ عَلى ما يَصْلُحُ لِلْقِتالِ، وهو الحَياةُ بِخِلافِ قَوْلِهِمْ، فَإنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلى نَفْيٍ اكْتَنَفَهُ قَتْلانِ، وإنَّهُ لَمِمّا يَلِيقُ بِهِمُ. الثّالِثَ عَشَرَ: خُلُوُّهُ عَمّا يُوهِمُهُ ظاهِرُ قَوْلِهِمْ مِن كَوْنَ الشَّيْءِ سَبَبًا لِانْتِفاءِ نَفْسِهِ، وهو مُحالٌ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، فَسُبْحانَ مَن عَلَتْ كَلِمَتُهُ وبَهَرَتْ آيَتُهُ، ثُمَّ المُرادُ بِـ الحَياة إمّا الدُّنْيَوِيَّةُ، وهو الظّاهِرُ؛ لِأنَّ في (p-52)شَرْعِ ( القِصاصِ ) والعِلْمِ بِهِ يُرَوِّعُ القاتِلَ عَنِ القَتْلِ، فَيَكُونُ سَبَبَ ( حَياةِ ) نَفْسَيْنِ في هَذِهِ النَّشْأةِ، ولِأنَّهم كانُوا يَقْتُلُونَ غَيْرَ القاتِلِ، والجَماعَةَ بِالواحِدِ، فَتَثُورُ الفِتْنَةُ بَيْنَهُمْ، وتَقُومُ حَرْبُ البَسُوسِ عَلى ساقٍ، فَإذا اقْتُصَّ مِنَ القاتِلِ سَلِمَ الباقُونَ، ويَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِحَياتِهِمْ، ويَلْزَمُ عَلى الأوَّلِ الإضْمارُ، وعَلى الثّانِي التَّخْصِيصُ، وأمّا الحَياةُ الأُخْرَوِيَّةُ بِناءً عَلى أنَّ القاتِلَ إذا اقْتُصَّ مِنهُ في الدُّنْيا لَمْ يُؤاخَذْ بِحَقِّ المَقْتُولِ في الآخِرَةِ، وعَلى هَذا يَكُونُ الخِطابُ خاصًّا بِالقاتِلِينَ، والظّاهِرُ أنَّهُ عامٌّ والظَّرْفانِ إمّا خَبَرانِ لِـ حَياة أوْ أحَدُهُما خَبَرٌ والآخَرُ صِلَةٌ لَهُ، أوْ حالٌ مِنَ المُسْتَكِنِّ فِيهِ. وقَرَأ أبُو الجَوْزاءِ: ( في القَصَصِ ) وهو مَصْدَرٌ بِمَعْنى المَفْعُولِ، والمُرادُ مِنَ المَقْصُوصِ هَذا الحُكْمُ بِخُصُوصِهِ، أوِ القُرْآنُ مُطْلَقًا، وحِينَئِذٍ يُرادُ بِالحَياةِ حَياةُ القُلُوبِ لا حَياةُ الأجْسادِ، وجُوِّزَ كَوْنُ ( القَصَصِ ) مَصْدَرًا بِمَعْنى ( القِصاصِ )، فَتَبْقى ( الحَياةُ ) عَلى حالِها.
﴿يا أُولِي الألْبابِ﴾ يا ذَوِي العُقُولِ الخالِصَةِ عَنْ شَوْبِ الهَوى، وإنَّما خَصَّهم بِالنِّداءِ مَعَ أنَّ الخِطابَ السّابِقَ عامٌّ؛ لِأنَّهم أهْلُ التَّأمُّلِ في حِكْمَةِ ( القِصاصِ ) مِنَ اسْتِبْقاءِ الأرْواحِ وحِفْظِ النُّفُوسِ، وقِيلَ: لِلْإشارَةِ إلى أنَّ الحُكْمَ مَخْصُوصٌ بِالبالِغِينَ دُونَ الصِّبْيانِ ﴿لَعَلَّكم تَتَّقُونَ 179﴾ رَبَّكم بِاجْتِنابِ مَعاصِيهِ المُفْضِيَةِ إلى العَذابِ أوِ القَتْلِ بِالخَوْفِ مِنَ ( القِصاصِ ) وهو المَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنِ وزَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم -، والجُمْلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأوَّلِ الكَلامِ.
{"ayah":"وَلَكُمۡ فِی ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰةࣱ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











