الباحث القرآني

﴿إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ تَقْرِيرٌ لِما قَبْلَهُ مِن عَدَمِ اتِّباعِهِمْ لَهُمْ، والدُّعاءُ إمّا بِمَعْنى العِبادَةِ تَسْمِيَةً لَها بِجُزْئِها، أوْ بِمَعْنى التَّسْمِيَةِ كَدَعْوَتِهِ زَيْدًا، ومَفْعُولانِ مَحْذُوفانِ أيْ: إنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهم (p-144)﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أوْ تُسَمُّونَهم آلِهَةً مِن دُونِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿عِبادٌ أمْثالُكُمْ﴾ أيْ: مُماثِلَةٌ لَكم مِن حَيْثُ إنَّها مَمْلُوكَةٌ لِلَّهِ تَعالى مُسَخَّرَةٌ لِأمْرِهِ عاجِزَةٌ عَنِ النَّفْعِ والضُّرِّ كَما قالَ الأخْفَشُ، وتَشْبِيهُها بِهِمْ في ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ عَجْزِها عَنْهُما أظْهَرَ وأقْوى مِن عَجْزِهِمْ إنَّما هُوَ: لِاعْتِرافِهِمْ بِعَجْزِ أنْفُسِهِمْ وزَعْمِهِمْ قُدْرَتَها عَلَيْهِما؛ إذْ هو الَّذِي يَدْعُوهم إلى عِبادَتِها والِاسْتِعانَةِ بِها، وقِيلَ: يَحْتَمِلُ أنَّهم لَمّا نَحَتُوا الأصْنامَ بِصُوَرِ الأناسِيِّ قالَ سُبْحانَهُ لَهُمْ: إنَّ قُصارى أمْرِهِمْ أنْ يَكُونُوا أحْياءً عُقَلاءَ أمْثالَكم فَلا يَسْتَحِقُّونَ عِبادَتَكم كَما لا يَسْتَحِقُّ بَعْضُكم عِبادَةَ بَعْضٍ فَتَكُونُ المِثْلِيَّةُ في الحَيَوانِيَّةِ والعَقْلِ عَلى الفَرْضِ والتَّقْدِيرِ لِكَوْنِهِمْ بِصُورَةِ الأحْياءِ العُقَلاءِ، وقَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: (إنِ الَّذِينَ تَدْعُونَ) بِتَخْفِيفِ إنَّ ونَصْبِ: عِبادًا أمْثالَكُمْ، وخَرَّجَها ابْنُ جِنِّيٍّ عَلى أنَّ إنَّ نافِيَةٌ عَمِلَتْ عَمَلَ ما الحِجازِيَّةِ وهو مَذْهَبُ الكِسائِيِّ وبَعْضِ الكُوفِيِّينَ. واعْتُرِضَ أوَّلًا بِأنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مِثْلُ ذَلِكَ، وثانِيًا بِأنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ كَوْنِهِمْ عِبادًا أمْثالَهُمْ، والقِراءَةُ المَشْهُورَةُ تُثْبِتُهُ فَتَتَناقَضُ القِراءَتانِ، وأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ بِأنَّ القائِلَ بِهِ يَقُولُ: إنَّهُ ثابِتٌ في كَلامِ العَرَبِ كَقَوْلِهِ: ؎إنْ هو مُسْتَوْلِيًا عَلى أحَدٍ إلّا عَلى أضْعَفِ المَجانِينِ وعَنِ الثّانِي أنَّهُ لا تَناقُضَ لِأنَّ المَشْهُورَةَ تُثْبِتُ المِثْلِيَّةَ مِن بَعْضِ الوُجُوهِ وهَذِهِ تَنْفِيها مِن كُلِّ الوُجُوهِ أوْ مِن وجْهٍ آخَرَ، فَإنَّ الأصْنامَ جَماداتٌ مَثَلًا، والدّاعِينَ لَيْسُوا بِها، وقِيلَ: إنَّها إنْ المُخَفَّفَةُ مِنَ المُثَقَّلَةِ وإنَّها عَلى لُغَةِ مَن نَصَبَ بِها الجُزْأيْنِ كَقَوْلِهِ: ؎إذا اسْوَدَّ جُنْحُ اللَّيْلِ فَلْتَأْتِ ولْتَكُنْ ∗∗∗ خُطاكَ خِفافًا إنَّ حُرّاسَنا أُسْدا فِي رَأيٍ، ولا يَخْفى أنَّ إعْمالَ المُخَفَّفَةِ ونَصْبَ جُزْأيْها كِلاهُما قَلِيلٌ ضَعِيفٌ، ومِن هُنا إنَّهُما مُهْمَلَةٌ وخَبَرُ المُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ وهو النّاصِبُ لِ (عِبادًا) و(أمْثالَكُمْ) عَلى القِراءَتَيْنِ نَعْتٌ لِعِبادٍ عَلَيْهِما أيْضًا، وقُرِئَ: (إنَّ) بِالتَّشْدِيدِ و(عِبادًا) بِالنَّصْبِ عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ العائِدِ المَحْذُوفِ وأمْثالُكم بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ أنَّ، وقُرِئَ بِهِ مَرْفُوعًا في قِراءَةِ التَّخْفِيفِ ونَصْبِ (عِبادًا)، وخَرَجَ ذَلِكَ عَلى الحالِيَّةِ والخَبَرِيَّةِ أيْضًا. ﴿فادْعُوهم فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ تَحْقِيقٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ بِتَعْجِيزِهِمْ وتَبْكِيتِهِمْ. أيْ: فادْعُوهم في رَفْعِ ضُرٍّ أوْ جَلْبِ نَفْعٍ. ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في زَعْمِكم أنَّهم قادِرُونَ عَلى ما أنْتُمْ عاجِزُونَ عَنْهُ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب