الباحث القرآني

ثم قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى ٢]، ﴿خَلَقَ﴾ يعني: أوجَدَ من العدم، كلُّ المخلوقات أوجدها الله عز وجل؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣] سبحان الله! الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا﴾ استمع، ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ [الحج ٧٣]، واللَّهِ مثلٌ عظيم، كلُّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له؛ لو يجتمع جميع الآلهة التي تُعبَد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذبابًا واحدًا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، الآن ونحن في هذا العصر وقد تقدَّمت الصناعة هذا التقدم الهائل، لو اجتمع كلُّ هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذبابًا ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: إنهم صنعوا آدميًّا آليًّا، ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابًا، هذا الآدمِيُّ الآلِيُّ ما هو إلا آلات تتحرَّك فقط، لكنْ لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحترُّ، ولا تَبرد، ولا تتحرَّك إلا بتحريك. الذبابُ لا يمكن أن يخلقه كلُّ مَن سِوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يَخلق؟ بكلمةٍ واحدةٍ؛ ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢]، كلمة واحدة، الخلائق كلُّها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زَجَرها الله زجرةً واحدةً: اخرجي. فتخرج؛ ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]، ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس ٥٣]، كلُّ العالَم من إنسٍ وجنٍّ ووحوشٍ وحشراتٍ وغيرها، كلُّها يوم القيامة تُحشَر بكلمةٍ واحدة. إذَن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يَخلق معه، والخلْق لا يُعسره ولا يُعجزه، وهو سهلٌ عليه، ويكون بكلمةٍ واحدة. وقوله: ﴿فَسَوَّى﴾، ﴿خَلَقَ فَسَوَّى﴾ يعني: سَوَّى ما خَلَق على أحسن صورة، وعلى الصورة المناسِبة؛ الإنسان مثلًا قال الله تعالى في سورة الانفطار: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار ٧، ٨]، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤]، لا يوجد في الخلائق شيءٌ أحسنُ من خِلقة الإنسان؛ رأسُه فوق، وقلبُه في الصدر، وعلى هيئةٍ تامَّة، ولهذا أول مَن يدخل في قوله: ﴿فَسَوَّى﴾ هو تسوية الإنسان، ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ كلُّ شيءٍ يُسَوَّى على الوجه الذي يكون لائقًا به.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب