الباحث القرآني
﴿إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾، هذه في ارتفاعها واتساعها مع ما فيها من الكواكب المختلفة، وهذه في انخفاضها، وكثافتها، وما فيها من البحار، والجبال، والأشجار، والأنهار، والزروع، والثمار، ﴿واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ تعاقبهما، وتقارضهما الطول والقصر فتارة يطول هذا أو يقصر ذلك، ثم يعتدلان، ثم يطول الذي كان قصيرًا، ويقصر الذي كان طويلًا، وكل ذلك تقدير العزيز العليم، ﴿لَآياتٍ لِأُولِي الألْبابِ﴾: دلالات على الوجود، والوحدة والعلم، والقدرة لذوي العقول الخالصة، وقد ورد: ”ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها“، ﴿الَّذِينَ يَذكُرُونَ الله﴾، وصف لأولي الألباب، ﴿قِيامًا وقُعُودًا وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾: يصلون قائمين فإن لم يستطيعوا فقعودًا، فإن لم يستطيعوا فعلى جنب، أو المراد مداومة الذكر لأن الإنسان قلما يخلو عن إحدى هذه الحالات ﴿ويَتَفَكرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ وما أبدع فيهما استدلالًا قائلين: ﴿رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا﴾ أي: الخلق، ﴿باطِلًا﴾ أي: خلقًا عبثًا بل خلقته لحكم عظيمة، ﴿سُبْحانَكَ﴾: أنزه تنزيهًا لك من خلق العبث، ﴿فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾: علمنا أنك منزه عن خلق العبث، بل ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى فقنا عذاب النار بحولك، ﴿رَبَّنا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ﴾ للخلود فيها فإنه الخزي كما قال تعالى ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ﴾ [التحريم: ٨] إلخ، ﴿فَقَدْ أخْزَيْتَهُ﴾، أهنته غاية الإهانة، وفيه إشعار بأن العذاب الروحاني أفظع، ﴿وما لِلظّالِمِينَ مِن أنْصارٍ﴾: ينصرونهم في الخروج من النار، وضع الظاهر موضع المضمر ليعلم أن سبب الخلود ظلمهم، وهذا دليل على أن المراد بالدخول هاهنا الخلود لأن للداخلين من المؤمنين أنصارًا، ﴿رَبَّنا إنَّنا سَمِعْنا مُنادِيًا﴾ أي: محمدا عليه الصلاة والسلام أو القرآن، ﴿يُنادِي لِلْإيمانِ﴾، والنداء يعدى بإلى، واللام لتضمنه معنى الانتهاء والاختصاص ﴿أنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ أي: بأن آمنوا، ﴿فَآمَنّا رَبَّنا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا﴾: كبائرنا، ﴿وكَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا﴾: صغائرنا بقبول الطاعات ﴿وتَوَفنا مَعَ الأبْرارِ﴾: معدودين في زمرة الصالحين، ﴿رَبَّنا وآتِنا ما وعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ﴾ أي: على ألسنتهم أو على تصديق رسلك من الثواب فعلى الحقيقة استعاذة من سوء العاقبة مخافة ألا يكونوا من الموعودين، ﴿ولا تُخْزِنا يَوْمَ القِيامَةِ﴾: لا تفضحنا على رءوس الأشهاد، ﴿إنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ﴾ البعث بعد الموت، ﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهُمْ﴾: يعدى بنفسه وباللام ﴿أنِّي﴾ أي: بأق، ﴿لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنكم مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى﴾: بيان عامل، ﴿بَعْضُكُم مِّنْ بَعْض﴾: في الدين أو كلكم من آدم أو لأن الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر قالت أم سلمة: يا رسول الله لا نسمع الله تعالى ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى ﴿فاستجاب لهم﴾ إلخ. ﴿فالذِينَ هاجَروا﴾: تفصيل للأعمال، ﴿وأُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأُوذُوا في سَبِيلِي وقاتَلُوا﴾: الكفار، ﴿وقُتِلُوا﴾: في الجهاد، ﴿لَأُكَفِّرَنَّ﴾: لأمحون، ﴿عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ ولَأُدْخِلَنَّهم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ تحت أشجارها، ﴿ثَوابًا مِن عِنْدِ اللهِ﴾ أيَ: لأثيبنهم ثَوابًا مِن عِنْدِ اللهِ العظيم، ﴿واللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثوابِ﴾: على الطاعات.
﴿لاَ يَغُرنكَ تَقَلبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ﴾: من السعة والتبسط في المكاسب والمزارع والمتاجر قال بعض المؤمنين: أعداء الله فيما نرى من الخير، ونحن في الجهد نزلت فالخطاب مع رسول الله ﷺ، والمراد غيره، ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ﴾ أي: ذلك التقلب متاع قليل لقلة مدته وفي جنب ما أعد الله للمؤمنين، ﴿ثُمَّ مَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المِهادُ﴾: ما مهدوا لأنفسهم، أو الفراش جهنم، ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهم لَهم جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِن عِنْدِ اللهِ﴾: هو مما يعد للنازل، ونصبه على الحال من جنات، والعامل الظرف، ﴿وما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأبْرارِ﴾: مما يتقلب فيه الفجار في الدنيا، ﴿وإنَّ مِن أهْلِ الكِتابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللهِ﴾، دخلت اللام على اسم إن للفصل بالظرف نزلت لما تُوفي النجاشي، وخرج رسول الله ﷺ وصلى كما يصلي على الجنائز فقال المنافقون: تصلى على علج مات بأرض الحبشة أو في ابن سلام وأصحابه، أو في جمع من الحبشة والروم أسلموا أو في مؤمني أهل الكتاب كلهم، ﴿وما أُنْزِلَ إلَيْكُمْ﴾: القرآن ﴿وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ﴾: من كتبهم، ﴿خاشِعِينَ لله﴾، حال من فاعل يؤمن، ﴿لاَ يَشْتَرُونَ﴾، حال آخر، ﴿بِآياتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾: لا يأخذونه بدلها كما يفعله المحرفون ﴿أُولَئِكَ لَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ إنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾، فالأجل الموعود سريع الوصول إليهم.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا﴾: على دينكم وعلى أمر الله أو على البلاء، ﴿وصابِرُوا﴾: على عدوكم، ﴿ورابِطُوا﴾ أنفسكم في مكان العبادة أي داوموا أو أبدانكم وخيولكم فى الثغور أو المراد انتظار الصلاة بعد الصلاة، ﴿واتَّقُوا اللهَ﴾: في جميع الأمور وفيما بينه وبينكم، ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ لكي تفلحوا في الدنيا، والآخرة.
والحمد لله رب العالمين أكمل الحمد وأتمه.
{"ayahs_start":190,"ayahs":["إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ","ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلࣰا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ","رَبَّنَاۤ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَیۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ","رَّبَّنَاۤ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِیࣰا یُنَادِی لِلۡإِیمَـٰنِ أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَیِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ","رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِیعَادَ","فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّی لَاۤ أُضِیعُ عَمَلَ عَـٰمِلࣲ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضࣲۖ فَٱلَّذِینَ هَاجَرُوا۟ وَأُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِمۡ وَأُوذُوا۟ فِی سَبِیلِی وَقَـٰتَلُوا۟ وَقُتِلُوا۟ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ ثَوَابࣰا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ","لَا یَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ","مَتَـٰعࣱ قَلِیلࣱ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ","لَـٰكِنِ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا نُزُلࣰا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۗ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لِّلۡأَبۡرَارِ","وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَمَن یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِمۡ خَـٰشِعِینَ لِلَّهِ لَا یَشۡتَرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنࣰا قَلِیلًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱصۡبِرُوا۟ وَصَابِرُوا۟ وَرَابِطُوا۟ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱصۡبِرُوا۟ وَصَابِرُوا۟ وَرَابِطُوا۟ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق