الباحث القرآني
ما بَيَّنَ مِنَ الحِكَمِ والأحْكامِ وشَرَحَ أحْوالَ المُؤْمِنِينَ والكافِرِينَ وما قاساهُ المُؤْمِنُونَ الكِرامُ مِن أُولَئِكَ اللِّئامِ مِنَ الآلامِ - خَتَمَ السُّورَةَ بِما يَضُوعُ مِنهُ مِسْكُ التَّمَسُّكِ بِما مَضى، ويَضِيعُ بِامْتِثالِ ما فِيهِ مَكايِدُ الأعْداءِ ولَوْ ضاقَ لَها الفَضا، فَقالَ عَزَّ مِن قائِلٍ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا﴾ أيِ احْبِسُوا نُفُوسَكم عَنِ الجَزَعِ مِمّا يَنالُها، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ الأمْرُ بِما يَعُمُّ أقْسامَ الصَّبْرِ الثَّلاثَةَ المُتَفاوِتَةَ في الدَّرَجَةِ الوارِدَةَ في الخَبَرِ، وهو الصَّبْرُ عَلى المُصِيبَةِ، والصَّبْرُ عَلى الطّاعَةِ، والصَّبْرُ عَنِ المَعْصِيَةِ، ﴿وصابِرُوا﴾ أيِ اصْبِرُوا عَلى شَدائِدِ الحَرْبِ مَعَ أعْداءِ اللَّهِ تَعالى صَبْرًا أكْثَرَ مِن صَبْرِهِمْ، وذِكْرُهُ بَعْدَ الأمْرِ بِالصَّبْرِ العامِّ لِأنَّهُ أشَدُّ فَيَكُونُ أفْضَلَ فالعَطْفُ كَعَطْفِ جِبْرِيلَ عَلى المَلائِكَةِ، (والصَّلاةِ الوُسْطى) (عَلى الصَّلَواتِ) وهَذا وإنْ آلَ إلى الأمْرِ بِالجِهادِ إلّا أنَّهُ أبْلَغُ مِنهُ ﴿ورابِطُوا﴾ أيْ أقِيمُوا في الثُّغُورِ رابِطِينَ خُيُولَكم فِيها حابِسِينَ لَها مُتَرَصِّدِينَ لِلْغَزْوِ مُسْتَعِدِّينَ لَهُ بِالِغِينَ في ذَلِكَ المَبْلَغِ الأوْفى أكْثَرَ مِن أعْدائِكم، والمُرابَطَةُ أيْضًا نَوْعٌ مِنَ الصَّبْرِ فالعَطْفُ هُنا كالعَطْفِ السّابِقِ.
وقَدْ أخْرَجَ الشَّيْخانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: «رِباطُ يَوْمٍ في سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وما عَلَيْها» . وأخْرَجَ ابْنُ ماجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «مَن ماتَ مُرابِطًا في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى أُجْرِيَ عَلَيْهِ أجْرُ عَمَلِهِ الصّالِحِ الَّذِي كانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وأمِنَ مِنَ الفَتّانِ، وبَعَثَهُ اللَّهُ تَعالى آمِنًا مِنَ الفَزَعِ ”» . وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ بِسَنَدٍ لا بَأْسَ بِهِ عَنْ جابِرٍ قالَ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:“ «مَن رابَطَ يَوْمًا في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى جَعَلَ اللَّهُ تَعالى بَيْنَهُ وبَيْنَ النّارِ سَبْعَ خَنادِقَ كُلُّ خَنْدَقٍ كَسَبْعِ سَمَواتٍ وسَبْعِ أرَضِينَ» . وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا: «الصَّلاةُ بِأرْضِ الرِّباطِ بِألْفِ ألْفَيْ صَلاةٍ» .
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ الرِّباطَ أفْضَلُ مِنَ الجِهادِ لِأنَّهُ حَقْنُ دِماءِ المُسْلِمِينَ، والجِهادُ سَفْكُ دِماءِ المُشْرِكِينَ.
﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ في مُخالَفَةِ أمْرِهِ عَلى الإطْلاقِ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ جَمِيعُ ما مَرَّ انْدِراجًا أوَّلِيًّا.
﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ (200) أيْ لِكَيْ تَظْفَرُوا وتَفُوزُوا بِنِيلِ المُنْيَةِ ودَرْكِ البُغْيَةِ والوُصُولِ إلى النُّجْحِ في الطِّلْبَةِ، وذَلِكَ حَقِيقَةُ الفَلاحِ، وهَذِهِ الآيَةُ عَلى ما سَمِعْتَ مُشْتَمِلَةٌ عَلى ما يُرْشِدُ المُؤْمِنَ إلى ما فِيهِ مَصْلَحَةُ الدِّينِ والدُّنْيا ويَرْقى بِهِ إلى الذُّرْوَةِ العُلْيا، وقَرَّرَ ذَلِكَ بَعْضُهم بِأنَّ أحْوالَ الإنْسانِ قِسْمانِ: الأوَّلُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ وحْدَهُ، والثّانِي ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِن حَيْثُ المُشارَكَةُ مَعَ أهْلِ المَنزِلِ والمَدِينَةِ، وقَدْ أمَرَ سُبْحانَهُ - نَظَرًا إلى الأوَّلِ - بِالصَّبْرِ، ويَنْدَرِجُ فِيهِ الصَّبْرُ عَلى مَشَقَّةِ النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ في مَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والمَعادِ، والصَّبْرُ عَلى أداءِ الواجِباتِ والمَندُوباتِ والِاحْتِرازِ عَنِ المَنهِيّاتِ، والصَّبْرُ عَلى شَدائِدِ الدُّنْيا وآفاتِها ومَخاوِفِها، وأمَرَ - نَظَرًا إلى الثّانِي- بِالمُصابَرَةِ ويَدْخُلُ فِيها تَحَمُّلُ الأخْلاقِ الرَّدِيَةِ مِنَ الأقارِبِ والأجانِبِ، وتَرْكُ الِانْتِقامِ مِنهم، والأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، والجِهادُ مَعَ أعْداءِ الدِّينِ بِاللِّسانِ والسِّنانِ، ثُمَّ إنَّهُ لَمّا كانَ تَكْلِيفُ الإنْسانِ بِما ذُكِرَ لا بُدَّ لَهُ مِن إصْلاحِ القُوى النَّفْسانِيَّةِ الباعِثَةِ عَلى أضْدادِ ذَلِكَ أمَرَهُ سُبْحانَهُ بِالمُرابِطَةِ أعَمَّ مِن أنْ تَكُونَ مُرابَطَةَ ثَغْرٍ أوْ نَفْسٍ، ثُمَّ لَمّا كانَتْ مُلاحَظَةُ الحَقِّ جَلَّ وعَلا لا بُدَّ مِنها في جَمِيعِ الأعْمالِ والأقْوالِ حَتّى يَكُونَ مُعْتَدًّا بِها أمَرَ سُبْحانَهُ بِالتَّقْوى، ثُمَّ لَمّا تَمَّتْ وظائِفُ العُبُودِيَّةِ خَتَمَ الكَلامَ بِوَظِيفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ وهو رَجاءُ الفَلاحِ مِنهُ انْتَهى، ولا يَخْفى أنَّهُ عَلى ما فِيهِ تَمَحُّلٌ ظاهِرٌ وتَعَسُّفٌ لا يُنْكِرُهُ إلّا مُكابِرٌ، وأوْلى مِنهُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ تَعالى أمَرَ بِالصَّبْرِ العامِّ أوَّلًا لِأنَّهُ كَما في الخَبَرِ بِمَنزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الجَسَدِ وهو مِفْتاحُ الفَرَجِ. (p-176)وقالَ بَعْضُهم: لِكُلِّ شَيْءٍ جَوْهَرٌ، وجَوْهَرُ الإنْسانِ العَقْلُ، وجَوْهَرُ العَقْلِ الصَّبْرُ، وادَّعى غَيْرُ واحِدٍ أنَّ جَمِيعَ المَراتِبِ العَلِيَّةِ والمَراقِي السَّنِيَّةِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ لا تُنالُ إلّا بِالصَّبْرِ، ومِن هُنا قالَ الشّاعِرُ:
؎لَأسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أوْ أُدْرِكَ المُنى فَما انْقادَتِ الآمالُ إلّا لِصابِرِ
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أمَرَ ثانِيًا بِنَوْعٍ خاصٍّ مِنَ الصَّبْرِ وهي المُجاهِدَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِها النَّفْعُ العامُّ والعِزُّ التّامُّ، وقَدْ جاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «إذا تَرَكْتُمُ الجِهادَ سَلَّطَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْكم ذُلًّا لا يَنْزِعُهُ حَتّى تَرْجِعُوا إلى دِينِكم» . ثُمَّ تَرَقّى إلى نَوْعٍ آخَرَ مِن ذَلِكَ هو أعْلى وأغْلى وهو المُرابَطَةُ الَّتِي هي الإقامَةُ في ثَغْرٍ لِدَفْعِ سُوءٍ مُتَرَقَّبٍ مِمَّنْ وراءَهُ، ثُمَّ أمَرَ سُبْحانَهُ آخِرَ الأمْرِ بِالتَّقْوى العامَّةِ إذْ لَوْلاها لَأوْشَكَ أنْ يُخالِطَ تِلْكَ الأشْياءَ شَيْءٌ مِنَ الرِّياءِ والعُجْبِ ورُؤْيَةِ غَيْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ فَيُفْسِدُها، وبِهَذا تَمَّ المَعْجُونُ الَّذِي يُبْرِئُ العِلَّةَ ورُوِّقَ الشَّرابُ الَّذِي يَرْوِي الغُلَّةَ.
ومِن هُنا عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ: ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى ما هو المَشْهُورُ في تَفْسِيرِ الآيَةِ، وقَدْ رُوِيَ في بَعْضِ الآثارِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: أقَبْلَ عَلَيَّ أبُو هُرَيْرَةَ يَوْمًا فَقالَ: أتَدْرِي يا ابْنَ أخِي فِيمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا﴾ إلَخْ ؟ قُلْتُ: لا، قالَ: أمّا إنَّهُ لَمْ يَكُنْ في زَمانِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَزْوٌ يُرابِطُونَ فِيهِ ولَكِنَّها نَزَلَتْ في قَوْمٍ يَعْمُرُونَ المَساجِدَ، يُصَلُّونَ الصَّلاةَ في مَواقِيتِها ثُمَّ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيها، فَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ أيِ ﴿اصْبِرُوا﴾ عَلى الصَّلَواتِ الخَمْسِ ﴿وصابِرُوا﴾ أنْفُسَكم وهَواكم ﴿ورابِطُوا﴾ في مَساجِدِكم ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ فِيما عَلَّمَكم ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ .
وأخْرَجَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ وأحْمَدُ ومُسْلِمٌ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ قالَ: «ألا أُخْبِرُكم بِما يَمْحُو اللَّهُ تَعالى بِهِ الخَطايا ويَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجاتِ ؟ إسْباغُ الوُضُوءِ عَلى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ فَذَلِكُمُ الرِّباطُ فَذَلِكُمُ الرِّباطُ» .
ولَعَلَّ هَذِهِ الرِّوايَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أصَحُّ مِنَ الرِّوايَةِ الأُولى مَعَ ما في الحُكْمِ فِيها بِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ في زَمانِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ غَزْوٌ يُرابِطُونَ فِيهِ مِنَ البُعْدِ بَلْ لا يَكادُ يَسْلَمُ ذَلِكَ لَهُ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الرِّوايَةَ وإنْ كانَتْ صَحِيحَةً لا تُنافِي التَّفْسِيرَ المَشْهُورَ لِجَوازِ أنْ تَكُونَ اللّامُ في الرِّباطِ فِيها لِلْعَهْدِ، ويُرادُ بِهِ الرِّباطُ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى ويَكُونُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «فَذَلِكُمُ الرِّباطُ» مِن قَبِيلِ زَيْدٌ أسَدٌ، والمُرادُ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِالرِّباطِ عَلى وجْهِ المُبالِغَةِ.
وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ أنَّ المُرادَ اصْبِرُوا عَلى الجِهادِ، وصابِرُوا عَدُوَّكم، ورابِطُوا عَلى دِينِكم. وعَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قالَ: اصْبِرُوا عَلى المُصِيبَةِ، وصابِرُوا عَلى الصَّلَواتِ، ورابِطُوا في الجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى. وعَنْ قَتادَةَ أنَّهُ قالَ: اصْبِرُوا عَلى طاعَةِ اللَّهِ تَعالى، وصابِرُوا أهْلَ الضَّلالِ، ورابِطُوا في سَبِيلِ اللَّهِ. وهو قَرِيبٌ مِنَ الأوَّلِ، والأوَّلُ أوْلى.
* * *
هَذا (ومِن بابِ الإشارَةِ) ﴿إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيِ العالَمِ العُلْوِيِّ والعالَمِ السُّفْلِيِّ ﴿واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ الظُّلْمَةِ والنُّورِ ﴿لآياتٍ لأُولِي الألْبابِ﴾ وهُمُ النّاظِرُونَ إلى الخَلْقِ بِعَيْنِ الحَقِّ ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا﴾ في مَقامِ الرُّوحِ بِالمُشاهَدَةِ ﴿وقُعُودًا﴾ في مَحَلِّ القَلْبِ بِالمُكاشَفَةِ ﴿وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ أيْ تَقَلُّباتِهِمْ في مَكامِنِ النَّفْسِ بِالمُجاهَدَةِ، وقالَ بَعْضُهم: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا﴾ أيْ قائِمِينَ بِاتِّباعِ أوامِرِهِ ﴿وقُعُودًا﴾ أيْ قاعِدِينَ عَنْ زَواجِرِهِ ونَواهِيهِ ﴿وعَلى جُنُوبِهِمْ﴾ أيْ ومُجْتَنِبِينَ مُطالَعاتِ المُخالَفاتِ بِحالٍ ﴿ويَتَفَكَّرُونَ﴾ بِألْبابِهِمُ الخالِصَةِ عَنْ شَوائِبِ الوَهْمِ ﴿فِي خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ وذَلِكَ التَّفَكُّرُ عَلى مَعْنَيَيْنِ؛ الأوَّلُ طَلَبُ غَيْبَةِ القُلُوبِ في الغُيُوبِ الَّتِي هي كُنُوزُ أنْوارِ الصِّفاتِ لِإدْراكِ أنْوارِ القُدْرَةِ الَّتِي تُبَلِّغُ الشّاهِدَ إلى المَشْهُودِ، والثّانِي جَوَلانُ القُلُوبِ بِنَعْتِ التَّفَكُّرِ (p-177)فِي إبْداعِ المُلْكِ طَلَبًا لِمُشاهَدَةِ المَلِكِ في المُلْكِ فَإذا شاهَدُوا قالُوا ﴿رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلا﴾ بَلْ هو مَرايا لِأسْمائِكَ ومَظاهِرٌ لِصِفاتِكَ، ويُفْصِحُ بِالمَقْصُودِ قَوْلُ لَبِيدٍ:
؎ألا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلُ وكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحالَةَ زائِلُ
﴿سُبْحانَكَ﴾ أيْ تَنْزِيهًا لَكَ مِن أنْ يَكُونَ في الوُجُودِ سِواكَ ﴿فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ وهي نارُ الِاحْتِجابِ بِالأكْوانِ عَنْ رُؤْيَةِ المُكَوِّنِ ﴿رَبَّنا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ﴾ وتَحْجُبُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ ﴿فَقَدْ أخْزَيْتَهُ﴾ وأذْلَلْتَهُ بِالبُعْدِ عَنْكَ ﴿وما لِلظّالِمِينَ﴾ الَّذِينَ أشْرَكُوا ما لا وُجُودَ لَهُ في العِيرِ ولا النَّفِيرِ ﴿مِن أنْصارٍ﴾ لِاسْتِيلاءِ التَّجَلِّي القَهْرِيِّ عَلَيْهِمْ.
﴿رَبَّنا إنَّنا سَمِعْنا﴾ بِأسْماعِ قُلُوبِنا ﴿مُنادِيًا﴾ مِن أسْرارِنا الَّتِي هي شاطِئُ وادِي الرُّوحِ الأيْمَنِ ﴿يُنادِي لِلإيمانِ﴾ العِيانِيِّ ﴿أنْ آمِنُوا بِرَبِّكم فَآمَنّا﴾ أيْ شاهِدُوا رَبَّكم فَشاهَدْنا، أوْ ﴿إنَّنا سَمِعْنا﴾ في المَقامِ الأوَّلِ ﴿مُنادِيًا يُنادِي لِلإيمانِ﴾ والمُرادُ بِهِ هو اللَّهُ تَعالى حِينَ خاطَبَ الأرْواحَ في عالَمِ الذَّرِّ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ فَإنَّ ذَلِكَ دُعاءٌ لَهم إلى الإيمانِ ﴿فَآمَنّا﴾ يَعْنُونَ قَوْلَهم: (بَلى) حِينَ شاهَدُوهُ هُناكَ سُبْحانَهُ ﴿رَبَّنا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا﴾ أيْ ذُنُوبَ صِفاتِنا بِصِفاتِكَ ﴿وكَفِّرْ عَنّا﴾ سَيِّئاتِ أفْعالِنا بِرُؤْيَةِ أفْعالِكَ ﴿وتَوَفَّنا﴾ عَنْ ذَواتِنا بِالمَوْتِ الِاخْتِيارِيِّ ﴿مَعَ الأبْرارِ﴾ وهُمُ القائِمُونَ عَلى حَدِّ التَّفْرِيدِ والتَّوْحِيدِ ﴿رَبَّنا وآتِنا ما وعَدْتَنا عَلى﴾ ألْسِنَةِ ﴿رُسُلِكَ﴾ بِقَوْلِكَ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾، ﴿ولا تُخْزِنا يَوْمَ القِيامَةِ﴾ بِأنْ تَحْجُبَنا بِنِعْمَتِكَ عَنْكَ ﴿إنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ﴾ ﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهُمْ﴾ لِكَمالِ رَحْمَتِهِ ﴿أنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنكم مِن ذَكَرٍ﴾ القَلْبُ وعَمَلُهُ مِثْلُ الإخْلاصِ واليَقِينِ ﴿أوْ أُنْثى﴾ النَّفْسُ وعَمَلُها إذا تَرَكَتِ المُجاهَداتِ والطّاعاتِ القالَبِيَّةِ ﴿بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾ إذْ يَجْمَعُكم أصْلٌ واحِدٌ وهو الرُّوحُ الإنْسانِيَّةُ ﴿فالَّذِينَ هاجَرُوا﴾ مِن غَيْرِ اللَّهِ تَعالى إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿وأُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ﴾ وهي مَأْلُوفاتُ أنْفُسِهِمْ ﴿وأُوذُوا في سَبِيلِي﴾ بِما قاسَوْا مِنَ المُنْكِرِينَ، وعَنْ بَعْضِ العارِفِينَ أنَّ القَوْمَ إذا لَمْ يَذُوقُوا مَرارَةَ إيذاءِ المُنْكِرِينَ لَمْ يَفُوزُوا بِحَلاوَةِ كَأْسِ القُرْبِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، ولِهَذا قالَ الجُنَيْدُ - قُدِّسَ سِرُّهُ -: جَزى اللَّهُ تَعالى إخْوانَنا عَنّا خَيْرًا رَدُّونا بِجَفائِهِمْ إلى اللَّهِ تَعالى، وقاتَلُوا أنْفُسَهم فِيَّ وهي أعْدى أعْدائِهِمْ، وقُتِلُوا بِسَيْفِ الفَناءِ ﴿لأُكَفِّرَنَّ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ الصَّغائِرَ والكَبائِرَ مِن بَقايا صِفاتِهِمْ وذَواتِهِمْ ﴿ولأُدْخِلَنَّهم جَنّاتٍ﴾ ثَلاثٌ وهي جَنَّةُ الأفْعالِ، وجَنَّةُ الصِّفاتِ، وجَنَّةُ الذّاتِ ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ أنْهارُ العُلُومِ والتَّجَلِّياتِ ﴿ثَوابًا مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ الجامِعِ لِجَمِيعِ الصِّفاتِ ﴿واللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ﴾ فَلا يَكُونُ بِيَدِ غَيْرِهِ ثَوابٌ أصْلًا.
﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ حُجِبُوا عَنِ التَّوْحِيدِ ﴿فِي البِلادِ﴾ في المَقاماتِ الدُّنْيَوِيَّةِ والأحْوالِ ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ﴾ لِسُرْعَةِ زَوالِهِ وعَدَمِ نَفْعِهِ ﴿ثُمَّ مَأْواهم جَهَنَّمُ﴾ الحِرْمانُ ﴿وبِئْسَ المِهادُ﴾ الَّذِي اخْتارُوهُ بِحَسَبِ اسْتِعْدادِهِمْ.
﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ بِأنْ تَجَرَّدُوا كَمالَ التَّجَرُّدِ ﴿لَهم جَنّاتٌ﴾ ثَلاثٌ عِوَضُ ذَلِكَ ﴿نُزُلا مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ مُعَدًّا لَهم ﴿وما عِنْدَ اللَّهِ﴾ مِن نِعَمِ المُشاهِدَةِ ولِطائِفِ القُرْبَةِ وحَلاوَةِ الوُصْلَةِ ﴿خَيْرٌ لِلأبْرارِ﴾ ﴿وإنَّ مِن أهْلِ الكِتابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ ويُحَقِّقُ التَّوْحِيدَ الذّاتِيَّ ﴿وما أُنْزِلَ إلَيْكُمْ﴾ مِن عِلَمِ التَّوْحِيدِ والِاسْتِقامَةِ ﴿وما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ﴾ مِن عِلْمِ المَبْدَأِ والمَعادِ ونَيْلِ الدَّرَجاتِ ﴿خاشِعِينَ لِلَّهِ﴾ لِلتَّجَلِّي الذّاتِيِّ، وما تَجَلّى اللَّهُ تَعالى لِشَيْءٍ إلّا خَضَعَ لَهُ ﴿لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ تَعالى وهي تَجَلِّياتُ صِفاتِهِ ﴿ثَمَنًا قَلِيلا﴾ ﴿أُولَئِكَ لَهم أجْرُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ وهي تِلْكَ الجَنّاتُ ﴿إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ فَيُوصِلُ إلَيْهِمْ أجْرَهم بِلا إبْطاءٍ.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا﴾ عَنِ المَعاصِي ﴿وصابِرُوا﴾ عَلى الطّاعاتِ ﴿ورابِطُوا﴾ الأرْواحَ بِالمُشاهَدَةِ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ مِن مُشاهَدَةِ الأغْيارِ ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ بِالتَّجَرُّدِ عَنْ هُمُومِكم وخَطَراتِكم، أوْ ﴿اصْبِرُوا﴾ في مَقامِ النَّفْسِ بِالمُجاهَدَةِ ﴿وصابِرُوا﴾ في مَقامِ القَلْبِ مَعَ التَّجَلِّياتِ ﴿ورابِطُوا﴾ (p-178)فِي مَقامِ الرُّوحِ ذَواتِكم حَتّى لا تَعْتَرِيَكم فَتْرَةٌ أوْ غَفْلَةٌ واتَّقُوا اللَّهَ عَنِ المُخالَفَةِ والإعْراضِ والجَفاءِ لَعَلَّكم تَفُوزُونَ بِالفَلاحِ الحَقِيقِيِّ، نَسْألُ اللَّهَ تَعالى أنْ يَجْعَلَ لَنا الحَظَّ الأوْفى مِنِ امْتِثالِ هَذِهِ الأوامِرِ وما يَتَرَتَّبُ عَلَيْها بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ.
وهَذِهِ الآياتُ العَشْرُ كانَ يَقْرَؤُها صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كُلَّ لَيْلَةٍ، كَما أخْرَجَ ذَلِكَ ابْنُ السُّنِّيِّ وأبُو نُعَيْمٍ وابْنُ عَساكِرَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ.
وأخْرَجَ الدّارِمِيُّ عَنْ عُثْمانَ قالَ: مَن قَرَأ آخِرَ آلِ عِمْرانَ في لَيْلَةٍ كَتَبَ اللَّهُ تَعالى لَهُ قِيامَ لَيْلَةٍ، وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما مَرْفُوعًا: «مَن قَرَأ السُّورَةَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيها آلُ عِمْرانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ ومَلائِكَتُهُ حَتّى تَجِبَ الشَّمْسُ» . وخَبَرُ - «مَن قَرَأ سُورَةَ آلِ عِمْرانَ أُعْطِيَ بِكُلِّ آيَةٍ أمانًا عَلى جِسْرِ جَهَنَّمَ» - مَوْضُوعٌ مُخْتَلَقٌ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، وقَدْ عابُوا عَلى مَن أوْرَدَهُ مِنَ المُفَسِّرِينَ، نَسْألُ اللَّهَ تَعالى أنْ يَعْصِمَنا عَنِ الزَّلَلِ ويَحْفَظَنا مِنَ الخَطَأِ والخَطَلِ، إنَّهُ جَوادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، ولْيَكُنْ هَذا خاتِمَةَ ما أمْلَيْتُهُ مِن تَفْسِيرِ الفاتِحَةِ والزَّهْراوَيْنِ، وأنا أرْغَبُ إلى اللَّهِ تَعالى بِالإخْلاصِ أنْ يُوصِلَنِي إلى تَفْسِيرِ المُعَوِّذَتَيْنِ، وهو الجِلْدُ الأوَّلُ مِن رُوحِ المَعانِي ويَتْلُوهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى الجِلْدُ الثّانِي وكانَ الفَراغُ مِنهُ في غُرَّةِ مُحَرَّمِ الحَرامِ سَنَةَ 1254 ألْفٍ ومِائَتَيْنِ وأرْبَعَةٍ وخَمْسِينَ، وصَلّى اللَّهُ وسَلَّمَ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ. آمِينَ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱصۡبِرُوا۟ وَصَابِرُوا۟ وَرَابِطُوا۟ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق