الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى "وَمِنْ آياتِهِ" عَلَامَاتُهُ الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ "اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ" وَقَدْ مَضَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ [[راجع ج ٢ ص ١٩٢ وما بعدها طبعه ثانيه.]]. ثُمَّ نَهَى عَنِ السُّجُودِ لَهُمَا، لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا خَلْقَيْنِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِفَضِيلَةٍ لَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا فَيَسْتَحِقَّانِ بِهَا الْعِبَادَةَ مع الله. لان خالقهما هو الله لو شَاءَ لَأَعْدَمَهُمَا أَوْ طَمَسَ نُورَهُمَا. "وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ" وَصَوَّرَهُنَّ وَسَخَّرَهُنَّ، فَالْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقِيلَ: لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ خَاصَّةً، لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ جَمْعٌ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَعْنَى الْآيَاتِ "إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" وَإِنَّمَا أَنَّثَ عَلَى جَمْعِ التَّكْثِيرِ وَلَمْ يَجْرِ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ لِأَنَّهُ فِيمَا لَا يَعْقِلُ. "فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا" يَعْنِي الْكُفَّارَ عَنِ السُّجُودِ لِلَّهِ "فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ" مِنَ الْمَلَائِكَةِ "يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ" أي لا يملون عبادته. قال زهير سميت تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ ... - ثَمَانِينَ حَوْلًا لَا أبالك يَسْأَمُ مَسْأَلَةٌ- هَذِهِ الْآيَةُ آيَةُ سَجْدَةٍ بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ مِنْهَا. فَقَالَ مَالِكٌ: مَوْضِعُهُ "إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ"، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأَمْرِ. وَكَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ يَسْجُدُونَ عِنْدَ قَوْلِهِ: "تَعْبُدُونَ". وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالشَّافِعِيُّ: مَوْضِعُهُ "وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ" لِأَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ وَغَايَةُ الْعِبَادَةِ وَالِامْتِثَالِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْجُدُ عِنْدَ قَوْلِهِ: "يَسْأَمُونَ". وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: اسْجُدُوا بِالْآخِرَةِ مِنْهُمَا. وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مَسْرُوقٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَبِي صَالِحٍ وَيَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ وَطَلْحَةَ وَزُبَيْدٍ الْيَامِيَّيْنِ [[هذه النسبة الى يامة بطن من همدان.]] وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ. وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ وَقَتَادَةُ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَسْجُدُونَ عِنْدَ قَوْلِهِ: "يَسْأَمُونَ". قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ. مَسْأَلَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ خُوَيْزَ مَنْدَادَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَضَمَّنَتْ صَلَاةَ كُسُوفِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكْسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ، فَصَلَّى النَّبِيُّ ﷺ صَلَاةَ الْكُسُوفِ. قُلْتُ: صَلَاةُ الْكُسُوفِ ثَابِتَةٌ فِي الصِّحَاحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ، وَحَسْبُكَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْعُمْدَةُ فِي الباب. والله الموفق للصواب. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً﴾ الْخِطَابُ لِكُلِّ عَاقِلٍ أَيْ "وَمِنْ آياتِهِ" الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى "أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً" أَيْ يَابِسَةً جَدْبَةً، هَذَا وَصْفُ الْأَرْضِ بِالْخُشُوعِ، قَالَ النَّابِغَةُ: رَمَادٌ كَكُحْلِ الْعَيْنِ لَأْيًا أُبَيِّنُهُ ... - نوى كَجِذْمِ الْحَوْضِ أَثْلَمُ خَاشِعُ [[شبه أرماد بكحل العين لسواده فانه يسود متى تقادم عهده واصابته الأمطار. والنوى حفير حول الخيمة. والجذم الأصل. وأثلم مهدوم. وخاشع تداعت آثاره واستوى بالأرض. يريد أن ذلك الرماد تغير ولم أتبينه الا بعد لأي أي بعد جهد ومشقة.]] وَالْأَرْضُ الْخَاشِعَةُ، الْغَبْرَاءُ الَّتِي تُنْبِتُ. وَبَلْدَةٌ خَاشِعَةٌ: أَيْ مُغَبَّرَةٌ لَا مَنْزِلَ بِهَا. وَمَكَانٌ خَاشِعٌ. "فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ" أي بالنبات، قال مُجَاهِدٌ. يُقَالُ: اهْتَزَّ الْإِنْسَانُ أَيْ تَحَرَّكَ، وَمِنْهُ: تَرَاهُ كَنَصْلِ السَّيْفِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى ... - إِذَا لَمْ تَجِدْ عِنْدَ امْرِئِ السَّوْءِ مَطْمَعَا "وَرَبَتْ" أَيِ انتفخت وعلت قبل أن تنبت، قال مُجَاهِدٌ أَيْ تَصَعَّدَتْ عَنِ النَّبَاتِ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ: رَبَتْ وَاهْتَزَّتْ. وَالِاهْتِزَازُ وَالرَّبْوُ قَدْ يَكُونَانِ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَدْ يَكُونَانِ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبَاتِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَرُبُوُّهَا ارْتِفَاعُهَا. وَيُقَالُ لِلْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ: رَبْوَةٌ وَرَابِيَةٌ، فَالنَّبَاتُ يَتَحَرَّكُ لِلْبُرُوزِ ثُمَّ يَزْدَادُ فِي جِسْمِهِ بِالْكِبَرِ طُولًا وَعَرْضًا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَخَالِدٌ "وَرَبَأَتْ" وَمَعْنَاهُ عَظُمَتْ، مِنَ الرَّبِيئَةِ. وَقِيلَ: "اهْتَزَّتْ" أَيِ اسْتَبْشَرَتْ بِالْمَطَرِ "وَرَبَتْ" أَيِ انْتَفَخَتْ بِالنَّبَاتِ. وَالْأَرْضُ إِذَا انْشَقَّتْ بِالنَّبَاتِ: وُصِفَتْ بِالضَّحِكِ، فَيَجُوزُ وَصْفُهَا بِالِاسْتِبْشَارِ أَيْضًا. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الرَّبْوُ وَالِاهْتِزَازُ وَاحِدٌ، وَهِيَ حَالَةُ خُرُوجِ النَّبَاتِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي "الْحَجِّ" [[راجع ج ١٣ ص ١٣ طبعه أولى أو ثانيه.]] "إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لمحيي الموتى انه على كل شي قدير" تقدم في غير موضع [[راجع ج ١٤ ص ٤٥ طبعه أولى أو ثانيه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب