الباحث القرآني
ومِن سُورَةِ الحَجِّ
﷽
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ السَّلَفُ وفُقَهاءُ الأمْصارِ في السَّجْدَةِ الأُولى مِنَ الحَجِّ أنَّها مَوْضِعُ سُجُودٍ واخْتَلَفُوا في الثّانِيَةِ مِنها وفي المُفَصَّلِ، فَقالَ أصْحابُنا: " سُجُودُ القُرْآنِ أرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً، مِنها الأُولى مِنَ الحَجِّ وسُجُودُ المُفَصَّلِ في ثَلاثَةِ مَواضِعَ " وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ. وقالَ مالِكٌ: " أجْمَعَ النّاسُ عَلى أنَّ عَزائِمَ سُجُودِ القُرْآنِ إحْدى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ في المُفَصَّلِ مِنها شَيْءٌ " . وقالَ اللَّيْثُ: " أسْتَحِبُّ أنْ يُسْجَدَ في سُجُودِ القُرْآنِ كُلِّهِ وسُجُودِ المُفَصَّلِ ومَوْضِعِ السُّجُودِ مِن حم: ﴿إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وقالَ الشّافِعِيُّ: " سُجُودُ القُرْآنِ أرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً سِوى سَجْدَةِ ص فَإنَّها سَجْدَةُ شُكْرٍ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: فاعْتُدَّ بِآخِرِ الحَجِّ سُجُودًا. وقَدْ رُوِيَ (p-٥٦)عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّهُ سَجَدَ في ص» وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ في سَجْدَةِ حم: السَّجْدَةُ بِآخِرِ الآيَتَيْنِ، كَما قالَ أصْحابُنا.
ورَوى زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ «لَمْ يَسْجُدْ في النَّجْمِ» . وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: «سَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ في النَّجْمِ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَيْسَ فِيما رَوى زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ مِن تَرْكِ النَّبِيِّ ﷺ في النَّجْمِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ غَيْرُ واجِبٍ فِيهِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ لا يَكُونَ سَجَدَ؛ لِأنَّهُ صادَفَ عِنْدَ تِلاوَتِهِ بَعْضَ الأوْقاتِ المَنهِيِّ عَنِ السُّجُودِ فِيها فَأخَّرَهُ إلى وقْتٍ يَجُوزُ فِعْلُهُ فِيهِ، وجائِزٌ أيْضًا أنْ يَكُونَ عِنْدَ التِّلاوَةِ عَلى غَيْرِ طَهارَةٍ فَأخَّرَهُ لِيَسْجُدَ وهو طاهِرٌ.
ورَوى أبُو هُرَيْرَةَ قالَ: «سَجَدْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في: ﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ [الإنشقاق: ١] و﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١]» واخْتَلَفَ السَّلَفُ في الثّانِيَةِ مِنَ الحَجِّ، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ وأبِي الدَّرْداءِ وعَمّارٍ وأبِي مُوسى أنَّهم قالُوا: " في الحَجِّ سَجْدَتانِ " وقالُوا: " إنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ عَلى غَيْرِها مِنَ السُّوَرِ بِسَجْدَتَيْنِ " .
ورَوى خارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ أبِي حَمْزَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " في الحَجِّ سَجْدَةٌ " .
ورَوى سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الأعْلى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ الأُولى عَزْمَةٌ والآخِرَةُ تَعْلِيمٌ " .
ورَوى مَنصُورٌ عَنْ الحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " في الحَجِّ سَجْدَةٌ واحِدَةٌ " . ورُوِيَ عَنْ الحَسَنِ وإبْراهِيمَ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ: " أنَّ في الحَجِّ سَجْدَةً واحِدَةً " . وقَدْ رَوَيْنا عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ فِيما تَقَدَّمَ أنَّ في الحَجِّ سَجْدَتَيْنِ، وبَيَّنَ في حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّ الأُولى عَزْمَةٌ والثّانِيَةَ تَعْلِيمٌ، والمَعْنى فِيهِ واللَّهُ أعْلَمُ أنَّ الأُولى هي السَّجْدَةُ الَّتِي يَجِبُ فِعْلُها عِنْدَ التِّلاوَةِ وأنَّ الثّانِيَةَ كانَ فِيها ذِكْرُ السُّجُودِ فَإنَّما هو تَعْلِيمُ الصَّلاةِ الَّتِي فِيها الرُّكُوعُ والسُّجُودُ، وهو مِثْلُ ما رَوى سُفْيانُ عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: السَّجْدَةُ الَّتِي في آخِرِ الحَجِّ إنَّما هي مَوْعِظَةٌ ولَيْسَتْ بِسَجْدَةٍ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ارْكَعُوا واسْجُدُوا﴾ [الحج: ٧٧] فَنَحْنُ نَرْكَعُ ونَسْجُدُ. فَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ هو عَلى مَعْنى قَوْلِ مُجاهِدٍ، ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ مَن رُوِيَ عَنْهُ مِنَ السَّلَفِ أنَّ في الحَجِّ سَجْدَتَيْنِ إنَّما أرادُوا أنَّ فِيهِ ذِكْرَ السُّجُودِ في مَوْضِعَيْنِ وأنَّ الواجِبَةَ هي الأُولى دُونَ الثّانِيَةِ عَلى مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ. ويَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودٍ أنَّهُ ذَكَرَ مَعَهُ الرُّكُوعَ، والجَمْعُ بَيْنَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ مَخْصُوصٌ بِهِ الصَّلاةُ، فَهو إذًا أمَرَ بِالصَّلاةِ والأمْرُ بِالصَّلاةِ مَعَ انْتِظامِها لِلسُّجُودِ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودٍ، ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وأقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلسُّجُودِ ؟ وقالَ تَعالى: ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: ٤٣] ولَيْسَ ذَلِكَ سَجْدَةً ؟ وقالَ: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ (p-٥٧)وكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٩٨] ولَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودٍ؛ لِأنَّهُ أمَرَ بِالصَّلاةِ ؟ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣]
* * *
قَوْلُهُ تَعالى -: ﴿واسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾ الآيَةَ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: اخْتُلِفَ في مَوْضِعِ السُّجُودِ مِن هَذِهِ السُّورَةِ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ومَسْرُوقٍ وقَتادَةَ أنَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿وهم لا يَسْأمُونَ﴾ ورُوِيَ عَنْ أصْحابِ عَبْدِ اللَّهِ والحَسَنِ وأبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٢] قالَ أبُو بَكْرٍ الأوْلى أنَّها عِنْدَ آخِرِ الآيَتَيْنِ؛ لِأنَّهُ تَمامُ الكَلامِ، ومِن جِهَةٍ أُخْرى أنَّ السَّلَفَ لَمّا اخْتَلَفُوا كانَ فِعْلُهُ بِالآخِرِ مِنهُما أوْلى؛ لِاتِّفاقِ الجَمِيعِ عَلى جَوازِ فِعْلِها بِأُخْراهُما واخْتِلافِهِمْ في جَوازِها بِأُولاهُما.
{"ayahs_start":37,"ayahs":["وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلَّیۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُوا۟ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِی خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعۡبُدُونَ","فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فَٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ یُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا یَسۡـَٔمُونَ ۩"],"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ ٱلَّیۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُوا۟ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِی خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعۡبُدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق