الباحث القرآني

﴿وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُمْ﴾: مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ؛ خُوطِبَ بِهِ اليَهُودُ قاطِبَةً؛ عَلى ما ذُكِرَ مِنَ التَّغْلِيبِ؛ ونُعِيَ عَلَيْهِمْ إخْلالُهم بِمَواجِبِ المِيثاقِ المَأْخُوذِ مِنهم في حُقُوقِ العِبادِ؛ عَلى طَرِيقَةِ النَّهْيِ؛ إثْرَ بَيانِ ما فَعَلُوا بِالمِيثاقِ المَأْخُوذِ مِنهم في حُقُوقِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ -؛ وما يُجْرى مُجْراها؛ عَلى سَبِيلِ الأمْرِ؛ فَإنَّ المَقْصُودَ الأصْلِيَّ مِنَ النَّهْيِ عَنْ عِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ (تَعالى) هو الأمْرُ بِتَخْصِيصِ العِبادَةِ بِهِ (تَعالى)؛ أيْ: "واذْكُرُوا وقْتَ أخْذِنا مِيثاقَكم (p-124) فِي التَّوْراةِ"؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿لا تَسْفِكُونَ دِماءَكم ولا تُخْرِجُونَ أنْفُسَكم مِن دِيارِكُمْ﴾؛ كَما قَبْلَهُ؛ إخْبارٌ في مَعْنى النَّهْيِ؛ غُيِّرَ السَّبْكُ إلَيْهِ لِما ذُكِرَ مِن نُكْتَةِ المُبالَغَةِ؛ والمُرادُ بِهِ النَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ تَعَرُّضِ بَعْضِ بَنِي إسْرائِيلَ لِبَعْضٍ بِالقَتْلِ؛ والإجْلاءِ. والتَّعْبِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِسَفْكِ دِماءِ أنْفُسِهِمْ؛ وإخْراجِها مِن دِيارِهِمْ؛ بِناءً عَلى جَرَيانِ كُلِّ واحِدٍ مِنهم مُجْرى أنْفُسِهِمْ؛ لِما بَيْنَهم مِنَ الِاتِّصالِ القَوِيِّ؛ نَسَبًا ودِينًا؛ لِلْمُبالَغَةِ في الحَمْلِ عَلى مُراعاةِ حُقُوقِ المِيثاقِ؛ بِتَصْوِيرِ المَنهِيِّ عَنْهُ بِصُورَةٍ تَكْرَهُها كُلُّ نَفْسٍ؛ وتَنْفِرُ عَنْها كُلُّ طَبِيعَةٍ؛ فَضَمِيرُ "أنْفُسَكُمْ"؛ لِلْمُخاطِبِينَ حَتْمًا؛ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ تَنْزِيلُ المُخْرِجِينَ مَنزِلَتَهُمْ؛ كَما أنَّ ضَمِيرَ "دِيارِكُمْ"؛ لِلْمُخْرَجِينَ قَطْعًا؛ إذِ المَحْذُورُ إنَّما هو إخْراجُهم مِن دِيارِهِمْ؛ لا مِن دِيارِ المُخاطَبِينَ؛ مِن حَيْثُ إنَّهم مُخاطَبُونَ؛ كَما يُفْصِحُ عَنْهُ ما سَيَأْتِي مِن قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿مِن دِيارِهِمْ﴾؛ وإنَّما الخِطابُ هَهُنا بِاعْتِبارِ تَنْزِيلِ دِيارِهِمْ مَنزِلَةَ دِيارِ المُخاطَبِينَ؛ بِناءً عَلى تَنْزِيلِ أنْفُسِهِمْ مَنزِلَتَهُمْ؛ لِتَأْكِيدِ المُبالَغَةِ؛ وتَشْدِيدِ التَّشْنِيعِ؛ وأمّا ضَمِيرُ "دِماءَكُمْ"؛ فَمُحْتَمِلٌ لِوَجْهَيْنِ؛ مُفادُ الأوَّلِ كَوْنُ المَسْفُوكِ دِماءً ادِّعائِيَّةً لِلْمُخاطَبِينَ حَقِيقَةً؛ ومُفادُ الثّانِي كَوْنُهُ دِماءً حَقِيقِيَّةً لِلْمُخاطَبِينَ ادِّعاءً؛ وهُما مُتَقارِبانِ في إفادَةِ المُبالَغَةِ؛ فَتَدَبَّرْ. وأمّا ما قِيلَ مِن أنَّ المَعْنى: لا تُباشِرُوا ما يُؤَدِّي إلى قَتْلِ أنْفُسِكم قِصاصًا؛ أوْ ما يُبِيحُ سَفْكَ دِمائِكُمْ؛ وإخْراجَكم مِن دِيارِكُمْ؛ أوْ: لا تَفْعَلُوا ما يُرْدِيكُمْ؛ ويَصْرِفُكم عَنِ الحَياةِ الأبَدِيَّةِ؛ فَإنَّهُ القَتْلُ في الحَقِيقَةِ؛ ولا تَقْتَرِفُوا ما تُحَرَّمُونَ بِهِ عَنِ الجَنَّةِ؛ الَّتِي هي دارُكُمْ؛ فَإنَّهُ الجَلاءُ الحَقِيقِيُّ؛ فَمِمّا لا يُساعِدُهُ سِياقُ النَّظْمِ الكَرِيمِ؛ بَلْ هو نَصٌّ فِيما قُلْناهُ؛ كَما سَتَقِفُ عَلَيْهِ. ﴿ثُمَّ أقْرَرْتُمْ﴾: أيْ: بِالمِيثاقِ؛ وبِوُجُوبِ المُحافَظَةِ عَلَيْهِ؛ ﴿وَأنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾: تَوْكِيدٌ لِلْإقْرارِ؛ كَقَوْلِكَ: "أقَرَّ فُلانٌ شاهِدًا عَلى نَفْسِهِ"؛ وأنْتُمْ أيُّها الحاضِرُونَ تَشْهَدُونَ اليَوْمَ عَلى إقْرارِ أسْلافِكم بِهَذا المِيثاقِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب