الباحث القرآني
وقوله تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ، قال جابر بن عبد اللَّه وغيره: هذه الآيةُ نَزَلَتْ بسبب أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ سُلْطَانِ الحبشة، آمن باللَّه، وبمحمَّد- عليه السلام-، وأصحمة [[أخرجه الطبري (3/ 559) برقم (8376) ، وعبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 144) عن قتادة، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 444) ، والبغوي في «تفسيره» (1/ 388) عن ابن عباس، وجابر، وأنس، وقتادة، وذكره ابن عطية (1/ 559) ، وذكره السيوطي في «الدر» (2/ 200) عن جابر وغيره.]] : تفسيره بالعربيّة: عَطِيَّة قاله سفيان وغيره، وقال قومٌ: نزلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ [[أخرجه الطبري (3/ 560) برقم (8382) عن ابن جريج، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 388) عن ابن جريج، والماوردي في «تفسيره» (1/ 445) ، وابن عطية (1/ 559) .]] ، وقال ابنُ زَيْدٍ ومجاهدٌ: نَزَلَتْ في جميعِ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب [[أخرجه الطبري (3/ 560) برقم (8384) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 388) ، والماوردي (1/ 445) ، وابن عطية (1/ 559) .]] .
وقوله سبحانه: لاَ يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا: مدحٌ لهم، وذَمٌّ لسائر كفَّار أهل الكتاب لتبديلهم وإيثارهم مكاسبَ الدُّنْيا على آخرتهم، وعلى آياتِ اللَّهِ سُبْحانه، ثم خَتَمَ اللَّه سُبْحانه السُّورة بهذه الوَصَاةِ التي جَمَعَتِ الظُّهورَ في الدنيا علَى الأعداء، والفَوْزَ بنعيمِ الآخرةِ، فحضَّ سبحانه على الصبْرِ على الطاعات، وعنِ الشهواتِ، وأَمَرَ بالمصابرةِ، فقيل: معناه مصابرةُ الأعداء قاله زيدُ بْنُ أسلم [[ذكره ابن عطية (1/ 559) .]] ، وقيل: معناه مصابَرَةَ وعْدِ اللَّهِ فِي النَّصْر قاله محمدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ [[ينظر المصدر السابق.]] ، أي: لا تسأَمُوا وانتظروا الفرج، وقد قال ﷺ:
«انتظار الفَرَجِ بِالصَّبْرِ عِبَادَةٌ» [[أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» رقم (44، 45) من حديث ابن عمرو ابن عباس.]] .
قال الفَخْر [[ينظر: «مفاتيح الغيب» للرازي (9/ 126) .]] : والمصابرةُ عبارةٌ عن تحمُّل المكارِهِ الواقعة بَيْن الإنسان، وبَيْن الغَيْر.
انتهى.
وقوله: وَرابِطُوا: معناه عند الجُمْهُور: رَابِطُوا أعداءكم الخَيْلَ، أي: ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم، قلْتُ: وروى مسلمٌ في «صحيحه» ، عن سلمان، قال: سمعت النّبيّ ﷺ يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وإنْ مَاتَ جرى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الفَتَّان» [[أخرجه مسلم (3/ 1520) كتاب «الإمارة» باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل، حديث (163/ 1913) من حديث سلمان.]] ، وخَرَّجَ الترمذيُّ، عن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عن النّبيّ ﷺ قَالَ: «كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ على عَمَلِهِ إلاَّ الَّذِي مَاتَ مُرَابِطاً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فإنَّهُ يَنْمُو عَمَلُهُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ» ، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسن صحيحٌ [[أخرجه الترمذي (4/ 165) ، كتاب «فضائل الجهاد» ، باب ما جاء في فضل من مات مرابطا، حديث (1621) ، وأبو داود (2/ 12) ، كتاب «الجهاد» ، باب في فضل الرباط، حديث (2500) ، وأحمد (6/ 20، 22) ، وسعيد بن منصور (2/ 194) رقم (2414) ، وابن حبان (1624- موارد) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (3/ 102) ، والحاكم (2/ 72) ، والطبراني في «الكبير» (18/ 311) رقم (802) كلهم من طريق أبي هانىء الخولاني عن عمرو بن مالك عن فضالة بن عبيد به.
وقال الترمذي: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِ مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان.]] ، وخرَّجه أبو داود بمعناه، وقال: «ويُؤْمَنُ مِنْ فَتَّانِي القَبْرِ» [[ينظر الحديث السابق.]] ، وخرَّجه ابنُ ماجة بإسناد صحيح، عن أبي هريرة، عن النبيّ ﷺ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ مُرَابِطاً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَجْرَى اللَّهُ عَلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وأجرى عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَأَمِنَ الفَتَّانَ، وَيَبْعَثُهُ اللَّهُ آمناً مِنَ الفَزَعَ» [[أخرجه ابن ماجة (2/ 924) ، كتاب «الجهاد» ، باب فضل الرباط في سبيل الله، حديث (2767) .
وقال البوصيري في «الزوائد» (2/ 391) ، هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.]] ، وروى مسلم والبخاريّ، عن النبيّ ﷺ أنه قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، ومَا فِيهَا» [[تقدم تخريجه.]] . انتهى.
وجاء في فَضْل الرباطِ أحاديثُ كثيرةٌ يطُولُ ذكْرها.
قال صاحبُ «التَّذْكرة» : وروى أبيُّ بن كَعْب، عن النبيّ ﷺ قَالَ: «لَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان- أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صِيَامِهَا، وقِيَامِهَا، وَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ عند الله وأعظم أجرا» ، أراه قال:
«من عِبَادَةِ أَلْفَيْ سَنَةٍ، صِيَامِهَا، وقِيَامِهَا ... » [[أخرجه ابن ماجة (2/ 924- 925) كتاب «الجهاد» ، باب فضل الرباط في سبيل الله، حديث (2768) .
قال المنذري في «الترغيب» (2/ 203) : وآثار الوضع ظاهرة عليه. ولا عجب فراويه عمر بن صبح الخراساني.
وقال البوصيري في «الزوائد» (2/ 392- 393) : هذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن يعلى وشيخه عمر بن صبح، ومكحول لم يدرك أبي بن كعب، ومع ذلك فهو مدلس.]] الحديثَ ذكره القرطبيُّ مسنداً. انتهى.
والرباط: هو الملازمةُ في سَبيلِ اللَّهِ أصلها مِنْ رَبَطَ الخَيْلَ، ثم سُمِّيَ كلُّ ملازمٍ لثَغْرٍ من ثُغُور الإسلام/ مرابطاً، فارساً كان أو راجلاً، واللفظةُ مأخوذةٌ من الرَّبْط، قلْتُ:
قال الشيخُ زيْنُ الدينِ العِرَاقِيُّ في «اختصاره لغريب القرآن» لأبي حَيَّان: معنى: رابطوا: دُومُوا واثبتوا، ومتى ذكَرْتُ العِرَاقِيَّ، فمرادِي هذا الشيخُ. انتهى.
وروى ابنُ المبارك في «رقائقه» ، أنَّ هذه الآيةَ: اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا، إنما نزلَتْ في انتظار الصَّلاةِ خَلْفَ الصلاة قاله أبو سَلَمَةَ بْنُ عبدِ الرحمنِ، قال: ولم يكُنْ يومئذٍ عَدُوٌّ يرابَطُ فيه [[أخرجه الطبري (3/ 562) برقم (8394) ، والحاكم في مستدركه (2/ 301) وصححه، ووافقه الذهبي، وذكره البغوي في «تفسيره» (1/ 389) ، وابن عطية (1/ 560) ، والسيوطي في «الدر» (2/ 201) ، وعزاه لابن مردويه.]] . انتهى.
وقوله سبحانه: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ: ترجٍّ في حقِّ البَشَر، والحمد لله حقّ حمده.
{"ayahs_start":199,"ayahs":["وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَمَن یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِمۡ خَـٰشِعِینَ لِلَّهِ لَا یَشۡتَرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنࣰا قَلِیلًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱصۡبِرُوا۟ وَصَابِرُوا۟ وَرَابِطُوا۟ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱصۡبِرُوا۟ وَصَابِرُوا۟ وَرَابِطُوا۟ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق