الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ في الكِتابِ﴾ مَعْنى قَضَيْنا ها هُنا أخْبَرْنا. وَيَحْتَمِلُ وجْهًا ثانِيًا: أنَّ مَعْناهُ حَكَمْنا، قالَهُ قَتادَةُ. وَمَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ أيْ قَضَيْنا عَلَيْهِمْ. ﴿لَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ الفَسادُ الَّذِي فَعَلُوهُ قَتْلُهم لِلنّاسِ ظُلْمًا وتَغَلُّبُهم عَلى أمْوالِهِمْ قَهْرًا، وإخْرابُ دِيارِهِمْ بَغْيًا. وَفِيمَن قَتَلُوهُ مِنَ الأنْبِياءِ في الفَسادِ الأوَّلِ قَوْلانِ: (p-٢٢٩)أحَدُهُما: أنَّهُ زَكَرِيّا قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. الثّانِي: أنَّهُ شِعْيا، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ، وأنَّ زَكَرِيّا ماتَ حَتْفَ أنْفِهِ. أمّا المَقْتُولُ مِنَ الأنْبِياءِ في الفَسادِ الثّانِي فَيَحْيى بْنُ زَكَرِيّا في قَوْلِ الجَمِيعِ، قالَ مُقاتِلٌ: وإنْ كانَ بَيْنَهُما مِائَتا سَنَةٍ وعَشْرٌ. ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ أُولاهُما﴾ يَعْنِي أُولى المَرَّتَيْنِ مِن فَسادِهِمْ. ﴿بَعَثْنا عَلَيْكم عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ في قَوْلِهِ بَعَثْنا وجْهانِ: أحَدُهُما: خَلَّيْنا بَيْنَكم وبَيْنَهم خِذْلانًا لَكم بِظُلْمِكم، قالَهُ الحَسَنُ. الثّانِي: أمَرْنا بِقِتالِكُمُ انْتِقامًا مِنكم. وَفي المَبْعُوثِ عَلَيْهِمْ في هَذِهِ المَرَّةِ الأُولى خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: جالُوتُ وكانَ مَلِكُهم طالُوتَ إلى أنْ قَتَلَهُ داوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ. الثّانِي: أنَّهُ بُخْتُنَصَّرُ، وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ. الثّالِثُ: أنَّهُ سَنْحارِيبُ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. الرّابِعُ: أنَّهُمُ العَمالِقَةُ وكانُوا كُفّارًا، قالَهُ الحَسَنُ. الخامِسُ: أنَّهم كانُوا قَوْمًا مِن أهْلِ فارِسَ يَتَجَسَّسُونَ أخْبارَهم، وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ. ﴿فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ﴾ فِيهِ خَمْسَةُ تَأْوِيلاتٍ: أحَدُها: يَعْنِي مَشَوْا وتَرَدَّدُوا بَيْنَ الدُّورِ والمَساكِنِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وهو أبْلَغُ في القَهْرِ. الثّانِي: مَعْناهُ فَداسُوا خِلالَ الدِّيارِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ إلَيْكَ جُسْتُ اللَّيْلَ بِالمَطِيِّ الثّالِثُ: مَعْناهُ فَقَتَلُوهم بَيْنَ الدُّورِ والمَساكِنِ، ومِنهُ قَوْلُ حَسّانِ بْنِ ثابِتٍ: ؎ ومِنّا الَّذِي لاقى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ ∗∗∗ فَجاسَ بِهِ الأعْداءَ عَرْضَ العَساكِرِ (p-٢٣٠)الرّابِعُ: مَعْناهُ فَتَّشُوا وطَلَبُوا خِلالَ الدِّيارِ، قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ. الخامِسُ: مَعْناهُ نَزَلُوا خِلالَ الدِّيارِ، قالَهُ قُطْرُبٌ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎ فَجُسْنا دِيارَهم عَنْوَةً ∗∗∗ وأُبْنا بِساداتِهِمْ مُوَثَّقِينا قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي الظَّفَرَ بِهِمْ، وفي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ غَزَوْا مَلِكَ بابِلَ واسْتَنْقَذُوا ما في يَدَيْهِ مِنَ الأسْرى والأمْوالِ. الثّانِي: أنَّ مَلِكَ بابِلَ أطْلَقَ مَن في يَدِهِ مِنَ الأسْرى، ورَدَّ ما في يَدِهِ مِنَ الأمْوالِ. الثّالِثُ: أنَّهُ كانَ بِقَتْلِ جالُوتَ حِينَ قَتَلَهُ داوُدُ. ﴿وَأمْدَدْناكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ﴾ بِتَجْدِيدِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ. ﴿وَجَعَلْناكم أكْثَرَ نَفِيرًا﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أكْثَرَ عِزًّا وجاهًا مِنهم. الثّانِي: أكْثَرَ عَدَدًا، وكَثْرَةُ العَدَدِ تُنَفِّرُ عَدُوَّهم مِنهم، قالَ تُبَعُ بْنُ بَكْرٍ: ؎ فَأكْرِمْ بِقَحْطانَ مِن والِدٍ ∗∗∗ وحِمْيَرَ أكْرِمْ بِقَوْمٍ نَفِيرا قالَ قَتادَةُ: فَكانُوا بِها مِائَتَيْ سَنَةٍ وعَشْرَ سِنِينَ، وبُعِثَ فِيهِمْ أنْبِياءُ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ﴾ لِأنَّ الجَزاءَ بِالثَّوابِ يَعُودُ إلَيْها، فَصارَ ذَلِكَ إحْسانًا لَها. ﴿وَإنْ أسَأْتُمْ فَلَها﴾ أيْ فَإلَيْها تَرْجِعُ الإساءَةُ لِما يَتَوَجَّهُ إلَيْها مِنَ العِقابِ، فَرَغَّبَ في الإحْسانِ وحَذَّرَ مِنَ الإساءَةِ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ يَعْنِي وعَدَ المُقابَلَةَ عَلى فَسادِهِمْ في المَرَّةِ الثّانِيَةِ. وَفِيمَن جاءَهم فِيها قَوْلانِ: أحَدُهُما: بُخْتُنَصَّرُ، قالَهُ مُجاهِدٌ. (p-٢٣١)الثّانِي: أنَّهُ انْطِياخُوسُ الرُّومِيُّ مَلِكُ أرْضِ نِينَوى، وهو قَوْلُ مُقاتِلٍ، وقِيلَ إنَّهُ قَتَلَ مِنهم مِائَةَ ألْفٍ وثَمانِينَ ألْفًا، وحَرَقَ التَّوْراةَ وأخْرَبَ بَيْتَ المَقْدِسِ، ولَمْ يَزَلْ عَلى خَرابِهِ حَتّى بَناهُ المُسْلِمُونَ. ﴿وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يَعْنِي بَيْتَ المَقْدِسِ. ﴿وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ الهَلاكُ والدَّمارُ. الثّانِي: أنَّهُ الهَدْمُ والإخْرابُ، قالَهُ قُطْرُبٌ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ: ؎ وما النّاسُ إلّا عامِلانِ فَعامِلٌ ∗∗∗ يُتَبِّرُ ما يَبْنِي وآخَرُ رافِعُ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿عَسى رَبُّكم أنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ يَعْنِي مِمّا حَلَّ بِكم مِنَ الِانْتِقامِ مِنكم. ﴿وَإنْ عُدْتُمْ عُدْنا﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: إنْ عُدْتُمْ إلى الإساءَةِ عُدْنا إلى الِانْتِقامِ، فَعادُوا. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وقَتادَةُ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنِينَ يُذِلُّونَهم بِالجِزْيَةِ والمُحارِبَةِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. الثّانِي: إنْ عُدْتُمْ إلى الطّاعَةِ عُدْنا إلى القَبُولِ، قالَهُ بَعْضُ الصّالِحِينَ. ﴿وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا﴾ فِيهِ تَأْوِيلانِ: أحَدُهُما: يَعْنِي فِراشًا ومِهادًا، قالَهُ الحَسَنُ: مَأْخُوذٌ مِنَ الحَصِيرِ المُفْتَرَشِ. الثّانِي: حَبْسًا يُحْبَسُونَ فِيهِ، قالَهُ قَتادَةُ، مَأْخُوذٌ مِنَ الحَصْرِ وهو الحَبْسُ. والعَرَبُ تُسَمِّي المَلِكَ حَصِيرًا لِأنَّهُ بِالحُجّابِ مَحْصُورٌ، قالَ لَبِيدٌ: ؎ ومَقامَةٍ غُلْبِ الرِّقابِ كَأنَّهم ∗∗∗ جِنٌّ لَدى بابِ الحَصِيرِ قِيامُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب