الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ معنى ﴿بَلْ﴾ هاهنا رد لكلامهم وإضراب عن توهم صحة عزيمتهم على الإنابة التي كان [[في (أ): (كانت يتمنى).]] تمني الرجعة لأجلها، يقول الله تعالى -ليس على ما قالوا-: ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾، فلذلك اعتذروا وتمنوا الرد، أي: إنما اعتذروا حين افتضحوا [[انظر: "تفسير الطبري" 7/ 176 - 177.]]. واختلفوا في معني: ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ﴾، فقال أبو روق: إن المشركين في بعض مواقف القيامة يجحدون الشرك فيقولون: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 23] فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر وذلك حين ﴿بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾) [[ذكره الثعلبي 176 ب، والرازي 12/ 193، والقرطبي 6/ 410، و"البحر" 4/ 103.]]، وعلى هذا أهل التفسير [[انظر: الطبري 7/ 176 - 177، السمرقندي 1/ 480، الرازي 12/ 193.]]. وحكى عن المبرد أنه قال: (بدا لهم وباله وسوء عاقبته، وكأن كفرهم لم يكن باديًا لهم إذ خفي مضرته، وهذا كما تقول لمن وقع فيما كنت حذرته قبل ظهر لك الآن ما قلت لك، وقد كان ظاهرًا له ذلك القول قبل هذا) [[ذكره الثعلبي ص 176 ب، والبغوي 3/ 138، وابن الجوزي 3/ 23، و"القرطبي" 6/ 410، وابن القيم كما في "بدائع التفسير" 2/ 145 - 146.]]. وقال الزجاج: (بدا للأتباع ما أخفاه الرؤساء عنهم من أمر البعث والنشور، قال: لأن المتصل بهذا: ﴿وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [["معني الزجاج" 2/ 240، ونحوه قال النحاس في "معانيه" 2/ 414.]]، وهذا قول الحسن قال: (بدا ما كان يخفيه بعضهم عن بعض) [[ذكره الماوردي 2/ 106، وابن عطية 5/ 172، وابن الجوزي 3/ 23، والرازي 12/ 194، والقرطبي 6/ 410، و"البحر" 4/ 103.]]، وكل هذا بمعنى: ظهرت فضيحتهم في الآخرة وتهتكت أستارهم [[قال الرازي 12/ 194: (اللفظ محتمل لوجوه كثيرة، والمقصود منها بأسرها أنه ظهرت فضيحتهم في الآخرة وانتهكت أستارهم) ا. هـ. ومعنى الآية -والله أعلم-: ظهرت في الآخرة فضيحتهم وعاقبة أعمالهم وما كانوا يخفون من علمهم أنهم على باطل وأن الرسل على حق، فعاينوا ذلك عيانًا بعد أن كانوا يخفونه ويتواصون بإخفائه. انظر: "إعراب النحاس" 1/ 542، و"الكشاف" 2/ 13، و"بدائع التفسير" 2/ 145، وابن كثير 2/ 144 - 445.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ قال ابن عباس: (يريد إلى ما نهوا عنه من الشرك) [["تنوير المقباس" 2/ 12، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 26، وابن الجوزي 3/ 24، وأخرج ابن أبي حاتم 4/ 1279 بسند جيد عنه قال: (أخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى فقال: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ا. هـ وفي "الدر المنثور" 3/ 16، قال: (أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال: (أي لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا) ا. هـ.]]. قال أبو إسحاق: (المعنى: إن أكثر أهل الكتاب والمشركين عاندوا بعد أن علموا أن أمر الله حق [[في (أ): (أن الأمر لله حق).]]، فركنوا إلى الرفاهية، وأن الشيء متأخر عنهم إلى أمدٍ، كما فعل إبليس الذي قد شاهد من براهين الله ما لا غاية بعده، فأعلم الله عز وجل أن هؤلاء لو ردوا لعادوا كما أنهم كفروا في الدنيا بعد قيام الدليل ووجوب الحجة عليهم) [["معاني الزجاج" 2/ 240، انظر: الطبري 7/ 176 - 177، و"معاني النحاس" 2/ 414 "بدائع التفسير" 2/ 146.]]. وهذه الآية من الأدلة الظاهرة على تكذيب القدرية، وذلك أن الله تعالى أخبر عن قوم جرى عليهم قضاؤه في الأزل بالشرك، فقال: لو أنهم شاهدوا النار والحساب وسألوا الرجعة وردوا، لعادوا إلى الشرك، وذلك للقضاء السابق فيهم، وإلا فالعاقل لا يكاد يرتاب فيما شاهد [[ذكره الرازي 12/ 194، وأبو حيان 4/ 104، عن الواحدي.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب