الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ أخَذْنا مِيثاقَكم لا تَسْفِكُونَ دِماءَكم ولا تُخْرِجُونَ أنْفُسَكم مِن دِيارِكم ثُمَّ أقْرَرْتُمْ وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى نَوْعٍ آخَرَ مِن نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وهو أنَّهُ تَعالى كَلَّفَهم هَذا التَّكْلِيفَ وأنَّهم أقَرُّوا بِصِحَّتِهِ ثُمَّ خالَفُوا العَهْدَ فِيهِ.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُمْ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّهُ خِطابٌ لِعُلَماءِ اليَهُودِ في عَصْرِ النَّبِيِّ ﷺ .
وثانِيها: أنَّهُ خِطابٌ مَعَ أسْلافِهِمْ، وتَقْدِيرُهُ وإذْ أخَذْنا مِيثاقَ آبائِكم.
وثالِثُها: أنَّهُ خِطابٌ لِلْأسْلافِ وتَقْرِيعٌ لِلْأخْلافِ ومَعْنى: ﴿أخَذْنا مِيثاقَكُمْ﴾ أمَرْناكم وأكَّدْنا الأمْرَ وقَبِلْتُمْ وأقْرَرْتُمْ بِلُزُومِهِ ووُجُوبِهِ.
* * *
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ﴾ فَفِيهِ إشْكالٌ، وهو الإنْسانُ مُلْجَأٌ إلى أنْ لا يَقْتُلَ نَفْسَهُ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَلا فائِدَةَ في النَّهْيِ عَنْهُ.
والجَوابُ عَنْهُ مِن أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّ هَذا الإلْجاءَ قَدْ يَتَغَيَّرُ كَما ثَبَتَ في أهْلِ الهِنْدِ أنَّهم يُقَدِّرُونَ في قَتْلِ النَّفْسِ التَّخَلُّصَ مِن عالَمِ الفَسادِ واللُّحُوقَ بِعالَمِ النُّورِ والصَّلاحِ، أوْ كَثِيرٌ مِمَّنْ صَعُبَ عَلَيْهِ الزَّمانُ، وثَقُلَ عَلَيْهِ أمْرٌ مِنَ الأُمُورِ، فَيَقْتُلُ نَفْسَهُ، فَإذا انْتَفى كَوْنُ الإنْسانِ مُلْجَأً إلى تَرْكِ قَتْلِهِ نَفْسَهُ صَحَّ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا بِهِ.
وثانِيها: المُرادُ لا يَقْتُلُ بَعْضُكم بَعْضًا، وجَعَلَ غَيْرَ الرَّجُلِ نَفْسَهُ إذا اتَّصَلَ بِهِ نَسَبًا ودِينًا وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] .
وثالِثُها: أنَّهُ إذا قَتَلَ غَيْرَهُ فَكَأنَّما قَتَلَ نَفْسَهُ لِأنَّهُ يُقْتَصُّ مِنهُ.(p-١٥٦)
ورابِعُها: لا تَتَعَرَّضُوا لِمُقاتَلَةِ مَن يَقْتُلُكم فَتَكُونُوا قَدْ قَتَلْتُمْ أنْفُسَكم.
وخامِسُها: لا تَسْفِكُونَ دِماءَ مَن قِوامُكم في مَصالِحِ الدُّنْيا بِهِمْ فَتَكُونُونَ مُهْلِكِينَ لِأنْفُسِكم.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تُخْرِجُونَ أنْفُسَكُمْ﴾ فَفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: لا تَفْعَلُوا ما تَسْتَحِقُّونَ بِسَبَبِهِ أنْ تَخْرُجُوا مِن دِيارِكم.
الثّانِي: المُرادُ النَّهْيُ عَنْ إخْراجِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مِن دِيارِهِمْ لِأنَّ ذَلِكَ مِمّا يَعْظُمُ فِيهِ المِحْنَةُ والشِّدَّةُ حَتّى يُقْرُبَ مِنَ الهَلاكِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أقْرَرْتُمْ وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: وهو الأقْوى، أيْ: ثُمَّ أقْرَرْتُمْ بِالمِيثاقِ واعْتَرَفْتُمْ عَلى أنْفُسِكم بِلُزُومِهِ وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَيْها كَقَوْلِكَ فُلانٌ مُقِرٌّ عَلى نَفْسِهِ بِكَذا أيْ شاهِدٌ عَلَيْها.
وثانِيها: اعْتَرَفْتُمْ بِقَبُولِهِ وشَهِدَ بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ بِذَلِكَ لِأنَّهُ كانَ شائِعًا فِيما بَيْنَهم مَشْهُورًا.
وثالِثُها: وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ اليَوْمَ يا مَعْشَرَ اليَهُودِ عَلى إقْرارِ أسْلافِكم بِهَذا المِيثاقِ.
ورابِعُها: الإقْرارُ الَّذِي هو الرِّضاءُ بِالأمْرِ والصَّبْرِ عَلَيْهِ كَأنْ يُقالَ: فُلانٌ لا يُقِرُّ عَلى الضَّيْمِ فَيَكُونُ المَعْنى أنَّهُ تَعالى يَأْمُرُكم بِذَلِكَ ورَضِيتُمْ بِهِ فَأقَمْتُمْ عَلَيْهِ وشَهِدْتُمْ بِوُجُوبِهِ وصِحَّتِهِ، فَإنْ قِيلَ: لِمَ قالَ: ﴿أقْرَرْتُمْ وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ والمَعْنى واحِدٌ، قُلْنا فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ:
الأوَّلُ: أقْرَرْتُمْ يَعْنِي أسْلافَكم وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ الآنَ يَعْنِي عَلى إقْرارِهِمْ.
الثّانِي: أقْرَرْتُمْ في وقْتِ المِيثاقِ الَّذِي مَضى وأنْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَشْهَدُونَ.
الثّالِثُ: أنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ.
{"ayah":"وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَاۤءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق