الباحث القرآني

وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله حَصِيراً. روى سفيان بن سهيل عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله ﷺ‎ «إن بني إسرائيل لما اعتدوا وعتوا وقتلوا الأنبياء بعث الله عليهم ملك فارس بخت نصر، وكان الله ملكه سبعمائة سنة فسار إليهم حتّى دخل بيت المقدس فحاصرها ففتحها وقتل على دم يحيى بن زكريا (عليه السلام) سبعين ألف، ثمّ سبى أهلها وسلب حلي بيت المقدس واستخرج منها سبعين ألفا ومائة عجلة من حلي [حتى أورده بابل] [[عن تفسير الطبري: 15/ 29.]] . قال حذيفة: يا رسول الله لقد كانت بيت المقدس عظيما عند الله قال: «أجل بناه سليمان ابن داود من ذهب وياقوت وزبرجد، وكان بلاطه ذهبا وبلاطه فضة وبلاطه من ذهبا أعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين فسار بخت نصر بهذه الأشياء حتّى نزل بها بابل وأقام بنو إسرائيل في يديه مائة سنة يستعبدهم المجوس وأبناء المجوس فهم الأنبياء وأبناء الأنبياء، ثمّ إن الله تعالى رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورس وكان مؤمنا أن سر إلى بقايا ببني إسرائيل حتّى يستنقذهم فسبا كورش بني إسرائيل وحلي بيت المقدس حتّى رده إليه، فأقام بنو إسرائيل مطيعين لله مائة سنة ثم إنهم عادوا في المعاصي فسلط عليهم ملكا يقال له: إنطياخوش فغزا بني إسرائيل حتّى أتى بهم بيت المقدس فسبا أهلها وأحرق بيت المقدس وقال لهم: يا بني إسرائيل إِنْ عُدْتُمْ في المعاصي عُدْنا عليكم بالسبي، فعادوا في المعاصي فسلط الله عليهم ملكا رومية يقال له: ماقسير بن إسبيانوس فغزاهم في البر والبحر فسباهم وسبا حلي بيت المقدس وأحرق بيت المقدس» . قال رسول الله ﷺ‎: «فهذا من صفة حلي بيت المقدس ويرده المهدي إلى بيت المقدس وهو ألف سفينة وسبعمائة سفينة يرمى بها على يافا حتّى ينقل إلى بيت المقدس هديها يجمع الله الأولين والآخرين» [20] [[راجع تفسير الطبري: 15/ 29- 30.]] . وقال محمّد بن إسحاق بن يسار: كان مما أنزل الله على موسى في خبر عن بني إسرائيل في أحداثهم وما هم فاعلون بعده وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله حَصِيراً فكانت بنو إسرائيل وفيهم الأحداث والذنوب، وكان الله في ذلك متجاوزا عنهم متعطفا عليهم محسنا إليهم، فكان أول ما أنزل بهم بسبب ذنوبهم من تلك الوقائع كما أخبر على لسان موسى (عليه السلام) أن ملكا منهم كان يدعى صديقة كان الله عزّ وجلّ إذا ملك الملك عليهم بعث الله نبيا يسدده ويرشده ويكون فيما بينه وبين الله تعالى: فيتحدث إليهم في أمرهم لأنزل عليهم الكتب، إنما يؤمرون باتباع التوراة والأحكام التي فيها وينهونهم عن المعصية ويدعونهم إلى ما تركوا من الطاعة، فلما ملك الله ذلك الملك بعث الله شعياء بن أمصيا وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى، وشعياء هو الذي بشّر بعيسى ومحمّد ﷺ‎ فقال: ابشروا [ ... ] [[كلمة غير مقروءة.]] الآن يأتيك راكب الحمار ومن بعده راكب البعير، فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانا، فلما انقضى ملكه عظمت الأحداث وشعياء معه، بعث الله عليهم سنحاريب ملك بابل مع ستمائة ألف راية، فأقبل سائرا حتّى أقبل حول بيت المقدس والملك مريض في ساقه قرحة فجاء إليه شعياء فقال: يا ملك بني إسرائيل إن سنحاريب ملك بابل قد نزل هو وجنوده بستمائة ألف قد هابهم الناس وفرقوا منهم، فكبر ذلك على الملك. فقال: يا نبي الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسنحاريب وجنوده. فقال له النبي (عليه السلام) : لم يأت وحي فبيناهم إلى ذلك أوحى الله تعالى إلى شعياء النبي (عليه السلام) أن ائت ملك بني إسرائيل فمره أن يوصي بوصيته ويستخلف على ملكه من شاء من أهل بيته، فأتى شعياء صدّيقة وقال له: إن ربك قد أوحى إليك إن أمرك أن توصي بوصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من أهل بيتك فإنك ميت. فلما قال ذلك شعياء لصديقة أقبل على القبلة وصلى ودعا وبكى فقال وهو يصلي ويتضرع إلى الله تعالى بقلب مخلص متوكل رصين وظن صادق: اللهمّ رب الأرباب وإله الآلهة قدوس المتقدس يا رحمن يا رحيم يا رؤوف الذي لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ أكرمتني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل وذلك كله كان منك وأنت أعلم به مني بسري وعلانيتي لك وأن الرحمن استجاب له وكان عبدا صالحا، فأوحى الله إلى شعياء وأمره أن يخبر صديقة الملك أن ربه قد استجاب له وقبل منه ورحمه وقد أخر أجله خمس عشر سنة فأنجاه من عدوه سنحاريب ملك بابل وجنوده فأتاه شعياء النبي (عليه السلام) وأخبره بذلك، فلما قال ذلك ذهب عنه الوجع وانقطع عنه الحزن وخر ساجدا وقال: يا إلهي وإله آبائي لك سجدت وسبّحت وكرمت وعظمت، أنت الذي تعطي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أنت الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين، أنت الذي أجبت دعوتي ورحمت ضري فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعياء أن قل للملك صديقه فيأمر عبدا من عبيده فيأتيه بالتين فيجعله على قرحه فيشفى ويصبح قديرا، ففعل ذلك فشفى، وقال الملك لشعياء: سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا. فقال الله لشعياء: قل له إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلّا سنحاريب وخمسة نفر من كتّابه. فلما أصبحوا جاءه صارخ فصرخ على باب المدينة: يا ملك بني إسرائيل إن الله قد كفاك عدوك فأخرج فإن سنحاريب ومن معه هلكوا، فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مفازة ومعه خمسة من كتّابه أحدهم بخت نصّر، فجعلوهم في الجوامع ثمّ أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآوهم خرّ ساجدا حين طلعت الشمس إلى العصر، ثمّ قال لسنحاريب: كيف ترى فعل ربنا بكم؟ ألم نقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون؟ فقال سنحاريب: قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي رحمكم بها قبل أن أخرج من بلادك فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلّا قلة عقلي ولو سمعت وأطعت ما غزوتكم ولكن الشقوة غلبت عليّ وعلى من معي. فقال صديقه: الحمد لله ربّ العزة الذي [كفاناكم] بما شاء أن يبقك لي من معك لكرامة لك عليه وإنما أبقاك ومن معك ليزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة ولتخبروا من ورائكم بما رأيتم من فعل ربنا، فلذلك وذم من معك [آتون] على الله من دم قراد لو قتلت، ثمّ إن ملك بني إسرائيل أمر أمير جيشه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين ما حول بيت المقدس [وامليا] [[بلدة في ناحية الشام.]] وكان يرزقهم في كل يوم خبزتين من الشعير لكل رجل منهم. فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل: القتل خير مما يفعل بنا فأفعل ما أمرت، فأمر بهم الملك إلى سجن القتل فأوحى الله إلى شعياء النبي (عليه السلام) : أن قل لملك بني إسرائيل ليرسل سنحاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم ويحملهم حتى يبلغوا بلادهم، فبلغ شيعا [للملك ذلك] ففعل، فخرج سنحاريب ومن معه حتّى قدموا بابل فلمّا قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده، فقال له كهانته وسحرته: يا ملك [بابل] [[زيادة عن تفسير الطبري: 15/ 32.]] قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا، وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم، وكان أمر سنحاريب مما خوفوا، ثمّ كفاهم الله إياه تذكرة وعبرة ثمّ لبث سنحاريب بعد ذلك سبع سنين ثمّ مات، واستخلف [بعده] ابن ابنه على ما كان عليه، فعمل فيهم بمثل عمل جده وقضى في الملك حتّى قتل بعضهم [بعضا عليه] ونبيهم شعياء معهم لا يذعنون إليه ولا يقبلون منه، فلما فعلوا ذلك قال الله لشعياء: قم في قومك أوح على لسانك. فلما قام النبي (عليه السلام) أطلق الله لسانه بالوحي، فقال: يا سماء استمعي ويا أرض انصتي حتّى فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمة واصطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده واستقبلهم بالكرامة وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها، فآوى شاردتها وجمع ضالتها وجبر كسرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت كباشها فقتل بعضهم بعضا حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين لا يدرون من أين جاءهم الخير، أن البعيد مما يذكر وطنه فينتابه وأن الحمار مما يذكر الآري الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر المرج الذي سمن فيه فينتابه وأن هؤلاء القوم لا يدرون من أين جاءهم الخير وهم أولوا الألباب والعقول ليسوا بقرا ولا حميرا، وإني ضارب لهم مثلا فليستمعوا، قل لهم: كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمران فيها وكان لها رب حكيم قوي، فأقبل عليها بالعمارة وكره أن تخرب أرضه فأحاط عليها جدارا وشيّد فيها قصرا وأنبط نهرا وصنف فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه قيما ذا رأي وهمة ومتعة حفيظا قويا أمينا وأنتظرها فلما أطلعت جاء طلعها خروبا قالوا: بئست الأرض هذه، نرى أن يهدم جدارها وقصورها ويدفن نهرها ويقبض قيّمها ويحرق غرسها حتّى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها. قال الله لهم: فإن الجدار ذمتي وإن القصر شريعتي وإن النهر كتابي وإن القيّم نبيّ وإن الغرّاس هم وإن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وإني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم، وإنهم مثل ضربه الله تعالى لهم يتقربون إليّ بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا أكله، ويدعون أن يتقربون إليّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرّمتها فأيديهم مخضوبة منها، وثيابهم متزملة بدمائها، يشيدون لي البيوت مساجدا ويطهرون أجوافها وينجسون قلوبهم وأجسادهم ويدنسونها، فأي حاجة إلى تشييد البيوت ولست أسكنها، أم أي حاجة إلى تزويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر فيها وأسبّح ولتكون معلما لمن أراد أن يصلي فيها، يقولون: لو كان الله يقدر على أن يجمع ألفتنا لجمعها، ولو كان الله يقدر على [أن] يفقّه قلوبنا لفقهها فأعمد إلى عودين يابسين، ثمّ ائت بهما ناديهما في أجمع ما يكونون فقل للعودين: إن الله يأمركما أن تكونا عودا واحدا ففعل، ذلك في مجلسه اختلطا فصارا واحدا، فقال الله لهم: إني قد قدرت على أن أفقه العيدان اليابسة وعلى أن أؤالف بينهما فكيف لا أقدر على أن أجمع إلفهتم إن شئت، أم كيف لا أقدر على أن أفقّه قلوبهم وأنا الذي صورتها. يقولون: صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تقبل صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا، ودعونا بمثل [حنين الحمام] وبكينا مثل عواء الذئب في مكان ذلك لا نسمع ولا يستجاب لنا قال الله: فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم، ألست أسمع السامعين وأبصر الناظرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين؟ الآن ذلّت يدي؟ قلت: كيف ويداي مبسوطتان بالخير أنفق كيف أشاء ومفاتح الخزائن عندي لا يفتحها غيري أو لأن رحمتي ضاقت فكيف ورحمتي وسعت كل شيء، إنما يتراحم المتراحمون بفضلها أو لأن [البخل يعتريني] أو لست أكرم الأكرمين والفتاح بالخيرات؟ أجود من أعطي وأكرم من سئل لو أن هؤلاء القوم نظروا لأنفسهم بالحكمة التي نورت في قلوبهم فنبذوها واشتروا بها الدنيا إذا لأبصروا من حيث أتو وإذا لأيقنوا أن أنفسهم [هي] أعدى العداة فيهم، فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور [ويتقوون] عليه بطعمة الحرام؟ وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني وينتهك محارمي، أم كيف تزكوا عندي صدقاتهم؟ وهم يتصدقون بأموال غيرهم وإنما أؤجر عليها أهلها المغصوبين، أم كيف أستجيب لهم دعاءهم؟ وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد وإنما أستجيب للداع اللين وأنا أسمع قول المستضعف المسكين، وإن من علامة رضاي رضا المساكين، فلو رحموا المساكين وقربوا الضعفاء وأنصفوا المظلوم ونصروا المغصوب والمغلوب وأعدلوا الغائب [وأدوا] إلى اليتيم والأرملة والمسكين وكل ذي حق حقه، ثمّ لو كان ينبغي أن أكلم البشر إذا لكلّمتهم، وإذا لكنت نور أبصارهم وسمع آذانهم ومعقول قلوبهم وإذا لدعمت أركانهم وكنت قوة أيديهم وأرجلهم، وإذا لبثت ألسنتهم وعقولهم. يقولون: لمّا سمعوا كلامي وبلغتهم رسالاتي: إنها أقاويل متقولة وأحاديث متوارثة وتأليف كما يؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا وأن يطلعوا على علم الغيب، لاطلعوا بما توحي إليهم الشياطين وكلمهم ويستخفى بالذي يقول ويسرّ وهم يعملون أني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما يبدون وما كنتم يكتمون وإني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء أثبته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد أنه واقع، فإن صدّقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيت فإني مظهره عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. وإن كانوا يقدرون على أن يقولوا ما يشاءون فليألفوا مثل الحكمة التي أدبّر بها أمر ذلك القضاء إن كنتم صادقين فإنّي قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الإجراء وأن أجعل الملك في الدعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغنى في الفقراء والثروة في الأقلاء [والمدائن في الفلوات] والآجام في المغوز والبردة في الغيطان، والعلم في الجهلة والحكم في الأميين فسلهم متى هذا ومن القيّم بها وعلى يد من أسنّه ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون، فإني باعث لذلك نبيّا أحيا ليس أعمى من عميان ولا ضالا من ضالين وليس بفظ ولا غليظ ولا [بصخاب] في الأصوات [ولا متزين بالفحش] ولا قوال للخنى أسدده لكل جميل أهب له كل خلق [كريم] أجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقولة والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل والمعروف سيرته والحق شريعته والهدى امامه والإسلام ملته وأحمد اسمه أهدي به بعد الضلالة وأعلم به بعد الجهالة، ثمّ أرفع به بعد [الخمالة] وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد المعيلة وأجمع به بعد الفرقة وأولف به قلوبا مختلفة وأهواء متشتتة وأمما متفرقة وأجعل أمته خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إيمانا بي وتوحيدا لي وإخلاصا بي يصلون لي قياما وقعودا وركعا وسجودا ويقاتلون في سلبي صفوفا وزحوفا ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني، ألهمتهم التكبير والتوحيد والتسبيح والحمد والمدحة والتمجيد لي في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأسواق ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون في الأنصاف، قربانهم دماؤهم وأناجيلهم في صدورهم رهابين في الليل ليوث في النهار، ذلك فضلي أديته من أشاء وأنا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. فلما فرغ نبيهم شعياء إليهم من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيت شجرة وانفلقت له فدخل فيها [وأدركه الشيطان الشجرة] فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتّى قطعوها وقطعوه في وسطها، [فاستخلف الله] على بني إسرائيل بعد قتلهم شعياء رجلا منهم يقال له ناشية بن أموص وبعث لهم الخضر نبيا- واسم الخضر ارميا بن حلفيا- وكان من سبط هارون بن عمران فأما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام [عنها وهي تهتز] خضراء، فقال الله لأرميا حين بعثه نبيا إلى بني إسرائيل: يا أرميا من قبل أن أخلقك اخترتك، ومن قبل أن أصورك في بطن أمك قدستك ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك، وذكر الحديث بطوله في خطبة أرميا لقومه وفتياه التي أفتى به، ودخول بخت نصر وجنوده بيت المقدس فوطئ الشام كما ذكرنا في سورة البقرة. فلما رأى ارميا ذلك طار حتّى خالط الوحش ودخل بخت نصّر وجنوده بيت المقدس فوطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتّى أفناهم وخرب بيت المقدس، ثمّ أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم قربته تراب ثمّ يقذفه في بيت المقدس فقذفوا فيه التراب حتّى ملؤه، ثم انصرف راجعا إلى أرض بابل واحتمل معه سبايا بني إسرائيل وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلهم فجمعوا عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل فاختار منهم بسبعين ألف صبي. فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمهم فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه: أيها الملك لك غنائمنا كلها [وأقسم بيننا] فلولا الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل، ففعل فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة وكان من أولئك الغلمان دانيال، وحنانيا، وعزاريا، وماشايل وسبعة آلاف من أهل بيت داود وأحد عشر ألفا من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه ابن يامين، وثمانية ألف من سبط أشر بن يعقوب، وأربعة عشر الفا من سبط زبالون بن يعقوب [ونفتال] بن يعقوب وأربعة ألف من سبط [يهوذا] بن يعقوب [وأربعة] ألف من سبط [روبيل ولاوي] ابني يعقوب ومن بقي من بني إسرائيل وجعلهم بخت نصر ثلاث فرق: فثلثا أقر بالشام وثلثا سبي وثلثا قتل. وذهب بأبيه بيت المقدس حتّى أقدمها بابل وذهبت بالصبيان التسعين الألف حتّى أقدمهم بابل، فكانت هذه الواقعة الأولى التي أنزل الله ببني إسرائيل بأحداثهم وظلمهم [[بتمامه في تفسير الطبري: 3/ 40- 49، و 15/ 52- 45.]] وذلك قول الله فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعني بخت نصر وأصحابه. ما يروى عن حجاج عن ابن جريج عن يعلي بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: كان رجل من بني إسرائيل يقرأ حتّى إذا بلغ بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ بكى وفاضت عيناه ثمّ أطبق المصحف وقال: أي رب أرني هذا الرجل الذي جعلت هلاك بني إسرائيل على يديه فأري في المنام مسكينا ببابل يقال له: بخت نصر فانطلق بمال [وبأعبد له] وكان رجلا موسرا [وقيل له أين] تريد؟ قال: أريد التجارة حتّى نزل دارا ببابل [فاستكبر] إلها ليس فيها أحد غيره فجعل يدعو المساكين ويتلطف بهم حتى لا يأتيه أحد فقال: هل بقي غيركم مسكين؟ قالوا: نعم مسكين [يفتح الفلان مريض] يقال له: بخت نصر، فقال لغلمانه: انطلقوا حتى أتاه، فقال: ما أسمك؟ قال: بخت نصر، فقال لغلمانه احتملوه فنقل عليه فمرّضه حتّى برأ فكساه وأعطاه نفقة ثمّ أذن الإسرائيلي بالرحيل فبكى بخت نصر، فقال الإسرائيلي: ما يبكيك؟ قال: أبكي إنك فعلت بي ما فعلت ولا أجد شيئا أجزيك، قال: بلى شيئا يسرا إن ملكت أطعتني فجعل لا يتبعه فيما سأل فقال: تستهزئ بي ولا يمنعه أن يعطيه ما سأل إلّا أنه يرى أنه يستهزئ به قبلي الإسرائيلي، فقال: لقد علمت ما يمنعك أن تعطيني ما سألتك إلّا أن الله يريد أن ينفذ ما قد قضى وكتب في كتابه وضرب الدهر من ضربه. قال صيحورا ملك فارس ببابل: لو إنا بعثنا طليعة إلى الشام قالوا: وما ضرك لو فعلت؟ قال فمن ترون قال: فلان فبعث رجلا وأعطاه مائة ألف وخرج بخت نصر في مطبخه لا يخرج إلّا ليأكل في مطبخه. فلما قدم الشام رأى صاحب الطليعة أكثر أرض الله فرسا ورجالا [جاء وقد كسر] ذلك في ذرعه فلم يسأل قال: فجعل بخت نصر يجلس مجالس أهل الشام فيقول: ما يمنعكم أن تغزوا بابل فإذا غزوتموها ما دون بيت مالها شيء. قالوا: لا نحسن القتال، قال: ولو أنكم غزوتهم قالوا: لا نحسن القتال ولا نقاتل حتّى أنفذ مجالس أهل الشام، ثمّ رجعوا فأخبر الطليعة ملكهم بما رأى وجعل بخت نصر يقول لفوارس الملك: لو دعاني الملك لأخبرته غير ما أخبره فلان، فرفع ذلك إليه فدعاه فأخبره الخبر وقال: إن فلانا لما رأى أكثر أرض الله فرسا ورجالا جلدا كبر ذلك في روعه ولم يسألهم عن شيء، قال: لم أدع مجلسا شيئا بالشام [الآجال وأصله] فقلت لهم: كذا وكذا، فقالوا لي: كذا وكذا. قال سعيد بن جبير: وقال صاحب الطليعة لبخت نصر: إن صحبتني أعطي لك مائة ألف وتنزع عما قلت. قال: لو أعطيتني بيت مال بابل لما نزعت فضرب الدهر من ضربة، فقال الملك: لو بعثنا جريدة خيل إلى الشام، فإن وجدوا مساغا وإلا انثنوا ما قدورا عليه، قال: وما ضرّك لو فعلت، قال: فمن ترون؟ قالوا: فلان. قال: هل الرجل الذي [أخبرني بما أخبرني] فدعا بخت نصر فأرسله وانتخب معه أربعمائة ألف من فرسانهم فانطلقوا فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ [فسبوا] ما شاء الله ولم [يخرّبوا] ولم يقتلوا، ومات [صيحون فقالوا] : استخلفوا رجلا، قالوا: على رسلكم حتّى يأتي أصحابكم فإنهم فرسانكم لن ينقضوا عليكم شيئا، أمهلوا فأمهلوا حتّى جاء بخت نصر [بالسبي] وما معه فقسمه في الناس، فقالوا: ما رأينا أحدا أحق بالملك من هذا فملكوه [[تفسير الطبري: 15/ 39 وتصويب العبارة منه.]] . وقال السدي بإسناده: إن رجلا من بني إسرائيل رأى في النوم أن خراب بيت المقدس هلاك بني إسرائيل [خلي إليّ] غلام يتيم ابن أرملة من أهل بابل يدعى بخت نصر وكانوا يصدقون فيصدق، فأقبل يسأل عنه حتّى [نزل على أبيه] وهو يحتطب فلما جاءوا على رأسه حزمة من حطب ألقاها ثمّ قعد في جانب من البيت فكلمه ثمّ أعطاه ثلاثة دراهم، فقال: اشتر بهذا طعاما وشرابا واشترى بدرهم لحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا، فأكلوا وشربوا حتّى كان اليوم الثاني فعل به مثل ذلك، حتّى إذا كان اليوم الثالث فعل به ذلك، ثمّ قال: إني أحب أن [تكتب لي أمانا] إن كانت ملكت يوما من الدهر، فقال: أتسخر مني؟ قال: إني لا أسخر بك [ولكن ما عليك لن تتخذ] بها عندي مريدا فكلمته أية، فقالت: يا ملك إن كان مالا لم ينقصك شيئا فيكتب به أمانا، فقال: أرأيت إن جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك فاجعل لي آية تعرفني بها، قال: ترفع صحيفتك على قصبة فأعرفك بها فكساه وأعطاه. ثمّ إن ملك بني إسرائيل كان يكرم يحيى بن زكريا (عليهما السلام) ويدني مجلسه ويستشيره في أمره ولا يقطع أمرا دونه [فإنه هوى] أن يتزوج ابنة امرأة له، فسأل عن ذلك يحيى فنهاه عن نكاحها، قال: لست أرضاها لك، فبلغ ذلك أمها فحقدت على [يحيى] حين نهاه أن يتزوج ابنتها [فذهبت إلى جارية] حين حس الملك على شرابه، فألبستها ثيابا رقاقا خضراء وطيبتها وألبستها من الحلي وألبستها فوق ذلك كساء أسود فأرسلتها إلى الملك وأمرتها أن تسقيه وأن تتعرض له فإن راودها عن نفسها أتت عليه حتّى يعطيها ما سألته، فإذا أعطاها ذلك سألته أن يأتي برأس يحيى بن زكريا (عليهما السلام) في طشت، ففعلت فجعلت تسقيه وتعرض له فلما أخذ منه الشراب راودها عن نفسها، فقالت: لا [أقبل] حتّى تعطيني ما أسألك، قال: ما تسألين؟ قالت: أسألك أن تبعث إليّ يحيى بن زكريا فتأتي برأسه في هذا الطشت، فقال الملك: سليني غير هذا. قالت: ما أريد إلّا هذا، فلما أبت عليه بعث إليه فأتى برأسه [والرأس يتكلم] في الطشت حين وضع بين يديه وهي تقول [لا يحل لك] ، فلما أصبح إذا دمه يغلي فأمر بتراب فألقى عليه فرمى الدم فوقه فلم يزل يلقي عليه من التراب حتّى بلغ سور المدينة وهو يغلي وبلغ صيحابين فثار في الناس وأراد أن يبعث إليهم جيشا أو يؤمر عليهم رجلا. فأتاه بخت نصر فكلمه وقال: إن الذي كنت أرسلته تلك المرة ضعيف وأني قد دخلت المدينة وسمعت كلام أهلها [فأبعثني] فبعثه فسار بخت نصر حتّى إذا بلغوا ذلك المكان [تحصنوا] منه في مدائنهم فلم يطقهم فلما اشتدّ عليهم المقام وجاع أصحابه أرادوا الرجوع، فخرجت إليه عجوزا من عجائز بني إسرائيل فقالت: أين أمير الجند؟ فأتى بها إليه فقالت له: إنه قد بلغني أنك تريد [.....] [[كلمة غير مقروءة.]] ثمّ ترجع بجندك قبل أن تفتح هذه المدينة، قال: نعم، قد طال مقامي وجاع أصحابي فلست أستطيع المقام فوق الذي كان مني، فقالت: أرأيتك إن فتحت لك المدينة أتعطيني ما أسألك [فتقتل] من أمرتك بقتله وتكف إن أمرتك أن تكف؟ قال لها: نعم، قالت: إذا أصبحت فأقسم جندك أربعة أرباع ثمّ أقم على كل زاوية ربعا ثمّ ارفعوا أيديكم إلى السماء فنادوا: إنا نستفتحك يا الله بدم يحيى بن زكريا فإنها سوف تساقط، ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها فقالت له: كف يدك وأقبل على هذا الدم حتّى يسكن وانطلقت به إلى دم يحيى وهو على [تراب كثيرة] فقتل عليه حتّى سكن فقتل سبعين ألفا فلما سكن الدم، قالت له: كف يدك فإن الله تعالى إذا قتل نبي لم يرض حتّى يقتل من قتله ومن رضى قتله، وأتاه صاحب الصحيفة بصحيفة فكف عنه وعن أهل بيته وخرب بيت المقدس وأمر أن يطرح الجيفة فيه، وقال: من طرح جيفة فيه فله جزيته تلك السنة وأعانه الله على خرابة الروم من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى. فلما خربه بخت نصر ذهبت معه بوجوه بني إسرائيل وأشرافهم وذهب بدانيال وعليا وعزاريا وميشائيل هؤلاء كلهم من أولاد الأنبياء وذهب معه برأس جالوت، فلما قدم أرض بابل وجد صحابين قد مات فملك مكانه وكان أكرم الناس عليه دانيال وأصحابه حسدهم المجوس على ذلك فوشوا بهم إليه وقالوا: إن دانيال وأصحابه لا يعبدون إلهك وإنما يعبدون غيره ولا يأكلون ذبيحتك فدعاهم فسألهم فقالوا: أجل إن لنا ربا نعبده ولسنا نأكل من ذبيحتكم فأمر بحد فخدّ لهم فألقوا فيه وهم ستة وألقى معهم سبعا ضاريا ليأكلهم، ففعلوا ذلك فانطلقوا ليأكلوا ويشربوا فذهبوا فأكلوا وشربوا ثمّ راحوا فوجدوهم جلوسا والسبع معترش ذراعيه بينهم لم يخدش منهم أحدا ولم ينكأه شيئا ووجدوا معهم رجلا فعدوهم فوجدوهم سبعة فقالوا: ما بال هذا السابع وإنما كانوا ستة فخرج إليهم السابع وكان ملكا من الملائكة فلطمه لطمة فصار في الوحش ومسخه الله سبع سنين فيه. ثمّ إن بخت نصر رأى رؤيا عبّرها له دانيال (عليه السلام) ، وهو ما روى إسماعيل بن عبد الكريم عن عبد الصمد بن معقل أنه سمع راهبا يقول: إن بخت نصر رأى في آخر زمانه صنما رأسه من ذهب وصدره من فضة وبطنه من نحاس وفخذاه من حديد وساقاه من فخار، ثمّ رأى حمرا من السماء وقع عليه قذفه ثمّ أتاه الحجر حتّى ربا فملىء ما بين المشرق والمغرب، ورأى شجرة أصلها في الأرض وفروعها في السماء ثمّ رأى رجلا بيده فأس، وسمع مناديا ينادي: اضرب بجذعها لتفرق الطير من فروعها وتفرق الدواب والسباع من تحتها، وأنزل [....] [[كلمة غير مقروءة.]] عبرها له دانيال (عليه السلام) . قال: أما الصنم الذي رأيت فأتيت الرأس الذهب فأنت أفضل الملوك، وأما الصدر الذي [رأيت] من فضة فابنك يملك من [بعدك] ، وأما البطن الذي رأيت من نحاس فذلك يكون من بعد [ابنك] وأما رأيت من الفخذ من حديد فهو ملك أهل فارس يكون ملكهم شديدا مثل الحديد، وأما الرجل من فخار فتفرق أهل فارس فرقتين ولا يكون فيهم حينئذ قوام كما لم يلين قوام الصنم على رجلين من فخار، وأما الحجر الذي ربا حتّى ملأ ما بين المشرق والمغرب فنبي يبعثه الله في آخر الزمان فيفرق ملكهم كله [[هكذا في الأصل.]] فيربوا ملكه حتّى يكون ما بين المشرق والمغرب. وأما الشجر الذي رأيت والطير الذي عليها والسباع والدواب التي تحتها وما أمر [بقطعها فيذهب] ملكك فيردك الله طائرا يكون شرا ملك الطير ثمّ يردك ثورا ملك الدواب ثمّ يردك الله أسدا ملك السباع والوحش سبع سنين كان مسخه كله سبع سنين. في ذلك كله قلبك قلب إنسان حتّى تعلم أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهو يقدر على الأرض ومن عليها، وما رأيت أصلها [قائما] [[هكذا في الأصل.]] فإن ملكك قائم، فمسخ بخت نصر نسرا من الطير وثورا من الدواب وأسدا من السباع ثمّ ردّ الله إليه ملكه فأمن ودعا الناس إلى الله. [وسئل وهب بن منبه] أكان مؤمنا؟ قال: وجدت أهل الكتاب قد اختلفوا فيه، فمنهم من قال: مات مؤمنا، ومنهم قال: أحرق بيت الله وكتبه وقيد الأنبياء، وغضب الله عليه غضبا، فلم يقبل منه حينئذ توبته. وقال بخت نصر لما رجع إلى صورته ثانية بعد المسخ [فردّ الله] إليه ملكه: كان دانيال وأصحابه أكرم الناس عليه فحسدتهم المجوس وقالوا لبخت نصر: إن دانيال إذا شرب الخمر لم يملك نفسه أن يبول، وكان ذلك فيهم عارا فجعل لهم بخت نصر طعاما فأكلوا وشربوا وقال للبواب: أنظر أول من يخرج عليك ليبول فاضربه بالطبرزين [[الطبرزين: آلة من السلاح تشبه الطبر والفأس.]] وإن قال: أنا بخت نصر، فقل: كذبت بخت نصر أمرني به فحبس الله عن دانيال البول وكان أول من قام من القوم يريد البول بخت نصر وكان مدلا وكان ليلا، فقام يسحب ثيابه فلما رآه البوّاب شد عليه فقال: أنا بخت نصر قال: كذبت بخت نصر أمرني أن أقتل أول من يخرج فضربه فقتله [[بتمامه في تفسير الطبري مع تفاوت: 15/ 45.]] . وأما محمّد بن إسحاق بن يسار فإنه قال: في هلاك بخت نصر غير ما قال السدي، وذلك أنه قال بإسناده: لما أراد الله [......] ليبعث فقال لمن كان في [......] [[كلام غير مقروء.]] وكان يعذبه من بني إسرائيل: أن أتتم هذا البيت الذي خربته وهؤلاء الناس الذين قلت من هم وما هذا البيت، فقالوا: هذا بيت الله ومسجد من مساجده وهؤلاء أهله، كانوا من [ذراري الأنبياء] وظلموا [وتعذروا] [[هكذا في الأصل.]] وعصوا عليهم بذنوبهم وكان ربهم رب السماوات والأرض ورب الخلق كلهم يكرههم ويمنعهم [ويحرمهم] ، فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله وسلط عليهم غيرهم. قال: فأخبروني ما الذي يطلع بي إلى السماء العليا لعلي أطلع عليها فأقبل من فيها واتخذها ملكا فإني قد [فرغت] من الأرض ومن فيها، قالوا: ما يقدر عليه أحد من الخلائق، قال: لتفعلن [أو لأقتلنكم عن آخركم] [[هكذا في الأصل.]] فبكوا إلى الله وتضرعوا إليه، فبعث الله عليه بقدرته بعوضة ليرى ضعفه وهو انه فدخلت في منخره ثمّ سلفت في منخره حتّى عضت بأم الدماغ، فما كان [يقر ولا يسكن] [[هكذا في الأصل.]] حتّى توجأ له رأسه على أم دماغه فلما عرف الموت قال لخاصته من أهله: إذا مت فشقوا رأسي وانظروا ما هذا الذي قتلني، فلما مات شق رأسه فوجد البعوضة عاضة بأم دماغه، ليرى الله العباد قدرته وسلطانه ويحيى الله من كان بقي في يديه من بني إسرائيل وترحم عليهم وردهم إلى إيليا والشام فبنوا فيها وأربوا وكثروا حتّى كانوا على أحسن ما كانوا عليه. ويزعمون أن الله تعالى اختار توليت الموتى الذين قتلوا ولحقوا بهم، ثمّ إنهم لما رجعوا إلى الشام وقد أحرق التوراة [وليس معهم عهد] من الله جدد الله توراته وردها عليهم على لسان عزيز (عليه السلام) وقد مضت القصة، فهذا الذي ذكرت جميع أمر بخت نصر على ما جاء في التفسير المعتمد في أخبار الأنبياء، إلّا أن رواية من روى أن بخت نصر هو الذي غزا بني إسرائيل عند [قتلهم] يحيى بن زكريا غلط [أهل السير] والأخبار والعلم بأمور الماضين من أهل الكتاب والمسلمين، ذلك أنهم مجمعون على أن بخت نصر غزا بني إسرائيل عند قتلهم نبيهم شعياء وفي عهد أورميا بن حلفيا (عليه السلام) وهي الوقعة الأولى التي قال الله فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعني بخت نصر وجنوده، قالوا ومن عهد أروميا وتخريب بخت نصر بيت المقدس إلى عهد يحيى بن زكريا أربعمائة وإحدى وستون سنة، وذلك أنهم يعدون من لدن تخريب بخت نصر بيت المقدس إلى حين [عمارته في عهد كوسك] [[كذا في تفسير القرطبي: 10/ 220 وعند الطبري: كيرش.]] سبعين سنة، ثمّ من بعد عمرانه إلى ظهور الإسكندر على بيت المقدس وحيازة ملكها إلى مملكة الإسكندر ثمانية وثمانين سنة، ثمّ من بعد مملكة الإسكندر إلى موت يحيى بن زكريا (عليه السلام) بثلاثمائة وثلاث وستون، ويروى بثلاثمائة سند وثلاث سنين. وإنما الصحيح من ذلك ما ذكر محمّد بن إسحاق بن يسار قال: كثر عن بني إسرائيل بعد ما عمرت الشام وعادوا إليها بعد اخراب بخت نصر إياها وسبيهم منها، فجعلوا بعد ذلك يحدثون الأحداث بعد مهلك عزيز (عليه السلام) ويتوب الله عليهم وبعث الله فيهم الأنبياء وفريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتّى كان آخر من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى وكانوا من بيت آل داود، فمات زكريا وقتل يحيى بسبب رغبة الملك عن نكاح ابنته، في قول عبد الله ابن الزبير وابنة أخته في قول السدي وابنة أخيه في قول ابن عبّاس. وهو الأصح إن شاء الله، لما روى الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير قال: بعث عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا في اثنى عشر من الحواريين يعلمون الناس، وكان مما نهوهم نكاح بنت الأخ، قال: وكانت لملكهم ابنت أخ تعجبه يريد أن يتزوجها وكانت لها في كل يوم حاجة يقضيها، وذكر الحديث بطوله في مقتل يحيى [[راجع تفسير القرطبي: 10/ 219.]] . رجعنا إلى حديث ابن إسحاق، فلما رفع الله موسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى بن زكريا، وبعض الناس يقول: قتلوا زكريا انبعث عليهم ملك من ملوك بابل يقال له: خردوس فسار إليهم بأهل بابل حتّى دخل عليهم الشام، فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رؤوس جنوده يدعى [نبور زاذان] صاحب القتل فقال له: إني قد كنت حلفت بإلهي لئن أنا ظهرت على أهل بيت المقدس لأقتلنهم حتّى تسيل دماؤهم في وسط عسكري، إلّا أني لا أجد أحدا أقتله، فأمره ان يقتلهم حتّى يبلغ ذلك منهم نبور زاذان، فدخل بيت المقدس وكان في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم [فوجد فيها دما يغلي] فسألهم عنه، قالوا: هذا دم قربان قربناه فلم يقبل منا فلذلك هو يغلي كما تراه ولقد قربنا منذ ثمانمائة سنة القربان فتقبل منا إلّا هذا القربان، قال: ما صدقتموني الخبر قالوا له: لو كان كأول زماننا لقبل منا ولكنه قد انقطع منا الملك والنبوة والوحي فلذلك لم يتقبل منا فذبح منهم [نبور زاذان] على ذلك الدم سبعمائة وسبعون رأسا من رؤسائهم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيعهم وأزواجهم فذبحهم [[هكذا في الأصل.]] على الدم فلم يرد ولم يهدأ فلما رأى نبور زاذان أن الدم لا يهدأ قال لهم: ويلكم يا بني إسرائيل اصدقوني واصبروا على أمر ربكم [فقد طال] ما ملكتم في الأرض، تفعلون فيها ما شئتم قبل أن لا أترك نافخ نار لا أنثى ولا ذكر إلا قتلته فلما [رأوا الجهد] وشدة القتل صدقوه القول فقالوا له: إن هذا دم نبي منا كان ينهاها عن أمور كثيرة من سخط الله فلو أطعناه فيها لكان أرشد لنا وكان يخبرنا بالملك فلم نصدقه فقتلناه فقال لهم نبور زاذان: ما كان اسمه؟ قال: يحيى بن زكريا، قال: وهل صدقتموني، بمثل هذا ينتقم منكم ربكم، فلما رأى نبور زاذان أنهم قد صدقوه خرّ ساجدا وقال لمن حوله: أغلقوا أبواب المدينة واجمعوا من كان هاهنا من جيش خردوس وخلا في بني إسرائيل. قال: يا يحيى بن زكريا قد علم ربي وربك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم من أجلك فاهدأ بأذن الله قبل أن لا يبقي من قومك أحد، فهدأ دم يحيى بن زكريا بإذن الله، ورفع نبور زاذان عنهم القتل [وقال: آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل وصدقت به وأيقنت أنه لا رب غيره، ولو كان معه آخر لم يصلح ولو كان له شريك لم تستمسك السموات والأرض، ولو كان له ولد لم يصلح، فتبارك وتقدس وتسبح وتكبر وتعظم ملك الملوك الذي له ملك السموات السبع والأرض وما فيهن وما بينهن، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فله الحكم والعلم والعزة والجبروت وهو الذي بسط الأرض وألقى فيها رواسي لئلا تزول، فكذلك ينبغي لربي أن يكون ويكون ملكه] [[راجع تفسير الطبري: 15/ 55.]] فأوحى الله تعالى إلى رؤس من رؤوس بقية الأنبياء أن نبور زاذان حبور [[الحبور بالعبرانية: حديث الإيمان.]] صدوق. وأن نبور زاذان قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل إن عدو الله خردوس أمرني أن أقتل منكم حتّى تسيل دماءكم وسط عسكره وإني لست أستطيع أن أعصيه قالوا له: افعل ما أمرت به فأمرهم فحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتّى سال الدم في العسكر وأمر بالقتلى الذين كانوا قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم حتّى كانوا فوقهم، فلم يظن خردوس إلا أن ما كان في الخندق من بني إسرائيل فلما بلغ الدم عسكره أرسل إلى نبور زاذان أن أرفع عنهم القتل فقد بلغني دماؤهم [وقد انتقمت منهم لما فعلوا] [[راجع تفسير الطبري: 15/ 55.]] ثمّ انصرف عنهم إلى بابل وقد أفنى بني إسرائيل أو كاده، وهو الوقعة الاخيرة التي أنزل الله ببني إسرائيل في قوله وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ الآيات. وكانت الوقعة الأولى: بخت نصر وجنوده ثمّ ردّ الله لهم الكرة عليهم وكانت الوقعة الاخيرة خردوس وجنوده فلم [.....] همام بعد ذلك [.....] . فانتقل الملك بالشام ونواحيها إلى الروم واليونان، ثم إن بني إسرائيل كثروا وانتشروا بعد ذلك وكانت لهم ببيت المقدس [بزواجها] على غير وجه الملك وكانوا في أهبة ومنعة إلى أن بدلوا وأحدثوا الأحداث وانتهكوا المحارم وضربوا الحدود فسلط الله عليهم ططوس بن سيبانو الرومي، فأخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرئاسة وضرب عليهم الذلة، فليسوا في أمة من الأمم إلّا وعليهم [الصغار] والملك في غيرهم وبقي بيت المقدس خرابا إلى أيام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عمّره المسلمين بأمره. وروى أبو عوانة عن أبي بشير قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ الآيات، فقال: أما الذين فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ فكان مرحا بن الجزري فإذا جاء إلى قوله تَتْبِيراً فكان جالوت الجزري شعبة من [.....] [[كلام غير مقروء.]] . ثمّ قال: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ إلى قوله تَتْبِيراً قال: هذا بخت نصر الذي خرب بيت المقدس. ثمّ قال لهم بعد ذلك عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ [على هذا ثمّ] [[هكذا في الأصل.]] وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا قال فعادوا فعيد عليهم فبعث الله عليهم ملك الروم ثمّ عادوا أيضا فعيد عليهم فبعث الله عليهم ملك [......] [[كلمة غير مقروءة.]] ثمّ عادوا أيضا فعيد عليهم سابور ذو الأكتاف. قتادة في هذه الآية (وَقَضَيْنا) قضى على القوم كما تسمعون فبعث عليهم في الأولى جالوت، فسبى وقتل وخرب وجاسوا خِلالَ الدِّيارِ، ... ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ يعني يا بني إسرائيل الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ والملك في زمان داود (عليه السلام) فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ آخر الكرتين بعث الله عليهم بخت نصر أبغض خلق الله، فسبى وقتل وخرب بيت المقدس وسامهم سوم العذاب، ثمّ قال عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ [[هكذا في الأصل.]] فعاد الله إليهم برحمته ثمّ عاد [الله إليهم بشر] [[هكذا في الأصل.]] بما عذبهم، فبعث الله عليهم ما شاء أن يبعث من آفته وعقوبتة، ثمّ بعث الله عليهم هذا الحي من العرب كما قال: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ [[سورة الأعراف: 167.]] [....] [[كلام غير مقروء.]] . وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ أي أخبرناهم وعلمناهم في ما آتيناهم من الكتب. وقال ابن عبّاس وقتادة: يعني وقضينا عليكم، وعلى هذا التأويل يكون (إلى) بمعنى (على) وبمعنى بالكتاب اللوح المحفوظ، لَتُفْسِدُنَّ قيل: لام القاسم مجازة: والله لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ بالمعاصي لَتَعْلُنَّ ولتستكبرن ولتظلمن الناس عُلُوًّا كَبِيراً فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما يعني أولي المرتين واختلفوا فيها فعلى قول قتادة: إفسادهم في المرة الأولى ما خالفوا من أحكام التوراة [وحكموا] ربهم ولم يحفظوا أمر نبيهم موسى (عليه السلام) وركبوا المحارم وتعدوا على الناس. وقال السدي: في خبر ذكره عن أبي مالك وأبي جهل عن ابن عبّاس وعن أمية الهمذاني عن ابن مسعود: إن أول الفسادين قتل زكريا. وقال ابن إسحاق: إن إفسادهم في المرة الأولى قتلهم شعياء بن أمصيا في عهد أرمياء في الشجرة. وقال ابن إسحاق: إن بعض أهل العلم أخبره أن زكريا مات موتا ولم يقتل وأن المقتول هو شعياء (عليه السلام) . بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا يعني [جالوت الجزري] وجنوده وهو الذي قتله داود. قال قتادة: وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس، وقال أبو المعلى ويعلى [[هكذا في الأصل.]] عن سعيد بن جبير: هم صحاريب من أهل نينوى، وهي الموصل. أبو بشير عنه: صرخان الخزري، وقال: ابن إسحاق: بخت نصر البابلي وأصحابه. أُولِي بَأْسٍ يعني بطش، وفي الحرب شَدِيدٍ فَجاسُوا أي خافوا وداروا. قال ابن عبّاس: مشوا، الفراء: قتلوكم بين بيوتكم. وأنشد لحسان: ومنا الذي لاقى بسيف محمّد ... فجاس به الأعداء عرض العساكر أبو عبيدة: طلبوا ما فيها كما يجوس الرجل الأخبار أي يطلبها [[راجع تفسير القرطبي: 10/ 216.]] . القتيبي: [عاشوا وقتلوا] وأفسدوا [[راجع زاد المسير لابن الجوزي: 5/ 8 ونسبه لأبي عبد الرحمن.]] . ابن جرير: طافوا من الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين فجمع التأويلات. وقرأ ابن عبّاس: فحاسوا بالحاء ومعناها واحد. خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا قضاء كائنا لا خلف فيه ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ الرجعة والدولة عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً عددا. قال القتيبي: والنفير من نفر [[هكذا في الأصل.]] مع الرجل من عشيرته وأهل بيته، يقال: النفير والنافر، وأصله القدير والقادر. إِنْ أَحْسَنْتُمْ يا بني إسرائيل أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لها ثوابا ونفعها وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها أي فعليها كقوله فَسَلامٌ لَكَ أي عليك. وقال محمّد بن جرير: قالها كما قال بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها أي إليها، وقيل: فَلَها الجزاء والعقاب. وقال الحسين بن الفضل: يعني فَلَها رب يغفر الإساءة [[تفسير القرطبي: 10/ 217.]] . فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أي المرة الآخرة من إفسادكم وذلك على قصدهم قتل عيسى (عليه السلام) يحيى حين رفع، وقتلهم يحيى بن زكريا (عليه السلام) فسلط الله عليهم الفرس والروم [...........] [[كلام غير مقروء.]] قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن بلادهم وأخذوا بلادهم وأموالهم فذلك قوله لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ أي ليحزن، واختلف القراء فيه، فقرأ الكسائي: لنسوؤ بالنون وفتح الهمزة على التعظيم اعتبارا، وَقَضَيْنا وبَعَثْنا ورَدَدْنا وأمددنا وجعلنا. وروى ذلك عن علي (رضي الله عنه) : وتصديق هذه القراءة قرأ أبي بن كعب: لنسؤنّ وجوهكم بالنون وحرف التأكيد. وقرأ أهل الكوفة: بالياء على التوحيد، ولها وجهان: أحدهما ليسؤ الله وجوهكم، والثاني ليسؤ [العدو] وجوهكم. وقرأ الباقون: لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ بالياء وضم الهمزة على الجمع، بمعنى ليسؤ العباد أولي بأس شديد وجوهكم وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعني بيت المقدس ونواحيه كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا وليهلكوا أو ليدمروا ما عَلَوْا غلبوا عليه [تدميرا] تَتْبِيراً عَسى لعلّ رَبُّكُمْ يا بني إسرائيل أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد انتقامهم منكم وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا. قال ابن عبّاس: وَإِنْ عُدْتُمْ إلى المعصية عُدْنا إلى العقوبة، فعادوا فبعث الله عليهم محمدا رسول الله ﷺ‎ يعطون الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ... وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً معينا سجنا ومحبسا من الحصر وهو الحبس، والعرب تسمى [النخيل] حصورا والملك حصيرا [لأنه محجوب محبوس] [[هكذا في الأصل.]] عن الناس. قال لبيد: وقماقم غلب الرقاب كأنهم ... جن لدى باب الحصير قيام أي باب الملك ومنه: انحصر في الكلام إذا [احتبس عليه] وأعياه، والرجل الحصور عن النساء وحصر الغائط. قال الحسن وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي فراشا ومهادا، ذهب إلى الحصير الذي يفرش، وذلك أن العرب تسمي البساط الصغير حصيرا، وهو وجه حسن وتأويل صحيح.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب