الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ في (لا تسفكون) من وجوه الإعراب ما ذكرنا في (لا تعبدون). ويُقال: سَفَكَ يَسفِكُ ويَسفُكُ لُغتان [[ينظر: "اللسان" 4/ 2030، و"القاموس" 9425، وسفك: من باب ضرب ونصر، وبهما قرئ قوله تعالى: ويسفك الدماء، والسفك: الصب وقرأ طلحة بن مصرف بضم الفاء قال الثعلبي 1/ 1016: وهما لغتان، مثل: يعرُشون، ويعكُفون.]]. ودماء: جمع دم، قال الزجاج: وأصل دم: دَماء في قول أكثر النحويين [[عبارة الزجاج في "معاني القرآن" 1/ 165: وواحد الدماء دم يا هذا مخفف، وأصله دمىِ في قول أكثر النحويين، ودليل من قال: إن أصله دمي: قول الشاعر: فلو أنا على حجر ذبحنا ... جرى الدميان بالخبر اليقين وقال قوم: أصله: دمْي، إلا أنه لما حذف ورد إليه ما حذف منه، حركت الميم لتدل الحركة على أنه استعمل محذوفا. اهـ]]، أنشد أبو زيد: غفَلَتْ ثم أتت ترقبه ... فإذا هي بعظام ودَمَا [[ورد البيت هكذا: غفلت ثم أتت تطلبه ينظر: "الخزانة" 7/ 491، و"التنبيه" لابن بري 2/ 235، و"شرح التسهيل" 1/ 250، و"تلخيص الشواهد" ص 77، وينظر: "البحر المحيط" 2/ 1231 ولم ينسبوه.]] وقد جاء في التثنية: دَمَيَان ودَمَوَان [[في "تهذيب اللغة" 2/ 1231، فقال بعضهم في تثنية الدميان، ونقل في "اللسان" 3/ 1429 عن ابن سيده: وأما الدموان فشاذ سماعا. قال في "البحر المحيط" 1/ 281: الدم معروف وهو محذوف اللام، وهي ياء لقوله: جرى الدميان بالخبر اليقين، أو واو لقولهم: دموان، ووزنه فَعَل، وقيل: فَعْل، وقد سمع مقصورًا.]]، على الأصل، قال الشاعر: وظل لعمري في الوغى دَمَوَاهما وقال آخر: جرى الدَمَيَان بالخَبر اليقين [[البيت صدره: فلو أنا على حَجَر ذُبِحْنا .. وهو للمثقب العبدي في ملحق ديوانه ص 283، ولعلي بن بدال في "أمالي الزجاجي" ص 20. ينظر: "المعجم المفصل" 8/ 265.]] وقال الليْث: الدم معروف، والقِطعة دَمَةٌ، وكان أصله دَمَيٌ؛ لأنك تقول: دَمِيَتْ يده [[نقله عنه في "تهذيب اللغة" 14/ 216، "اللسان" 4/ 268.]]. وقد أقرأني العروضي عن الأزهري، قال: أخبرني المنذري، عن أبي الهيثم، أنه قال: الدم اسم على حرفين. فقال بعضهم في تثنيته: الدَمَيَان، وقال بعضهم: الدَّمَان، ويقال في تصريفه: دَمِيَتْ يدي تَدْمَى دَمًى، فيظهرون في دَمِيَتْ وتَدْمَى الياء والألف اللذين لم يجدوهما في دم. قال: ومثله: يَدٌ، أصله: يَدَيٌ [["تهذيب اللغة" 2/ 1231، وينظر "اللسان" 3/ 1429.]]. ومن قال بهذا القول قال: إنما حرّك الميم في قوله جرى الدمَيان؛ لإقامة الوزن، وقيل: بل وزنُه فَعَلٌ، فإنه كان (دَمَيٌ)؛ لأن الشاعر لما اضطر ردّه إلى أصل بنائه [[ينظر: "اللسان" 3/ 1429.]]. والأجود: ما حكاه الزجاج في أصل الدم. والدُّميَةُ من الدم، كأنها الحَيَوان ذُو الدم [[المرجع السابق.]]. فأما التفسير: فقال ابن عباس [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 1017، والواحدي في "الوسيط" 1/ 167.]] وقتادة [[أخرجه عن قتادة "الطبري" 1/ 394 وينظر: "التفسير الصحيح" 1/ 189، وكذا رواه عن أبي العالية، وأخرجه عن أبي العالية ابن أبي حاتم 1/ 163، ذكر أنه مروي عن الحسن والسدي ومقاتل بن حيان، وينظر: "التفسير الصحيح" 1/ 188.]]: معناه لا يسفك بعضكم دم بَعضٍ بغَير حقٍّ. وإنما قال: ﴿دِمَاءَكُمْ﴾ لأن كل قوم اجتمعوا على دين واحد فهم كنفس واحدة، وأيضًا فإنّ الرجل إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه؛ لأنه يقاد ويُقتص [[في (ش) و (م): (ويُقبض).]]، ففي النهي عن قتل نفسه على هذا الوجه نهي عن قتل غيره. [["تفسير الثعلبي" 1/ 394 - 396 ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 300، "زاد المسير" 1/ 110.]] وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ أي: لا يخرج بَعضكُم بعضًا مِن دَاره ويغلبه عَليها [[روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 163 عن أبي العالية نحوه، وينظر المصادر السابقة، و"الحجة" لأبي علي 2/ 146.]]. ﴿ثُمَّ أَقرَرتُم﴾ أي: قبلتم ذلك وأقررتم به [[أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 163 نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية وإسنادهما حسن كما في "التفسير الصحيح" 1/ 189.]]. وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ حكى محمد بن جرير، عن ابن عباس: أن هذا خطاب لليهود الذين كانوا زمن النبي ﷺ [[ذكره "الطبري" 1/ 395 - 399.]]. ومعناه: وأنتم تشهدون اليوم على إقرار أوائلكم بأخذ المِيثاق عليهم بما في الآية، فالآية وإن كانت خِطابًا فالمراد به: أوائلهم، إلّا قوله: ﴿وَأَنتُم تَشهَدُونَ﴾ على هذا القول. وقال أبو العالية: الآية كلها خبر عن الله عز وجل عن أوائلهم [[رواه "الطبري" 1/ 395 - 396.]]، وإن أخرجه مخرج المخاطبة على سعة كلام العرب، ويحتمل أن يكون قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ خِطابًا للسَلف والخلف جميعًا، يريد: أنتم تشهدُون أن هذا حق من ميثاقي عَليكم في التوراة [[قال "الطبري" 395: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب عندي أن يكون قوله: (وأنتم تشهدون) خبرًا عن أسلافهم، وداخلًا فيه المخاطبون منهم الذين أدركوا رسول الله ﷺ كما كان قوله (وإذ أخذنا ميثاقكم) خبرًا عن أسلافهم، وإن كان خطابًا للذين أدركوا رسول الله ﷺ]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب