الباحث القرآني

ولَمّا كانَ الحالُ في مُدَّةِ الإيلاءِ شَبِيهًا بِحالِ الطَّلاقِ ولَيْسَ بِهِ قالَ مُبَيِّنًا أنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ بَلْ إمّا أنْ يَفِيءَ أوْ يُطَلِّقَ فَإنْ أبى طَلَّقَ عَلَيْهِ الحاكِمُ: ﴿وإنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ﴾ فَأوْقَعَ عَلَيْهِ العَزْمَ مِن غَيْرِ حَرْفِ جَرٍّ بِمَعْنى أنَّهم تَرَكُوا ما كانُوا فِيهِ مِنَ الذَّبْذَبَةِ وجَعَلُوا الطَّلاقَ عَزِيمَةً واقِعًا مِن غَيْرِ مَجْمَجَةٍ ولا سَتْرٍ، (p-٢٩٣)والعَزْمُ الإجْماعُ عَلى إنْفاذِ الفِعْلِ، والطَّلاقُ هو في المَعْنى بِمَنزِلَةِ إطْلاقِ الشَّيْءِ مِنَ اليَدِ الَّذِي يُمْكِنُ أخْذُهُ بَعْدَ إطْلاقِهِ - قالَهُ الحَرالِيُّ. ولَمّا كانَ المُطْلِّقُ رُبَّما نَدِمَ فَحَمَلَهُ العِشْقُ عَلى إنْكارِ الطَّلاقِ رَهَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ﴾ أيِ المَلِكَ الَّذِي لَهُ الجَلالُ والإكْرامُ ﴿سَمِيعٌ﴾ أيْ لِعِبارَتِهِمْ عَنْهُ. قالَ الحَرالِيُّ: في إشارَتِهِ إعْلامٌ بِأنَّ الطَّلاقَ لا بُدَّ لَهُ مِن ظاهِرِ لَفْظٍ يَقَعُ مَسْمُوعًا - انْتَهى. ﴿عَلِيمٌ﴾ أيْ بِهِ وبِنِيَّتِهِمْ فِيهِ. قالَ الحَرالِيُّ: وفِيهِ تَهْدِيدٌ بِما يَقَعُ في الأنْفُسِ والبَواطِنِ مِنَ المُضارَّةِ والمُضاجَرَةِ بَيْنَ الأزْواجِ في أُمُورٍ لا تَأْخُذُها الأحْكامُ ولا يُمْكِنُ أنْ يَصِلَ إلى عِلْمِها الحُكّامُ فَجَعَلَهم أُمَناءَ عَلى أنْفُسِهِمْ فِيما بَطَنَ وظَهَرَ، ولِذَلِكَ رَأى العُلَماءُ أنَّ الطَّلاقَ أمانَةٌ في أيْدِي الرِّجالِ كَما أنَّ (p-٢٩٤)العُدَدَ والِاسْتِبْراءَ أمانَةٌ في أيْدِي النِّساءِ، فَلِذَلِكَ انْتَظَمَتْ آيَةُ تَرَبُّصِ المَرْأةِ في عِدَّتِها بِآيَةِ تَرَبُّصِ الزَّوْجِ في إيلائِهِ - انْتَهى. وبَقِيَ مِن أحْكامِ الإيلاءِ قِسْمٌ ثالِثٌ تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِهِ إشارَةً إلى أنَّهم يَنْبَغِي أنْ يَكُونُوا في غايَةِ النَّزاهَةِ عَنْهُ وهو الإصْرارُ عَلى الإضْرارِ، وأشارَ بِصِفَتَيِ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ لِفاعِلٍ ضِدَّهُ إلى أنَّ مُرْتَكِبَهُ يُعامَلُ بِضِدِّهِما مِمّا حُكْمُهُ مَعْرُوفٌ في الفِقْهِ واللَّهُ المُوَفِّقُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب