الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [[في (أ): (يدعون) بالياء والمشهور بالتاء، وذكر ابن خالويه في "الشواذ" ص 48، أنه قرئ بالياء.]]. قال المفسرون [[انظر: "تفسير الطبري" 9/ 151، و"معاني النحاس" 3/ 117، والسمرقندي 1/ 589، والثعلبي 6/ 31 أ.]]: (يعني: الأصنام)، وقال عطاء عن ابن عباس: (يريد: الملائكة) [[لم أقف عليه، وحكاه البغوي 3/ 315، والخازن 2/ 326 عن مقاتل، وقالا: (والأول أصح) اهـ. وفي "تفسير مقاتل" 2/ 81 قال: (يعني: تعبدون ﴿دُونِ الله﴾ من الآلهة ﴿إنهم عباد أمثالكم﴾ وليسوا بآلهة).]]، وهذا القول ضعيف من جهتين أحدهما: إن المشركين في ذلك الوقت كانوا يعبدون الأصنام لا الملائكة، ولأنه قال بعد هذه الآية ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا﴾ الآية [الأعراف:195]. فدلت هذه أنه يريد الأصنام التي هي جماد لا توصف بالأيدي الباطشة والأرجل الماشية [[انظر: "البحر" 4/ 443 - 444.]]، وقد مضى القول في أن الأصنام لما جمعت جمع ما يعقل في قوله: ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: 191]. ومعنى الدعاء المذكور هاهنا يحتمل أن يكون العبادة، ويحتمل أن يكون التسمية، كأنه قيل: إن الذين تدعون آلهة من دون الله، ومعنى ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ غير الله. وقوله: ﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾. قال الكلبي: (مملوكون أمثالكم) [["تنوير المقباس" 2/ 148، وذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 285، وهو قول الطبري 9/ 151، والسمرقندي 1/ 589، والبغوي 3/ 315.]]، وقال الأخفش: (﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ في التسخير) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 285، ولم أقف عليه عند غيره.]] فعلى هذا معنى ﴿عِبَادٌ﴾ أي: مسخرون مذللون لأمر الله، ومنه سمي الرقيق عبدًا؛ لأنه مسخر بذلك، وقال قطرب: (مخلوقة أمثالكم) [[لم أقف عليه.]]. فأما وصفها بأنهم ﴿عِبَادٌ﴾ وهي موات كالحائط والباب والثوب، فقال أبو بكر بن الأنباري: (الأصنام وإن كانت [[في (ب): (كان).]] مواتًا تجري مجرى الباب والثوب والحائط في أنها غير حيوان، فإن المشركين لما ادعوا أنها تعقل وتميز، وتضر وتنفع أجريت مجرى الناس، ولذلك قال: ﴿فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا﴾، ولم يقل: فادعوهن فليستجبن، ولهذا أيضاً قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ ولم يقل: التي)، وقد سبق [[لم أقف عليه.]] بيان هذا، (فإذا صيرت الأصنام كالناس فأوقع عليها ﴿الَّذِينَ﴾ وقيل في جمعها: فليفعلوا صلح أن يقال لها [[لفظ: (لها) ساقط من (ب).]] ﴿عِبَادٌ﴾، وامتنع ذلك في الأبواب والحيطان والثياب، إذ كانت هذه الأنواع [[في (أ): (الأبواب)، وهو تحريف.]] ما وصفت قط بما يوصف به الناس من العقل والتمييز) [[لم أقف عليه. وانظر: "تفسير الرازي" 15/ 92.]]. وقوله تعالى: ﴿فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾. قال ابن عباس: (يريد: فاعبدوهم هل يثيبونكم [[في (ب): "يثبتونكم".]] أو يجازونكم) [["تنوير المقباس" 2/ 148، وذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 285، والبغوي 3/ 315، والقرطبي 7/ 342.]]. وقال أهل المعاني: (معنى هذا الدعاء: طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم، وذلك ما يُئِس منه من قبلهم، وعبادة من هذه صفته جهل وسخف، واللام في: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا﴾ لام الأمر على معنى التعجيز، وهو طلب الفعل إن أمكن) [[انظر: "تفسير الرازي" 15/ 92.]]. وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. أي: إن صدقتم أن لكم عند الأصنام منفعة أو ثوابًا أو شفاعة أو نصرة، قاله ابن عباس [[ذكره البغوي 3/ 515 بلفظ: (﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ إن لكم عندها منفعة). وذكره الواحدي في "الوسيط" 2/ 285 بلا نسبة.]]، وسلك صاحب النظم في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ طريقة أخرى؛ فقال: (تأويل قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ ﴿إِنَّ﴾ على استفهام، وفي الاستفهام طرف من الإنكار كقوله: ﴿أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ [التغابن: 6] إلا أنه استثقل همزتان فاقتصر على إحداهما، وقد تستفهم العرب بغير الألف، قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ﴾ [الشعراء: 22] بمعنى: أو تلك على الإنكار، ولا يجوز أن يكون هذا خبرًا؛ لأن تعبيده بني إسرائيل لم يكن منّة عليه، ومثله قول الشاعر [[الشاهد لحضرمي بن عامر الأسدي، وقد سبق.]]: أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذودًا شصائصًا نبلا أراد: أأفرح لأنه ينتفي من ذلك، ولا يرضى أن يقال له ذلك، وإنما قال عز وجل منكراً عليهم أن تكون الأصنام عبادًا أمثالهم لقصورها عن أن تكون مثل العباد في الفهم والسمع والبصر، فحقرها وضعفها بهذا الخبر عن أن تبلغ مبلغ العباد فكيف مبلغ الآلهة، ثم قال عز وجل: فإن كان كما تقولون أنها تنفع وتضر ﴿فَادْعُوهُمْ﴾ إلى آخر الآية) [[لم أقف عليه.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب