قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ قال عطاء: أحسن مَا خلق [[ورد قوله في: "شفاء العليل" في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: لابن قيم الجوزية: 117 - 118، وإحسان خلقه يتضمن تسويته، وتناسب خلقه وأجزائه؛ بحيث لم يحصل فيها تفاوت يخل بالتناسب والاعتدال، فالخلق: الإيجاد، والتسوية: إتقانه وإحسان خلْقه، قاله ابن قيم الجوزية: "شفاء العليل": 118.]]. وقال الكلبي: خلق كل ذي روح، فجمع خلقه وسواه: اليدين، والعينين، والرجلين [["معالم التنزيل": 4/ 475، بنحوه، "روح المعاني": 30/ 104، "شفاء العليل": 118 وورد غير معزو في "لباب التأويل": 4/ 369.]].
وقال مقاتل: خلق لكل دَابة مَا يصلح لها من الخلق [[لم أعثر على قوله في تفسيره، ولا غيره من كتب التفسير، وقد ورد في: "شفاء العليل": 118.]].
وقال أبو إسحق: خلق الإنسان مستويًا [["معاني القرآن وإعرابه": 5/ 315، وهذا القول من الزجاج على سبيل التمثيل، وإلا فالخلق والتسوية شامل للإنسان وغيره، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ == [الشمس: 7]، ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ البقرة: 29]، فالتسوية شاملة لجميع مخلوقاته، ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ [الملك: 3] وما يوجد من التفاوت، وعدم التسوية، فهو راجع إلى عدم إعطاء التسوية للمخلوق، فإن التسوية أمر وجودي تتعلق بالتأثير والإبداع، فما عُدم منها فالعدم بإرادة الخالق بالتسوية، وذلك أمر عَدَمي يكفي فيها عدم الإبداع والتأثير، ففي قوله: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ التفاوت حاصل بسبب عدم مشيئة التسوية، كما أن الجهل، والصمم، والعمى، والخرس، والبكم يكفي فيها عدم مشيئة خلْقها وإيجادها، والمقصود أن كل مخلوق فقد سواه خلقه سبحانه في مرتبة خلقه، وإن فاتته التسوية من وجه آخر لم يخلق له. قاله ابن قيم الجوزية في: "شفاء العليل": 118.]]. وعلى هذا معنى: "سوى" عَدّل قامته [[ما مضى من الأقوال داخله في المرتبة الأولى من مراتب الهداية، وهي الهداية العامة؛ هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها، المتضمنة أربعة أمور عامة وهي: الخلق، التسوية، التقدير، الهداية: "شفاء العليل": 117.]].
﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ وقرئ بالتخفيف [[قرأ بذلك: الكسائي وحده: "قدَرَ" خفيفاً، وقرأ الباقون: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ مشددة. انظر: كتاب "السبعة": 680، "القراءات وعلل النحويين فيها": 2/ 767، و"الحجة": 6/ 398، "المبسوط": 405، "النشر": 2/ 399، "الوافي": 379.]]، وهما بمعنى واحد [[أي قَدَر، وقَدِّر. فكلا الوجهين حسن. قاله أبو علي: "الحجة": 6/ 398.]]، وقد ذكرناه [[في: ع: ذكرنا.]] في مواضع [[المواضع التي ذكر فيها ﴿قُدِرَ﴾: سورة فصلت: 10: قال تعالى: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾: سورة المدثر: 18 - 20 قال تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾.]].
قال عطاء: قدر من النسل مَا أراد [["شفاء العليل": 118، بإضافة: ثم هدى الذكر للأنثى.]]. وقال مقاتل: قدر خلق الذكر والأنثى من الدواب [["تفسير مقاتل": 237/ ب، "شفاء العليل": 118، وانظر "الوسيط": 3/ 470 وعزاه إلى المفسرين.]].
﴿فَهَدَى﴾. الذكر، والأنثى كيف يأتيها، وهو قول ابن عباس [["الجامع لأحكام القرآن": 20/ 15، "شفاء العليل": 118.]]، (والكلبي) [["الكشف والبيان": ج: 13: 77/ أ، "معالم التنزيل": 4/ 475، "المحرر الوجيز": 5/ 469 بمعناه، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 15، "شفاء العليل": 118.]] [[ساقط من: أ.]].
قال عطاء: مثل قوله: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [[سورة طه: 50.]] يريد الذكر والأنثى [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
واختاره صاحب النظم، قال: معنى هذا [[في: ع: هذي.]] هداية الذكر لإتيان الأنثى كيف يأتيها؛ لأن إتيان ذكران الحيوان مختلف لاختلاف الصور والخلق، والهيآت، فلولا أنه عز وجل جعل كل ذكر على معرفته [[في: ع: معرفة.]] كيف يأتي أنثى جنسه لما اهتدى لذلك [["الوسيط": 4/ 470، "شفاء العليل": 118.]].
وذكر مقاتل قولًا آخر فقال: هداه لمعيشته ومرعَاه [["شفاء العليل": 118، "التفسير الكبير": 31/ 140 من غير عزو، ولم أعثر على قوله في تفسيره.]]. وقال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير، والشر، والسعادة [[بياض في: ع.]]، والشقاوة [[ورد معنى قوله في: "تفسير الإمام مجاهد": 722، "جامع البيان": 30/ 152، "الكشف والبيان" -ج: 13: 77/ أ، "النكت والعيون": 6/ 252، وبمثل قوله ورد في "معالم التنزيل": 4/ 475، "زاد المسير": 8/ 228، "التفسير الكبير": 31/ 140 من غير عزو، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 15 بنحوه، "تفسير القرآن العظيم": 4/ 534 بمعناه، "الدر المنثور": 8/ 482 وعزاه أيضًا إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وانظر "شفاء العليل": 118.]]. وقال السدي: قدر مُدة الجنين في الرحم، ثم هدى للخروج [[ورد معنى قوله في "معالم التنزيل": 4/ 475، "زاد المسير": 8/ 228، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 26، "روح المعاني": 30/ 104، "شفاء العليل": 118.]].
وقال الفراء: قدر فهدى وأضل، واكتفى من ذكر الضلال بالهدى [[في: أ: الهدا.]] لكثرة ما يكون معه [["معاني القرآن": 3/ 256 بنصه.
والآية أعم من هذا كله، وأضعف الأقوال فيها قول الفراء، إذ المراد: هاهنا: الهداية العامة لمصالح الحيوان في معاشه، وليس المراد به الإيمان والضلال بمشيئة، وهو نظير قوله: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ طه: 50، فإعطاء الخلق إيجاده في الخارج، والهداية: التعليم، والدلالة على سبيل بقائه وما يحفظه ويقيمه، وما ذكر مجاهد فهو تمثيل منه لا تفسير مطابق للآية، فإن الآية شاملة لهداية الحيوان كله: ناطقه، وبهيمة، وطيره، ودوابه، فصيحه، وأعجمه، وكذلك قول من قال: إنه هداية الذكر لإتيان الأنثى تمثيل أيضًا، وهو فردٌ واحدٌ من أفراد الهداية إلى التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه، والهداية إلى معرفته أمه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبت، والهداية إلى قصد ما ينفعه من المرعى دون ما يضره منه. قاله ابن قيم الجوزية "شفاء العليل": 119.
وقال الشيخ السعدي: وهذه هي الهداية العامة التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته. تيسير الكريم الرحمن: 5/ 403.]].
قوله (تعالى) [[بياض من: ع: 5]]: ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ أنبت العشب، وما ترعَاه السوائم. ﴿فَجَعَلَهُ﴾ [[﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾.]] بعد الخضرة. ﴿غُثَاءً﴾ هشيما جافًا كالغثاء الذي تراه فوق السيل. قال المبرد: الغثاء: مَا تحطم من يبس البقل يأتي به السيل فيقذفه على جانب الوادي [[لم أعثر على مصدر لقوله، والذي ورد عنه في الكامل، قال: فالغثاء ما يَبسَ من البقل حتى يصير حُطاماً، وينتهي في اليبس فيسودّ، فيقال له: غثاء، وهشيم، ودِنْدِن، وثن على قدر اختلاف أجناسه: 1/ 113.]]. قال الكلبي: غثاء يبيسًا [[لم أعثر على مصدر لقوله.]]. وقال مقاتل: يابسًا [["تفسير مقاتل": 237/ ب.]]. وقوله [[في: أ: قوله.]] (تعالي) [[ساقط من: ع.]]: ﴿أَحْوَى﴾.
فيه وجهان أحدهما: أنه من نعت الغثاء، والمعنى فجعله يابسًا أسود بعد الخضرة.
قال عطاء: يريد بعد الخضرة والحسن صَار متغيرًا إلى السواد [[لم أعثر على مصدر لقوله.]]. وقال الكلبي: حال عليه الحول فاسودّ [[لم أعثر على مصدر لقوله.]]. وقال مقاتل: يعني باليًا بعد الخضرة [[ورد معنى قوله في "تفسير مقاتل": 237/ ب.]]. هذا مذهب المفسرين [[وإلى معنى هذا ذهب قتادة، ومجاهد، وابن زيد، وابن عباس. "تفسير عبد الرزاق": 2/ 367 "جامع البيان": 30/ 153. == وإليه ذهب ابن قتيبة في: "تفسير غريب القرآن": 524، وانظر: "معالم التنزيل": 4/ 476، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 17، "لباب التأويل": 4/ 370.
كما ذهب إلى ذلك الفراء في "معاني القرآن": 3/ 256، وأبو عبيدة في "مجاز القرآن": 2/ 295]]، وذلك أن الرطب إذا جف يبس واسودّ كما قال [[لم أعثر على قائله.]]:
ربع الخمائل في الدرين الأسود [[لم أعثر على مصادر له.]]
وذكر أبو عبيدة [["مجاز القرآن": 2/ 295، وقد ذكر الوجهين، قال: فجعله [[غثاء أحوى]] هيجه حتى يبس فجعله أسود من احتراقه غثاء هشيماً، وهو في موضع آخر: من شدة خضرته، وكثرة مائه يقال له أحوى.]]، والفراء [["معاني القرآن": 3/ 256، وذكر الوجهين أيضًا، وقال: الأحوى الذي قد أسودّ عن العتق، ويكون أيضًا أخرج المرعى أحوى فجعلة غثاء، فيكون مؤخراً معناه التقديم.]]، (والمبرد [["الكامل": 1/ 305، واستدل في الآية لمن قال في السواد، ثم قال: وإنما سمي السواد سواداً لعِمارتِهِ، وكل خضرة عند العرب سواد.]]، والزجاج) [["معاني القرآن وإعرابه": 5/ 315.]] [[ما بين القوسين ساقط من: أ.]]، وأبو علي [[لم أعثر على مصدر لقوله.]] وجهًا آخر، وهو أن ﴿أَحْوَى﴾ في موضع نصب حال من المرعى، المعنى: الذي أخرج المرعى أحوى، أي أخضر يضرب إلى الحوَّهَ ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً﴾، وأحوى على هذا صفة للمرعى، والمعنى أسودّ من الري لشدة الخضرة كقوله: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ [الرحمن: 64]، وقد مر [[ومما جاء في تفسير قوله: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾: قال أبو عبيدة: في خضرتهما قد اسودتا == من الري، قال أبو إسحق: وكل نبت أخضر فتمام خضرته وريه أن يضرب إلى السواد، ومعنى الدهمة في كلام العرب السواد. قال الليث: أدهام الزرع إذ علاه السواد رياً.
قال ابن عباس: شديد الخضرة إلى السواد. وقال الكلبي: خضراوان قد كلاهما سواد من شدة الخضرة والري، والأصل في ذلك أن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد، سمت العرب الأخضر أسود، والأسود أخضر.
والوجه الثاني: رده الطبري، قال: وهذا القول، وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدت خضرته من النبات، قد تسميه العرب أسود، غير صواب عندي، بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذ لم يكن له وجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه، أو تأخيره، فأما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير. "جامع البيان" - 30/ 153.]]. والحوّة: السواد، قال ذو الرمة:
لَمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ ... وفي اللثَّاتِ [[في: أ: الثات.]] وفي أنيابِها شَنَبُ [[ورد البيت في ديوانه: 1/ 32، "تهذيب اللغة": 5/ 293: مادة: (حوى)، "لسان العرب": 1/ 507: مادة: (شنب)، "النكت والعيون": 6/ 253، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 17، وقد نسبه إلى الأعشى وهو خطأ، "فتح القدير": 5/ 423، "روح المعاني": 30/ 104، "البحر المحيط": 8/ 457، ومعنى البيت قال الأزهري: والحوَّه في الشفاه شبيه باللمى واللمس، براوية "لمس" بدلاً من "لعس"، والشنب: اختلفوا فيه، قال بعضهم: هو تحزيز أطراف الأسنان، وقيل: هو صفاؤها ونقاؤها، وقيل: هو تفليجها، وقيل: هو طيب نكهتها.
انظر "تهذيب اللغة": 5/ 293: مادة: (حوى)، "لسان العرب": 1/ 507: مادة: (شنب).]]
(قوله تعالى) [[ساقط من: ع.]]: ﴿سَنُقْرِئُكَ﴾ [[﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾.]] أي سنجعلك قارئًا بأن نلهمك القراءة.
﴿فَلَا تَنْسَى﴾ ما تقرأه. والمعنى: نجعلك قارئًا للقرآن تقرأه فلا تنساه. قال أبو إسحق: أعلم الله أنه سيجعل للنبي -ﷺ- آية يتبين له بها الفَضْيلة [[الفضيلة: هكذا وردت في "معاني القرآن وإعرابه": مخطوط: 29/ ب، ووردت في المطبوع الفضلية: 5: 315، ولعله خطأ مطبعي.]]، وهي أن ينزل عليه جبريل حتى يقريه، فيقرأ، ولا ينسى شيئًا من ذلك، وهو أمي لا يكتب كتابًا ولا يقرؤه [["معاني القرآن وإعرابه": 5/ 315 - 316 بتصرف.]]، وهذا معنى قول قتادة [[وعن قتادة قال: كان الله ينسى نبيه -ﷺ- ما يشاء، وعنه أيضًا كان -ﷺ- لا ينسى شيئاً إلا ما شاء الله.
انظر "تفسير عبد الرزاق": 2/ 367، "جامع البيان": 30/ 154، "الكشف والبيان": ج 13: 77/ أ، "النكت والعيون": 6/ 253، "المحرر الوجيز": 5/ 469، "البحر المحيط": 8/ 458.]].
وقال مجاهد [["الكشف والبيان": ج 13: 77/ أ، "معالم التنزيل": 4/ 476، "التفسير الكبير". 31/ 142، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 18، "لباب التأويل": 4/ 370 من غير عزو، "فتح القدير": 5/ 424.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل": 237/ ب، "التفسير الكبير": 31/ 142، وورد بمثله من غير نسبة في "لباب التأويل": 4/ 370.]]، (والكلبي) [[المرجعان السابقان، بإضافة: الكشف ج: 13: 77/ أ، "معالم التنزيل": 4/ 476، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 18، "فتح القدير": 5/ 424.]] [[ساقط من: أ.]] كان النبي -ﷺ- إذا نزل عليه القرآن أكثر تحريك لسَانه، مخافة أن ينسى، وكان لا يفرغ جبريل من آخر الوحي حتى يتكلم [[بياض في: ع.]] هو بأوله مخافة النسيان، فقال الله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾ أي سنعلمك فتحفظه، وهذا كقوله: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى [[قوله أن يقضي: بياض في: ع.]] إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: 16]، وقوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [[بياض في: ع.]] [القيامة:16].
قوله (تعالى) [[ساقط من: ع.]]: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [[﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾.]].
قال عطاء عن ابن عباس: إلا مَا شاء الله أن ينسيَك [["البحر المحيط": 8/ 458 - 459، "الدر المنثور": 8/ 483، وعزاه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. ونحوه قال مقاتل: إلا مَا شاء الله أن تنسى منه [["التفسير الكبير": 31/ 143، والذي ورد عنه في تفسيره: 237/ ب قال: يعني ما شاء الله فينسخها وباتي بخير منها.]]. وعلى هذا معنى الاستثناء يعود إلى مَا ينسيه الله بنسخه من رفع حكمه [[في: أ: حكمته.]] وتلاوته، كما قال ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ [البقرة: 106]، والإنساء [[في: أ: الإنسان.]] نوع من النسخ، (وهذا معنى قول الحسن [["النكت والعيون": 6/ 253، "المحرر الوجيز": 5/ 469، "زاد المسير": 8/ 229، "البحر المحيط": 8/ 458، وانظر "تفسير الحسن البصري": 2/ 412.]]، وقتادة) [[المراجع السابقة عدا تفسير الحسن.]] [[ما بين القوسين ساقط من: أ.]].
وقال الكلبي - ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ استثناء منه، وله الاستثناء في كل شيء، ولم ينس بعد نزول هذه الآية شيئا [[ورد معنى قوله في "التفسير الكبير": 31/ 142.]] واختاره الفراء، فقال: لم يشأ أن ينسى شيئًا [[من قوله: واختار إلى شيئا: كرر في نسخه: أ.]] وهو كقوله ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [[سورة هود: 107 - 108.]] ولا يشاء، وأنت قائل في الكلام لأعطينك كل مَا سَألت إلا مَا شئت، وإلا أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه، وعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ونية الحالف [["معاني القرآن": 3/ 256 بنحوه. وفيه الحالف التمام.]]
قال أبو إسحق: إلا مَا شاء الله، ثم يَذْكُره بعد [["معاني القرآن وإعرابه": 5/ 316 مختصرًا.]].
يعني أنه قد ينسى مَا شاء الله، ثم يَذْكُر بعد ما قد نسيه، ولا ينسى نسيانًا كليًا.
وقوله [[في: أ: قوله.]] (تعالى) [[ساقط من: ع.]]: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ أي من القول، والفعل [[هذا من قول الثعلبي في "الكشف والبيان": ج 13: 77/ ب.]]. ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ منهما. والمعنى يعلم العلانية، والسر. وهذا يتصل بما قبله على معنى يعلم ما تجهر به يا محمد مما تقرؤه على جبريل، ويعلم ما تخفيه في نفسك من القراءة مخافة النسيان [[ورد هذا القول في "الكشف والبيان": ج 13: 77/ ب.]].
وكثير من المفسرين [[منهم قتادة، قال: الوسوسة. "تفسير عبد الرزاق": 2/ 367، ولم أعثر على غيره ممن قال بذلك.
وذهب إلى القول بعموم معنى الآية: الطبري في "جامع البيان": 30/ 154، وسعيد بن جبير كما في "الدر المنثور": 8/ 484، والشوكاني في "فتح القدير": 5/ 424.]] قالوا: هذا ابتداء كلام آخر معترض بين قوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾
وقوله [[في: أ: قوله.]] (تعالى) [[ساقط من: ع.]]: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ قال عطاء: نيسرك يا محمد في جميع أمورك لليسرى [[لم أعثر على مصدر لقوله.]].
وقال مقاتل: نهون عليك عمل الجنة [["معالم التنزيل": 4/ 476، "فتح القدير": 5/ 424.]]، وهو معنى قول ابن عباس: نيسرك لأن تعمل خيرًا، واليسرى عمل الخير [["النكت والعيون": 6/ 254، "معالم التنزيل": 4/ 476، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 19، "الدر المنثور": 8/ 484، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.]].
وروي عن ابن مسعود أنه قال: اليسرى الجنة [["النكت والعيون": 6/ 254، "التفسير الكبير": 31/ 144، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 19.]]، والمعنى على هذا: نيسرك للعمل المؤدي إليها.
وذُكر قولان آخران: أحدهما: نهون عليك الوحي، وتحفظه، وتعمله [[تعمله: كررت في نسخه: أ.]]، وتعمل به [["فتح القدير": 5/ 424، وبمثله من غير عزو ورد في "معالم التنزيل": 4/ 476، == "التفسير الكبير": 31/ 144، "الجامع لأحكام القرآن": 20/ 19.]]. والآخر: نوفقك للشريعة اليسرى هى الحنيفة السمحة [[ورد هذا القول من غير عزو في المراجع السابقة، وقال الشوكاني: الأولى حمل الآية على العموم أي: نوفقك للطريقة اليسرى في الدين والدنيا في كل أمر من أمورهما التي تتوجه إليك. "فتح القدير": 5/ 424.]].
{"ayah":"ٱلَّذِی خَلَقَ فَسَوَّىٰ"}