الباحث القرآني
قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: اِخْتَلَفَ السَّلَفُ في عَزِيمَةِ الطَّلاقِ إذا لَمْ يَفِئْ؛ عَلى ثَلاثَةِ أوْجُهٍ؛ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: عَزِيمَةُ الطَّلاقِ انْقِضاءُ الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ؛ وهو قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ؛ وعُثْمانَ بْنِ عَفّانَ؛ وقالُوا: إنَّها تَبِينُ بِتَطْلِيقَةٍ؛ واخْتُلِفَ عَنْ عَلِيٍّ؛ وابْنِ عُمَرَ؛ وأبِي الدَّرْداءِ؛ فَرُوِيَ عَنْهم مِثْلُ قَوْلِ الأوَّلِينَ؛ ورُوِيَ عَنْهم أنَّهُ يُوقَفُ بَعْدَ مُضِيِّ المُدَّةِ؛ فَإمّا أنْ يَفِيءَ إلَيْها؛ وإمّا أنْ يُطَلِّقَها؛ وهو قَوْلُ عائِشَةَ؛ وأبِي الدَّرْداءِ؛ والقَوْلُ الثّالِثُ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ؛ وسالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ وأبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ والزُّهْرِيِّ؛ وعَطاءٍ؛ وطاوُسٍ؛ قالُوا: "إذا مَضَتْ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ فَهي تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ"؛ وذَهَبَ أصْحابُنا إلى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ ومَن تابَعَهُ؛ فَقالُوا: إذا مَضَتْ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ؛ قَبْلَ أنْ يَفِيءَ؛ بانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ؛ وهو قَوْلُ (p-٥٠)الثَّوْرِيِّ؛ والحَسَنِ بْنِ صالِحٍ؛ وقالَ مالِكٌ؛ واللَّيْثُ؛ والشّافِعِيُّ؛ بِما رُوِيَ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ؛ وعائِشَةَ؛ أنَّهُ يُوقَفُ بَعْدَ مُضِيِّ المُدَّةِ؛ فَإمّا أنْ يَفِيءَ؛ وإمّا أنْ يُطَلِّقَ؛ ويَكُونُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً إذا طَلَّقَ؛ قالَ مالِكٌ: ولا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ حَتّى يَطَأها في العِدَّةِ؛ وقالَ الشّافِعِيُّ: ولَوْ عَفَتْ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ المُدَّةِ كانَ لَها بَعْدَ ذَلِكَ أنْ تَطْلُبَ؛ ولا يُؤَجِّلَ في الجِماعِ أكْثَرَ مِن يَوْمٍ؛ وقالَ الأوْزاعِيُّ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ؛ وسالِمٍ؛ ومَن تابَعَهُما: إنَّها تُطَلَّقُ واحِدَةً رَجْعِيَّةً؛ بِمُضِيِّ المُدَّةِ؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾؛ يَحْتَمِلُ الوُجُوهَ الَّتِي حَصَلَ عَلَيْها اخْتِلافُ السَّلَفِ؛ ولَوْلا احْتِمالُهُ لَها لَما تَأوَّلُوهُ عَلَيْها؛ لِأنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ تَأْوِيلُ اللَّفْظِ المُؤَوَّلِ عَلى ما لا احْتِمالَ فِيهِ؛ وقَدْ كانَ السَّلَفُ مِن أهْلِ اللُّغَةِ عالِمِينَ بِما يَحْتَمِلُ مِنَ الألْفاظِ؛ والمَعانِي المُخْتَلِفَةِ؛ وما لا يَحْتَمِلُها؛ فَلَمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلى هَذِهِ الوُجُوهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى احْتِمالِ اللَّفْظِ لَها؛ ومِن جِهَةٍ أُخْرى؛ وهي أنَّ هَذا الِاخْتِلافَ قَدْ كانَ شائِعًا؛ مُسْتَفِيضًا فِيما بَيْنَهُمْ؛ مِن غَيْرِ نَكِيرٍ ظَهَرَ مِن واحِدٍ مِنهم عَلى غَيْرِهِ؛ فَصارَ ذَلِكَ إجْماعًا مِنهم عَلى تَوَسُّعِ الِاجْتِهادِ في حَمْلِهِ عَلى أحَدِ هَذِهِ الوُجُوهِ؛ وإذا ثَبَتَ ذَلِكَ احْتَجْنا أنْ نَنْظُرَ في الأوْلى مِن هَذِهِ الأقاوِيلِ؛ وأشْبَهِها بِالحَقِّ؛ فَوَجَدْنا ابْنَ عَبّاسٍ قَدْ قالَ: عَزِيمَةُ الطَّلاقِ انْقِضاءُ الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ؛ قَبْلَ الفَيْءِ إلَيْها؛ فَسَمّى تَرْكَ الفَيْءِ حَتّى تَمْضِيَ المُدَّةُ عَزِيمَةَ الطَّلاقِ؛ فَوَجَبَ أنْ يَصِيرَ ذَلِكَ اسْمًا لَهُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِن أنْ يَكُونَ قالَهُ شَرْعًا؛ أوْ لُغَةً؛ وأيَّ الوَجْهَيْنِ كانَ فَحُجَّتُهُ ثابِتَةٌ؛ واعْتِبارُ عُمُومِهِ واجِبٌ؛ إذا كانَتْ أسْماءُ الشَّرْعِ لا تُؤْخَذُ إلّا تَوْقِيفًا؛ وإذا كانَ هَكَذا؛ وقَدْ عَلِمْنا أنَّ حُكْمَ اللَّهِ في المُولِي أحَدُ شَيْئَيْنِ: إمّا الفَيْءُ؛ وإمّا عَزِيمَةُ الطَّلاقِ؛ وجَبَ أنْ يَكُونَ الفَيْءُ مَقْصُورًا عَلى الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ؛ وأنَّهُ فائِتٌ بِمُضِيِّها فَتُطَلَّقُ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ الفَيْءُ باقِيًا لَما كانَ مُضِيُّ المُدَّةِ عَزِيمَةً لِلطَّلاقِ؛ ومِن جِهَةٍ أُخْرى؛ وهي أنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّ العَزِيمَةَ إنَّما هي في الحَقِيقَةِ عَقْدُ القَلْبِ عَلى الشَّيْءِ.؛ تَقُولُ: عَزَمْتُ عَلى كَذا؛ أيْ: عَقَدْتُ قَلْبِي عَلى فِعْلِهِ؛ وإذا كانَ كَذَلِكَ وجَبَ أنْ يَكُونَ مُضِيُّ المُدَّةِ أوْلى؛ بِمَعْنى عَزِيمَةِ الطَّلاقِ؛ مِنَ الوَقْفِ؛ لِأنَّ الوَقْفَ يَقْتَضِي إيقاعَ طَلاقٍ بِالقَوْلِ؛ إمّا أنْ يُوقِعَهُ الزَّوْجُ؛ وإمّا أنْ يُطَلِّقَها القاضِي عَلَيْهِ؛ عَلى قَوْلِ مَن يَقُولُ بِالوَقْفِ.
وإذا كانَ كَذَلِكَ كانَ وُقُوعُ الفُرْقَةِ بِمُضِيِّ المُدَّةِ؛ لِتَرْكِهِ الفَيْءَ فِيها أوْلى؛ بِمَعْنى الآيَةِ؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) لَمْ يَذْكُرْ إيقاعًا مُسْتَأْنَفًا؛ وإنَّما ذَكَرَ عَزِيمَةً؛ فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ نَزِيدَ في الآيَةِ ما لَيْسَ فِيها؛ ووَجْهٌ آخَرُ؛ وهو أنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فاءُوا فَإنْ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٦] ﴿وإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾؛ (p-٥١)اقْتَضى ذَلِكَ أحَدَ أمْرَيْنِ؛ مِن فَيْءٍ؛ أوْ عَزِيمَةِ طَلاقٍ؛ لا ثالِثَ لَهُما؛ والفَيْءُ إنَّما هو مُرادٌ في المُدَّةِ؛ المَقْصُورِ الحُكْمُ عَلَيْها؛ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَإنْ فاءُوا﴾ [البقرة: ٢٢٦]؛ و"اَلْفاءُ" لِلتَّعْقِيبِ؛ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ الفَيْءُ عُقَيْبَ اليَمِينِ؛ لِأنَّهُ جَعَلَ الفَيْءَ عُقَيْبَ اليَمِينِ؛ لِأنَّهُ جَعَلَ الفَيْءَ لِمَن لَهُ تَرَبُّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ؛ وإذا كانَ حُكْمُ الفَيْءِ مَقْصُورًا عَلى المُدَّةِ؛ ثُمَّ فاتَ بِمُضِيِّها؛ وجَبَ حُصُولُ الطَّلاقِ؛ إذْ غَيْرُ جائِزٍ لَهُ أنْ يَمْنَعَ الفَيْءَ والطَّلاقَ جَمِيعًا؛ ويَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ الفَيْءُ في المُدَّةِ اتِّفاقُ الجَمِيعِ عَلى صِحَّةِ الفَيْءِ فِيها؛ فَدَلَّ عَلى أنَّهُ مُرادٌ فِيها؛ فَصارَ تَقْدِيرُهُ: "فَإنْ فاؤُوا فِيها"؛ وكَذَلِكَ قُرِئَ في حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ فَحَصَلَ الفَيْءُ مَقْصُورًا عَلَيْها دُونَ غَيْرِها؛ وتَمْضِي المُدَّةُ بِفَوْتِ الفَيْءِ؛ وإذا فاتَ الفَيْءُ حَصَلَ الطَّلاقُ؛ فَإنْ قِيلَ: لَمّا قالَ (تَعالى): ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فاءُوا﴾ [البقرة: ٢٢٦]؛ فَعَطَفَ بِالفاءِ عَلى التَّرَبُّصِ في المُدَّةِ؛ دَلَّ عَلى أنَّ الفَيْءَ مَشْرُوطٌ بَعْدَ التَّرَبُّصِ؛ وبَعْدَ مُضِيِّ المُدَّةِ؛ وأنَّهُ مَتى ما فاءَ فَإنَّما عَجَّلَ حَقًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تَعْجِيلُهُ؛ كَمَن عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا؛ قِيلَ لَهُ: لَوْلا أنَّ الفَيْءَ مُرادُ اللَّهِ (تَعالى) لَما صَحَّ وُجُودُهُ فِيها؛ وكانَ يَحْتاجُ بَعْدَ هَذا الفَيْءِ إلى فَيْءٍ بَعْدَ مُضِيِّها؛ فَلَمّا صَحَّ الفَيْءُ في هَذِهِ المُدَّةِ دَلَّ عَلى أنَّهُ مُرادُ اللَّهِ (تَعالى) بِالآيَةِ؛ ولِذَلِكَ بَطَلَ مَعَهُ عَزِيمَةُ الطَّلاقِ؛ ثُمَّ قَوْلُكَ إنَّ المُرادَ بِالفَيْءِ إنَّما هو بَعْدَ المُدَّةِ؛ مَعَ قَوْلِكَ: إنَّ الفَيْءَ في المُدَّةِ صَحِيحٌ؛ كَهو بَعْدَها؛ تَبْطُلُ مَعَهُ عَزِيمَةُ الطَّلاقِ؛ مُناقَضَةٌ مِنكَ في اللَّفْظِ؛ كَقَوْلِكَ: إنَّهُ مُرادٌ في المُدَّةِ غَيْرُ مُرادٍ فِيها؛ وقَوْلُكَ: إنَّهُ كالدَّيْنِ المُؤَجَّلِ إذا عَجَّلَهُ؛ لا يُزِيلُ عَنْكَ ما وصَفْنا مِنَ المُناقَضَةِ؛ لِأنَّ الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ لا يُخْرِجُهُ التَّأْجِيلُ مِن حُكْمِ اللُّزُومِ؛ ولَوْلا ذَلِكَ لَما صَحَّ البَيْعُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ؛ لِأنَّ ما تَعَلَّقَ مِلْكُهُ مِنَ الأثْمانِ عَلى وقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ لا يَصِحُّ عَقْدُ البَيْعِ عَلَيْهِ؛ ألا تَرى أنَّهُ لَوْ قالَ: بِعْتُكَهُ بِألْفِ دِرْهَمٍ؛ لا يَلْزَمُكَ إلّا بَعْدَ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ؛ كانَ البَيْعُ باطِلًا؟ والتَّأْجِيلُ الَّذِي ذَكَرْتَ لا يُخْرِجُهُ مِن أنْ يَكُونَ الثَّمَنُ واجِبًا؛ مِلْكًا لِلْبائِعِ؛ ومَتى عَجَّلَهُ وأسْقَطَ الأجَلَ كانَ ذَلِكَ مِن مُوجِبِ العَقْدِ؛ إلّا أنَّهُ مُخالِفٌ لِلْفَيْءِ في الإيلاءِ؛ مِن قِبَلِ أنَّ فَواتَ الفَيْءِ يُوجِبُ الطَّلاقَ؛ وإذا كانَ الفَيْءُ مُرادًا في المُدَّةِ فَواجِبٌ أنْ يَكُونَ فَواتُهُ فِيها مُوجِبًا لِلطَّلاقِ عَلى ما بَيَّنّا؛ وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَهُ ( تَعالى): ﴿فَإنْ فاءُوا﴾ [البقرة: ٢٢٦]؛ فِيهِ ضَمِيرُ المُولِي المَبْدُوءِ بِذِكْرِهِ في الآيَةِ؛ وهو الَّذِي لَهُ تَرَبُّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ؛ والَّذِي يَقْتَضِيهِ الظّاهِرُ إيقاعُ الفَيْءِ عُقَيْبَ اليَمِينِ؛ ودَلِيلٌ آخَرُ؛ وهو قَوْلُهُ: ﴿تَرَبُّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ﴾ [البقرة: ٢٢٦]؛ كَقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]؛ فَلَمّا كانَتِ البَيْنُونَةُ واقِعَةً بِمُضِيِّ المُدَّةِ في تَرَبُّصِ الأقْراءِ؛ وجَبَ أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ (p-٥٢)حُكْمُ تَرَبُّصِ الإيلاءِ؛ مِن وُجُوهٍ؛ أحَدُها أنّا لَوْ وقَفْنا المُولِي لَحَصَلَ التَّرَبُّصُ أكْثَرَ مِن أرْبَعَةِ أشْهُرٍ؛ وذَلِكَ خِلافُ الكِتابِ؛ ولَوْ غابَ المُولِي عَنِ امْرَأتِهِ سَنَةً؛ أوْ سَنَتَيْنِ؛ ولَمْ تَرْفَعْهُ المَرْأةُ؛ ولَمْ تُطالِبْ بِحَقِّها؛ لَكانَ التَّرَبُّصُ غَيْرَ مَقْدُورٍ بِوَقْتٍ؛ وذَلِكَ خِلافُ الكِتابِ؛ والوَجْهُ الثّانِي أنَّهُ لَمّا كانَتِ البَيْنُونَةُ واقِعَةً بِمُضِيِّ المُدَّةِ في تَرَبُّصِ الأقْراءِ وجَبَ مِثْلُهُ في الإيلاءِ؛ والمَعْنى الجامِعُ بَيْنَهُما: ذِكْرُ التَّرَبُّصِ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ المُدَّتَيْنِ؛ والوَجْهُ الثّالِثُ أنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِنَ المُدَّتَيْنِ واجِبَةٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ وتَعَلَّقَ بِها حُكْمُ البَيْنُونَةِ؛ فَلَمّا تَعَلَّقَتْ في إحْداهُما بِمُضِيِّها كانَتِ الأُخْرى مِثْلَها لِلْمَعْنى الَّذِي ذَكَرْناهُ؛ فَإنْ قِيلَ: تَأْجِيلُ العِنِّينِ حَوْلًا بِالِاتِّفاقِ؛ وتَخْيِيرُ امْرَأتِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الحَوْلِ؛ إذا لَمْ يَصِلْ إلَيْها في الحَوْلِ؛ ولَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ زِيادَةً في الأجَلِ؛ كَذَلِكَ ما ذَكَرْتَ مِن حُكْمِ الإيلاءِ؛ إيجابُ الوَقْفِ بَعْدَ المُدَّةِ لا يُوجِبُ زِيادَةً فِيها؛ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ في الكِتابِ؛ ولا في السُّنَّةِ تَقْدِيرُ أجَلِ العِنِّينِ؛ وإنَّما أُخِذَ حُكْمُهُ مِن قَوْلِ السَّلَفِ؛ والَّذِينَ قالُوا: إنَّهُ يُؤَجَّلُ حَوْلًا؛ هُمُ الَّذِينَ خَيَّرُوها بِمُضِيِّهِ قَبْلَ الوُصُولِ إلَيْها؛ ولَمْ يُوقِعُوا الطَّلاقَ قَبْلَ مُضِيِّ المُدَّةِ؛ ومُدَّةُ الإيلاءِ مُقَدَّرَةٌ بِالكِتابِ مِن غَيْرِ ذِكْرِ التَّخْيِيرِ مَعَها؛ فالزّائِدُ فِيها مُخالِفٌ لِحُكْمِهِ؛ وأيْضًا فَإنَّ أجَلَ العِنِّينِ إنَّما يُوجِبُ لَها الخِيارَ بِمُضِيِّهِ؛ وأجَلَ المُولِي عِنْدَكَ إنَّما يُوجِبُ عَلَيْهِ الفَيْءَ؛ فَإنْ قالَ: أفِيءُ؛ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُما؛ ولَوْ قالَ العِنِّينُ: أنا أُجامِعُها؛ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إلى قَوْلِهِ؛ وفُرِّقَ بَيْنَهُما بِاخْتِيارِها.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا لَمْ يَكُنِ الإيلاءُ بِصَرِيحِ الطَّلاقِ؛ ولا كِنايَةً عَنْهُ؛ فالواجِبُ ألّا يَقَعَ الطَّلاقُ؛ قِيلَ لَهُ: ولَيْسَ اللِّعانُ بِصَرِيحِ الطَّلاقِ؛ ولا كِنايَةً عَنْهُ؛ فَيَجِبُ عَلى قَوْلِ المُخالِفِ ألّا تُوقَعَ الفُرْقَةُ حَتّى يُفَرِّقَ الحاكِمُ؛ ولا يَلْزَمُنا عَلى أصْلِنا؛ لِأنَّ الإيلاءَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ كِنايَةً عَنِ الفُرْقَةِ؛ إذْ كانَ قَوْلُهُ: "لا أقْرَبُكِ"؛ يُشْبِهُ كِنايَةَ الطَّلاقِ؛ ولَمّا كانَ أضْعَفَ أمْرًا مِن غَيْرِها فَلا يَقَعُ بِهِ الطَّلاقُ؛ إلّا بِانْضِمامِ أمْرٍ آخَرَ إلَيْهِ؛ وهو مُضِيُّ المُدَّةِ؛ عَلى النَّحْوِ الَّذِي يَقُولُهُ؛ إذْ قَدْ وجَدْنا مِنَ الكِناياتِ ما لا يَقَعُ فِيهِ الطَّلاقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ؛ إلّا بِانْضِمامِ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ؛ وهو قَوْلُ الزَّوْجِ لِامْرَأتِهِ: قَدْ خَيَّرْتُكِ؛ وقَوْلُهُ: أمْرُكِ بِيَدِكِ؛ فَلا يَقَعُ الطَّلاقُ فِيهِ إلّا بِاخْتِيارِها؛ فَكَذَلِكَ لا يَمْتَنِعُ أنْ يُقالَ في الإيلاءِ إنَّهُ كِنايَةٌ؛ إلّا أنَّهُ أضْعَفُ حالًا مِن سائِرِ الكِناياتِ؛ فَلا يَقَعُ فِيهِ الطَّلاقُ بِاللَّفْظِ؛ دُونَ انْضِمامِ مَعْنًى آخَرَ إلَيْهِ؛ فَأمّا اللِّعانُ فَلا دَلالَةَ فِيهِ عَلى مَعْنى الكِناياتِ؛ لِأنَّ قَذْفَهُ إيّاها بِالزِّنا؛ وتَلاعُنَهُما؛ لا يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ عِبارَةً عَنِ البَيْنُونَةِ بِحالٍ؛ وأيْضًا فَإنَّ اللِّعانَ مُخالِفٌ لِلْإيلاءِ مِن جِهَةِ أنَّ حُكْمَهُ لا يَثْبُتُ إلّا عِنْدَ الحاكِمِ؛ (p-٥٣)والإيلاءُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِغَيْرِ الحاكِمِ؛ فَكَذَلِكَ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الفُرْقَةِ؛ وبِهَذا المَعْنى فارَقَ العِنِّينُ أيْضًا؛ لِأنَّ تَأْجِيلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِالحاكِمِ؛ والإيلاءُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ مِن غَيْرِ حاكِمٍ؛ فَكَذَلِكَ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِن حُكْمِ الفُرْقَةِ؛ واحْتَجَّ مَن قالَ بِالوَقْفِ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾؛ أنَّهُ لَمّا قالَ: "سَمِيعٌ عَلِيمٌ"؛ دَلَّ عَلى أنَّ هُناكَ قَوْلًا مَسْمُوعًا؛ وهو الطَّلاقُ؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: وهَذا جَهْلٌ مِن قائِلِهِ؛ مِن قِبَلِ أنَّ "اَلسَّمِيعُ" لا يَقْتَضِي مَسْمُوعًا؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) لَمْ يَزَلْ سَمِيعًا؛ ولا مَسْمُوعَ؛ وأيْضًا قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿وقاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ واعْلَمُوا أنَّ اللَّهِ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٤]؛ ولَيْسَ هُناكَ قَوْلٌ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لا تَتَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ؛ فَإذا لَقِيتُمُوهم فاثْبُتُوا؛ وعَلَيْكم بِالصَّمْتِ» .
وأيْضًا جائِزٌ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ راجِعًا إلى أوَّلِ الكَلامِ؛ وهو قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦]؛ فَأخْبَرَ أنَّهُ سامِعٌ لِما تَكَلَّمَ بِهِ؛ عَلِيمٌ بِما أضْمَرَهُ وعَزَمَ عَلَيْهِ؛ ومِمّا يَدُلُّ عَلى وُقُوعِ الفُرْقَةِ بِمُضِيِّ المُدَّةِ أنَّ القائِلِينَ بِالوَقْفِ يُثْبِتُونَ هُناكَ مَعانِيَ أُخَرَ؛ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ في الآيَةِ؛ إذْ كانَتِ الآيَةُ إنَّما اقْتَضَتْ أحَدَ شَيْئَيْنِ؛ مِن فَيْءٍ؛ أوْ طَلاقٍ؛ ولَيْسَ فِيها ذِكْرُ مُطالَبَةِ المَرْأةِ؛ ولا وقْفِ القاضِي الزَّوْجَ عَلى الفَيْءِ؛ أوِ الطَّلاقِ؛ فَلَمْ يَجُزْ لَنا أنْ نُلْحِقَ بِالآيَةِ ما لَيْسَ فِيها؛ ولا أنْ نَزِيدَ فِيها ما لَيْسَ مِنها؛ وقَوْلُ مُخالِفِينا يُؤَدِّي إلى ذَلِكَ؛ ولا يُوجِبُ الِاقْتِصارَ عَلى مُوجِبِ حُكْمِ الآيَةِ؛ وقَوْلُنا يُوجِبُ الِاقْتِصارَ عَلى حُكْمِ الآيَةِ؛ مِن غَيْرِ زِيادَةٍ فِيها؛ فَكانَ أوْلى؛ ومَعْلُومٌ أيْضًا أنَّ اللَّهَ (تَعالى) إنَّما حَكَمَ في الإيلاءِ بِهَذا الحُكْمِ لِإيصالِ المَرْأةِ إلى حَقِّها مِنَ الجِماعِ؛ أوِ الفُرْقَةِ؛ وهو عَلى مَعْنى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ وقَوْلُ مَن قالَ بِالوَقْفِ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَفِئْ أمَرَهُ بِالطَّلاقِ؛ فَإذا طَلَّقَ لَمْ يَخْلُ مِن أنْ يَجْعَلَهُ طَلاقًا بائِنًا؛ أوْ رَجْعِيًّا؛ فَإنْ جَعَلَهُ بائِنًا فَإنَّ صَرِيحَ الطَّلاقِ لا يَكُونُ بائِنًا عِنْدَ أحَدٍ فِيما دُونَ الثَّلاثِ؛ وإنْ جَعَلَهُ رَجْعِيّا فَلا حَظَّ لِلْمَرْأةِ في ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ مَتى شاءَ راجَعَها؛ فَتَكُونُ امْرَأتَهُ كَما كانَتْ؛ فَلا مَعْنى لِإلْزامِهِ طَلاقًا لا تَمْلِكُ بِهِ المَرْأةُ بُضْعَها؛ وتَصِلُ بِهِ إلى حَقِّها؛ وأمّا قَوْلُ مالِكٍ: إنَّهُ لا يَصِحُّ رَجْعَتُهُ حَتّى يَطَأها في العِدَّةِ؛ فَقَوْلٌ شَدِيدُ الِاخْتِلالِ؛ مِن وُجُوهٍ؛ أحَدُها أنَّهُ قالَ: إذا طَلَّقَها طَلاقًا رَجْعِيًّا؛ والطَّلاقُ الرَّجْعِيُّ لا تَكُونُ الرَّجْعَةُ فِيهِ مَوْقُوفَةً عَلى مَعْنى غَيْرِها؛ والثّانِي أنَّهُ إذا مَنَعَهُ الرَّجْعَةَ؛ إلّا بَعْدَ الوَطْءِ؛ فَقَدْ نَفى أنْ يَكُونَ رَجْعِيًّا؛ وهو لَوْ راجَعَها لَمْ تَكُنْ رَجْعَةً؛ والثّالِثُ أنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ الوَطْءُ بَعْدَ الطَّلاقِ؛ عِنْدَهُ؛ ولا تَقَعُ الرَّجْعَةُ فِيهِ بِنَفْسِ الوَطْءِ؛ فَكَيْفَ يُباحُ لَهُ وطْؤُها؟ وأمّا قَوْلُ مَن قالَ: إنَّهُ تَقَعُ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِمُضِيِّ المُدَّةِ؛ فَإنَّهُ قَوْلٌ ظاهِرُ الفَسادِ؛ مِن وُجُوهٍ؛ (p-٥٤)أحَدُها ما قَدَّمْنا ذِكْرَهُ في الفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذا؛ والثّانِي أنَّ سائِرَ الفُرَقِ الحادِثَةِ في الأُصُولِ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ فَإنَّها تُوجِبُ البَيْنُونَةَ؛ مِن ذَلِكَ فُرْقَةُ العِنِّينِ؛ واخْتِيارُ الأمَةِ؛ ورِدَّةُ الزَّوْجِ؛ واخْتِيارُ الصَّغِيرَيْنِ؛ فَلَمّا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَصْرِيحٌ بِإيقاعِ الطَّلاقِ وجَبَ أنْ يَكُونَ بائِنًا.
وقَدِ اخْتُلِفَ في إيلاءِ الذِّمِّيِّ؛ فَقالَ أصْحابُنا جَمِيعًا: إذا حَلَفَ بِعِتْقٍ؛ أوْ طَلاقٍ؛ ألّا يَقْرَبَها؛ فَهو مُولٍ؛ وإنْ حَلَفَ بِصَدَقَةٍ؛ أوْ حَجٍّ؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ وإنْ حَلَفَ بِاللَّهِ؛ كانَ مُولِيًا؛ في قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ؛ ولَمْ يَكُنْ مُولِيًا في قَوْلِ صاحِبَيْهِ؛ وقالَ مالِكٌ: لا يَكُونُ مُولِيًا في شَيْءٍ مِن ذَلِكَ؛ وقالَ الأوْزاعِيُّ: " إيلاءُ الذِّمِّيِّ صَحِيحٌ"؛ ولَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ؛ وقالَ الشّافِعِيُّ: "اَلذِّمِّيُّ كالمُسْلِمِ؛ فِيما يَلْزَمُهُ مِنَ الإيلاءِ"؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا كانَ مَعْلُومًا أنَّ الإيلاءَ إنَّما يَثْبُتُ حُكْمُهُ لِما يَتَعَلَّقُ بِالحِنْثِ مِنَ الحَقِّ الَّذِي يَلْزَمُهُ؛ فَواجِبٌ عَلى هَذا أنْ يَصِحَّ إيلاءُ الذِّمِّيِّ؛ إذا كانَ بِالعِتْقِ؛ والطَّلاقِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ؛ كَما يَلْزَمُ المُسْلِمَ؛ وأمّا الصَّدَقَةُ؛ والصَّوْمُ؛ والحَجُّ؛ فَلا يَلْزَمُهُ إذا حَنِثَ؛ لِأنَّهُ لَوْ أوْجَبَهُ عَلى نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِإيجابِهِ؛ ولِأنَّهُ لا يَصِحُّ مِنهُ فِعْلُ هَذِهِ القُرَبِ؛ لِأنَّهُ لا قُرْبَةَ لَهُ؛ ولِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الزَّكَواتُ؛ والصَّدَقاتُ؛ الواجِبَةُ عَلى المُسْلِمِينَ في أمْوالِهِمْ؛ في أحْكامِ الدُّنْيا؛ فَوَجَبَ عَلى هَذا ألّا يَكُونُ مُولِيًا بِحَلِفِهِ بِالحَجِّ؛ والعُمْرَةِ؛ والصَّدَقَةِ؛ والصِّيامِ؛ إذْ لا يَلْزَمُهُ بِالجِماعِ شَيْءٌ؛ فَكانَ بِمَنزِلَةِ مَن لَمْ يَحْلِفْ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٢٦]؛ يَقْتَضِي عُمُومَ المُسْلِمِ؛ والكافِرِ؛ ولَكِنّا خَصَّصْناهُ بِما وصَفْنا؛ وأمّا إذا حَلَفَ بِاللَّهِ (تَعالى) فَإنَّ أبا حَنِيفَةَ جَعَلَهُ مُولِيًا؛ وإنْ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفّارَةٌ في أحْكامِ الدُّنْيا؛ مِن قِبَلِ أنَّ حُكْمَ تَسْمِيَةِ اللَّهِ (تَعالى) قَدْ تَعَلَّقَ عَلى الكافِرِ؛ كَهي عَلى المُسْلِمِ؛ بِدَلالَةِ أنَّ إظْهارَ الكافِرِ تَسْمِيَةَ اللَّهِ (تَعالى) عَلى الذَّبِيحَةِ يُبِيحُ أكْلَها؛ كالمُسْلِمِ؛ ولَوْ سَمّى الكافِرُ بِاسْمِ المَسِيحِ لَمْ تُؤْكَلْ؛ فَثَبَتَ حُكْمُ تَسْمِيَتِهِ؛ وصارَ كالمُسْلِمِ في حُكْمِها؛ فَكَذَلِكَ الإيلاءُ؛ لِأنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمانِ؛ أحَدُهُما الكَفّارَةُ؛ والآخَرُ الطَّلاقُ؛ فَثَبَتَ حُكْمُ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهِ في بابِ الطَّلاقِ.
ومِنَ النّاسِ مَن يَزْعُمُ أنَّ الإيلاءَ لا يَكُونُ إلّا بِالحَلِفِ بِاللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ وأنَّهُ لا يَكُونُ بِحَلِفِهِ بِالعَتاقِ؛ والطَّلاقِ؛ والصَّدَقَةِ؛ ونَحْوِها؛ وهَذا غَلَطٌ مِن قائِلِهِ؛ لِأنَّ الإيلاءَ إذا كانَ هو الحَلِفَ؛ وهو حالِفٌ بِهَذِهِ الأُمُورِ؛ ولا يَصِلُ إلى جِماعِها إلّا بِعِتْقٍ؛ أوْ طَلاقٍ؛ أوْ صَدَقَةٍ يَلْزَمُهُ؛ وجَبَ أنْ يَكُونَ مُولِيًا؛ كَحَلِفِهِ بِاللَّهِ؛ لِأنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ يَنْتَظِمُ الجَمِيعَ؛ إذْ كانَ مَن حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنهُ فَهو مُولٍ.
* * *
* فَصْلٌ
ومِمّا تُفِيدُ هَذِهِ الآيَةُ مِنَ الأحْكامِ ما اسْتَدَلَّ بِهِ مِنها مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ؛ عَلى (p-٥٥)امْتِناعِ جَوازِ الكَفّارَةِ قَبْلَ الحِنْثِ؛ فَقالَ: "لَمّا حَكَمَ اللَّهُ لِلْمُولِي بِأحَدِ حُكْمَيْنِ؛ مِن فَيْءٍ؛ أوْ عَزِيمَةِ الطَّلاقِ؛ فَلَوْ جازَ تَقْدِيمُ الكَفّارَةِ عَلى الحِنْثِ لَسَقَطَ الإيلاءُ بِغَيْرِ فَيْءٍ؛ ولا عَزِيمَةِ طَلاقٍ؛ لِأنَّهُ إنْ حَنِثَ لا يَلْزَمُهُ بِالحِنْثِ شَيْءٌ؛ ومَتى لَمْ يَلْزَمِ الحالِفَ بِالحِنْثِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ وفي جَوازِ تَقْدِيمِ الكَفّارَةِ إسْقاطُ حُكْمِ الإيلاءِ بِغَيْرِ ما ذَكَرَ اللَّهُ (تَعالى)؛ وذَلِكَ خِلافُ الكِتابِ؛ واللَّهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوابِ".
{"ayah":"وَإِنۡ عَزَمُوا۟ ٱلطَّلَـٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق