الباحث القرآني

﴿فَإذا جاءَ وعْدُ أُولاهُما﴾ أيْ أُولى (مَرَّتَيِ) الإفْسادِ. والوَعْدُ بِمَعْنى المَوْعُودِ مُرادٌ بِهِ العِقابُ كَما في البَحْرِ وفي الكَلامِ تَقْدِيرٌ؛ أيْ: فَإذا حانَ وقْتُ حُلُولِ العِقابِ المَوْعُودِ، وقِيلَ: الوَعْدُ بِمَعْنى الوَعِيدِ وفِيهِ تَقْدِيرٌ أيْضًا، وقِيلَ: بِمَعْنى الوَعْدِ الَّذِي يُرادُ بِهِ الوَقْتُ أيْ: فَإذا حانَ مَوْعِدُ عِقابِ أوْلاهُما ﴿بَعَثْنا عَلَيْكُمْ﴾ أرْسَلْنا لِمُؤاخَذَتِكم بِتِلْكَ الفِعْلَةِ ﴿عِبادًا لَنا﴾ وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: خَلَّيْنا بَيْنَهم وبَيْنَ ما فَعَلُوا ولَمْ نَمْنَعْهم وفِيهِ دَسِيسَةُ اعْتِزالٍ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعالى أرْسَلَ إلى مَلِكِ أُولَئِكَ العِبادِ رَسُولًا يَأْمُرُهُ بِغَزْوِ بَنِي إسْرائِيلَ فَتَكُونُ البَعْثَةُ بِأمْرٍ مِنهُ تَعالى. وقَرَأ الحَسَنُ وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمْ: (عَبِيدًا ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ ذَوِي قُوَّةٍ وبَطْشٍ في الحُرُوبِ، وقالَ الرّاغِبُ: البُؤْسُ والبَأْسُ والبَأْساءُ الشِّدَّةُ والمَكْرُوهُ إلّا أنَّ البُؤْسَ في الفَقْرِ والحَرْبِ أكْثَرُ، والبَأْسَ والبَأْساءَ في النِّكايَةِ، ومِن هُنا قِيلَ: إنَّ وصْفَ البَأْسِ بِالشَّدِيدِ مُبالَغَةٌ كَأنَّهُ قِيلَ: ذَوِي شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ كَظِلٍّ ظَلِيلٍ ولا بَأْسَ فِيهِ، وقِيلَ: إنَّهُ تَجْرِيدٌ وهو صَحِيحٌ أيْضًا. واخْتُلِفَ في تَعْيِينِ هَؤُلاءِ العِبادِ فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ: هم جالُوتُ الجَزَرِيُّ وجُنُودُهُ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وابْنُ إسْحاقَ هم سَنْجارِيبُ مَلِكُ بابِلَ وجُنُودُهُ، وقِيلَ: هُمُ العَمالِقَةُ، وفي الأعْلامِ لِلسُّهَيْلِيِّ: هم بُخْتَنَصَّرُ عامِلُ لِهْراسِفَ أحَدِ مُلُوكِ الفُرْسِ الكِيانِيَّةِ عَلى بابِلَ والرُّومِ، وجُنُودُهُ بُعِثُوا عَلَيْهِمْ حِينَ كَذَّبُوا أرْمِيا وجَرَحُوهُ وحَبَسُوهُ. قِيلَ: وهو الحَقُّ. (p-18)﴿فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ﴾ أيْ: تَرَدَّدُوا وسَطَها لِطَلَبِكم. قالَ الرّاغِبُ: جاسُوا الدِّيارَ تَوَسَّطُوها وتَرَدَّدُوا بَيْنَها، ويُقارِبُهُ حاسُوا وداسُوا، وقَرَأ: (حاسُوا) بِالحاءِ أبُو السَّمّالِ وطَلْحَةُ، وقُرِئَ أيْضًا: (تَجَوَّسُوا) بِالجِيمِ عَلى وزْنِ تَكَسَّرُوا. وقالَ أبُو زَيْدٍ: الجَوْسُ والحَوْسُ طَلَبُ الشَّيْءِ بِاسْتِقْصاءٍ، و﴿خِلالَ﴾ اسْمٌ مُفْرَدٌ؛ ولِذا قَرَأ الحَسَنُ (خَلَلَ) ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ (خِلالَ) جَمْعَ خَلَلٍ كَجِبالٍ جَمْعِ جَبَلٍ، ويُشِيرُ كَلامُ أبِي السُّعُودِ إلى اخْتِيارِهِ، وكَلامُ البَيْضاوِيِّ إلى اخْتِيارِ الأوَّلِ. ﴿وكانَ﴾ أيْ: وعْدُ أُولاهُما ﴿وعْدًا مَفْعُولا﴾ مُحَتَّمَ الفِعْلِ، فَضَمِيرُ ( كانُ ) لِلْوَعْدِ السّابِقِ، وقِيلَ: لِلْجَوْسِ المَفْهُومِ مِن جاسُوا، والجُمْهُورُ عَلى أنَّ في هَذِهِ البَعْثَةِ خَرَّبَ هَؤُلاءِ العِبادُ بَيْتَ المَقْدِسِ، ووَقَعَ القَتْلُ الذَّرِيعُ والجَلاءُ والأسْرُ في بَنِي إسْرائِيلَ وحُرِّقَتِ التَّوْراةُ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومُجاهِدٍ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وإنَّما جاسَ الغازُونَ خِلالَ الدِّيارِ وانْصَرَفُوا بِدُونِ قِتالٍ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب