الباحث القرآني

(p-٨٦)سُورَةُ الأعْلى وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها بِإجْماعِهِمْ (p-٨٧)وَفِي مَعْنى ﴿سَبِّحِ﴾ خَمْسَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: قُلْ: سُبْحانَ رُبِّيَ الأعْلى، قالَهُ الجُمْهُورُ. والثّانِي: عَظِّمْ. والثّالِثُ: صَلِّ بِأمْرِ رَبِّكَ، رُوِيَ القَوْلانِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والرّابِعُ: نَزِّهْ رَبَّكَ عَنَ السُّوءِ، قالَهُ الزَّجّاجُ. والخامِسُ: نَزِّهِ اسْمَ رَبِّكَ وذِكْرَكَ إيّاهُ أنْ تَذْكُرَهُ وأنْتَ مُعْظِّمٌ لَهُ، خاشِعٌ لَهُ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَفِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اسْمَ رَبِّكَ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ صِلَةٌ، كَقَوْلِ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ: ؎ إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما ومَن يَبْكِ حَوْلًا كامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ (p-٨٨)والثّانِي: أنَّهُ أصْلِيٌّ. وقالَ الفَرّاءُ: [سَبِّحْ رَبَّكَ، و]سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ سَواءٌ في كَلامِ العَرَبِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى﴾ أيْ: فَعَدَلَ الخَلْقَ. وقَدْ أشَرْنا إلى هَذا المَعْنى في [الِانْفِطارِ: ٧] ﴿والَّذِي قَدَّرَ﴾ قَرَأ الكِسائِيُّ وحْدَهُ " قَدَرَ " بِالتَّخْفِيفِ ﴿فَهَدى﴾ فِيهِ سَبْعَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: قَدَّرَ الشَّقاوَةَ والسَّعادَةَ، وهَدى لِلرُّشْدِ والضَّلالَةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: جَعَلَ لِكُلِّ دابَّةٍ ما يُصْلِحُها وهَداها إلَيْهِ، قالَهُ عَطاءٌ. والثّالِثُ: قَدَّرَ مُدَّةَ الجَنِينِ في الرَّحِمِ ثُمَّ هَداهُ لِلْخُرُوجِ، قالَهُ السُّدِّيُّ. والرّابِعُ: قَدَّرَهم ذُكُورًا وإناثًا، وهَدى الذَّكَرَ لِإتْيانِ الأُنْثى، قالَهُ مُقاتِلٌ. (p-٨٩)والخامِسُ: أنَّ المَعْنى: قَدَّرَ فَهَدى وأضَلَّ، فَحَذَفَ " وأضَلَّ "، لِأنَّ في الكَلامِ دَلِيلًا عَلى ذَلِكَ، حَكاهُ الزَّجّاجُ. والسّادِسُ: قَدَّرَ الأرْزاقَ، وهَدى إلى طَلَبِها. والسّابِعُ: قَدَّرَ الذُّنُوبَ، وهَدى إلى التَّوْبَةِ، حَكاهُما الثَّعْلَبِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِي أخْرَجَ المَرْعى﴾ أيْ: أنْبَتَ العُشْبَ، وما تَرْعاهُ البَهائِمُ ﴿فَجَعَلَهُ﴾ بَعْدَ الخُضْرَةِ ﴿غُثاءً﴾ قالَ الزَّجّاجُ: أيْ: جَفَّفَهُ حَتّى جَعَلَهُ هَشِيمًا جافًّا كالغُثاءِ الَّذِي تَراهُ فَوْقَ ماءِ السَّيْلِ. وقَدْ بَيَّنّا هَذا في سُورَةِ [المُؤْمِنِينَ: ٤١] فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أحْوى﴾ فَقالَ الفَرّاءُ: الأحْوى: الَّذِي قَدِ اسْوَدَّ عَنِ القِدَمِ، والعِتْقِ، ويَكُونُ أيْضًا: أخْرَجَ المَرْعى أحَوى: أسْوَدَ مِنَ الخُضْرَةِ، فَجَعَلَهُ غُثاءً كَما قالَ تَعالى: ﴿مُدْهامَّتانِ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٦٤] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى﴾ قالَ مُقاتِلٌ: سَنُعَلِّمُكَ القُرْآنَ، ونَجْمَعُهُ في قَلْبِكَ فَلا تَنْساهُ أبَدًا. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا ما شاءَ اللَّهُ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. (p-٩٠)أحَدُها: إلّا ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَنْسَخَهُ فَتَنْساهُ، قالَهُ الحَسَنُ، وقَتادَةُ. والثّانِي: إلّا ما شاءَ اللَّهُ أنْ تَنْسى شَيْئًا، فَإنَّما هو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ إلا ما شاءَ رَبُّكَ﴾ [هُودٍ: ١٠٧]، فَلا يَشاءُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ﴾ مِنَ القَوْلِ والفِعْلِ ﴿وَما يَخْفى﴾ مِنهُما ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى﴾ أيْ: نُسَهِّلُ عَلَيْكَ عَمَلَ الخَيْرِ ﴿فَذَكِّرْ﴾ أيْ: عِظْ أهْلَ مَكَّةَ ﴿إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى﴾ وفي " إنْ " ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّها الشَّرْطِيَّةُ، وفي مَعْنى الكَلامِ قَوْلانِ، أحَدُهُما: إنْ قُبِلَتِ الذِّكْرى، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ. والثّانِي: إنْ نَفَعَتْ وإنْ لَمْ تَنْفَعْ، قالَهُ عَلِيُّ بْنُ أحْمَدَ النَّيْسابُورِيُّ. والثّانِي: أنَّها بِمَعْنى " قَدْ "، فَتَقْدِيرُهُ: قَدْ نَفَعَتِ الذِّكْرى، قالَهُ مُقاتِلٌ. والثّالِثُ: أنَّها بِمَعْنى " ما " فَتَقْدِيرُهُ: فَذَكِّرْ ما نَفَعَتِ الذِّكْرى، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَيَذَّكَّرُ﴾ سَيَتَّعِظُ بِالقُرْآنِ ﴿مَن يَخْشى﴾ ﴿وَيَتَجَنَّبُها﴾ (p-٩١)وَيَتَجَنَّبُ الذِّكْرى ﴿الأشْقى﴾ ﴿الَّذِي يَصْلى النّارَ الكُبْرى﴾ أيِ: العَظِيمَةُ الفَظِيعَةُ لِأنَّها أشَدُّ مِن نارِ الدُّنْيا ﴿ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها﴾ فَيَسْتَرِيحُ ﴿وَلا يَحْيا﴾ حَياةً تَنْفَعُهُ. وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: تَصِيرُ نَفْسُ أحَدِهِمْ في حَلْقِهِ، فَلا تَخْرُجُ فَتَفارِقُهُ فَيَمُوتُ، ولا تَرْجِعُ إلى مَوْضِعِها مِنَ الجِسْمِ فَيَحْيا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب