قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ قال بعض الناس: (أعلم هاهنا بمعنى: يعلم)، ولا يجوز ذلك؛ لأنه يطابق [[ذكره الطبري في "تفسيره" 8/ 10 - 11، ورده بنحو ما ذكر الواحدي، وذكره السمين في "الدر" 5/ 126، عن الواحدي وقال: (على هذا أعلم ليست للتفضيل، بل بمعنى: اسم الفاعل في قوته، كأنه قيل: إن ربك هو يعلم) اهـ.]] ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ وقال بعض البصريين: (موضع (من) نصب على حذف الباء؛ لأنه قد قال في موضع: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ [ضِلَّ] [[جاء في الأصول: (يضل) بالياء، وهو خطأ واضح.]]﴾ [النحل: 125] بالباء وحذفت هاهنا) [[هذا قول الأخفش في "معانيه" 3/ 282، وذكره الطبري في "تفسيره" 8/ 10، وانظر: "المحتسب" 1/ 229، و"المشكل" 1/ 267، وفيه قال: (ولا يحسن تقدير حذف حرف الجر، لأنه من ضرورات الشعر). اهـ. وانظر: "تفسير القرطبي" 7/ 72.]].
وقال الزجاج: (موضع (من) رفع الابتداء ولفظها لفظ الاستفهام. المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يضلُّ عن سبيله، قال: وهذا مثل قوله: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ [[في (أ): (ليعلم)، بالياء.]] الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى﴾ [الكهف: 12] [["معاني الزجاج" 2/ 286، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" 8/ 10، والنحاس في "إعراب القرآن" 1/ 577، والأزهري في "معاني القرآن" 1/ 381، ومكي في "المشكل" 1/ 266، والكرماني في "غرائب التفسير" 1/ 382، وضعف هذا القول أبو حيان في "البحر" 4/ 210.]]. وهذا قول المبرد [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 105، والرازي في "تفسيره" 13/ 164، وأبو حيان في "البحر" 4/ 210، والسمين في "الدر" 5/ 127، عن المبرد والكسائي.]] والكسائي والفراء، قال الفراء: (إذا كانت من بعد العلم والنظر والدراية، مثل: نظرت وعلمت ودريت، كانت في مذهب أي، فإن كان بعدها فعل له رفعتها به، وإن كان بعدها فعل يقع عليها نصبتها، كقولك: ما أدري من قام، ترفع من بقام) [["معاني الفراء" 1/ 352.]]، يريد: أن من ترفع بالابتداء، وقام خبره، كذلك (من) ابتداء و (يضلّ) خبره في الآية، وتقول: ما أدري من ضربت، تنصب [[هذا المثال من كلام الفراء في "معانيه" 1/ 352.]] (من) بـ (ضربت)؛ لأن بعدها [فعل] [[في (ش): (فعلًا).]] يقع عليها، وقال أبو علي الفارسي: (من) معمول فعلٍ مضمر دل عليه (أعلم)، ولا يجوز أن يكون معمول (أعلم)؛ لأن المعاني لا تعمل في المعمول به، ومثل هذا في أنه لا يكون إلا محمولًا على فعل ما أنشده أبو زيد [[أبو زيد البصري سعيد بن أوس الأنصاري تقدمت ترجمته.]]: وأَضْرَب مِنه بالسُّيُوفِ القَوَانِسا [[البيت للعباس بن مرداس السُّلمي في "ديوانه" ص 69، و"النوادر" لأبي زيد ص 59، و"الأصمعيات" ص 205، و"الحماسة" لأبي تمام 1/ 246، و"اللسان" 6/ 3751 (قنس)، وبلا نسبة في "البيان" 1/ 336، و"أمالي" ابن الحاجب 2/ 158، و"البحر" 4/ 210، و"الدر المصون" 5/ 157، و"مغني اللبيب" 2/ 618، وصدره:
أَكُرّ وأَحْمى لِلْحَقِيقَة مِنْهُمُ
وفي المراجع: وأضرب منا، بدل: منهم. والقونس: بفتح القاف وسكون الواو وفتح النون: أعلى البيضة من السلاح. انظر: "اللسان" 6/ 3751 (قنس).]]
فالقوانس محمولة على مضمر دون أضرب هذه الظاهرة، قال. ولا يجوز أن يكون موضع (من) في قوله: ﴿أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ﴾ جرًّا؛ لأن أفعل [[لأنه يلزم عليه محذور عظيم، وذلك أن أفعل التفضيل لا تضاف إلا إلى جنسها، فإذا قلت: زيد أعلم الضالين، لزم أن يكون زيد بعض الضالين، فهذا الوجه مستحيل في هذه الآية الكريمة انظر: "التبيان" ص355، و"الفريد" 2/ 219 - 220.]] لا يضاف إلا إلى ما هو بعض له كقولك: (أعلم الناس، وليس ربنا بعض من يضل) [["الحجة" لأبي علي 1/ 26 - 27. وانظر: "المسائل البصريات" 1/ 542، و"كتاب الشعر" 2/ 545، و"الإغفال" ص 935 - 936، وهذا الوجه هو اختيار ابن عطية في "تفسيره" 5/ 330، وابن الأنباري في "البيان" 1/ 336، وقال السمين في "الدر" 5/ 127: (والراجح من هذه الأقوال نصبها بمضمر، وهذا قول الفارسي، وقزاعد البصريين موافقة له) اهـ.]].
{"ayah":"إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ مَن یَضِلُّ عَن سَبِیلِهِۦۖ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ"}