الباحث القرآني

﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وهو أعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾ (117) تَقْرِيرٌ كَما قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ لِمَضْمُونِ الشَّرْطِيَّةِ وما بَعْدَها وتَأْكِيدٌ لِما يُفِيدُهُ مِنَ التَّحْذِيرِ أيْ هو أعْلَمُ بِالفَرِيقَيْنِ فاحْذَرْ أنْ تَكُونَ مِنَ الأوَّلِينَ. ( ومَن ) مَوْصُولَةٌ أوْ مَوْصُوفَةٌ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى المَفْعُولِيَّةِ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ ( أعْلَمُ ) كَما ذَهَبَ إلَيْهِ الفارِسِيُّ أيْ يَعْلَمُ لا بِهِ فَإنَّ أفْعَلَ لا يَنْصِبُ الظّاهِرَ فِيما إذا أُرِيدَ بِهِ التَّفْضِيلُ عَلى الصَّحِيحِ خِلافًا لِبَعْضِ الكُوفِيِّينَ لِأنَّهُ ضَعِيفٌ لا يَعْمَلُ عَمَلَ فِعْلِهِ وإذا جُرِّدَ لِمَعْنى اسْمِ الفاعِلِ فَمِنهم مَن جَوَّزَ نَصْبَهُ كَما صَرَّحَ بِهِ في التَّسْهِيلِ وحِينَئِذٍ يُؤْتى بِمَفْعُولِهِ مَجْرُورًا بِالباءِ أوِ اللّامِ ومِنَ النّاسِ مَنِ ادَّعى أنَّ الباءَ هُنا مُقَدَّرَةٌ لِيَتَطابَقَ طَرَفا الآيَةِ ولا يَجُوزَ أنْ يَكُونَ أفْعَلُ مُضافًا إلى مَن لِفَسادِ المَعْنى. وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ اسْتِفْهامِيَّةً مُبْتَدَأً والخَبَرُ ( يَضِلُّ ) والجُمْلَةُ مُعَلَّقٌ عَنْها الفِعْلُ المُقَدَّرُ وإلى هَذا ذَهَبَ الزَّجّاجُ. ولا يَخْفى ما في التَّعْبِيرِ في جانِبِ الفَرِيقِ الأوَّلِ بِما عَبَّرَ بِهِ وفي جانِبِ الفَرِيقِ الثّانِي بِالمُهْتَدِينَ مَعَ عَدَمِ بَيانِ ما اهْتَدَوْا إلَيْهِ مِنَ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِ الآخَرِينَ ومَزِيدِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهم وبَيْنَ الأوَّلِينَ وقُرِئَ ( مَن يُضِلُّ ) بِضَمِّ الياءِ عَلى أنَّ ( مَن ) مَفْعُولٌ لِما أُشِيرَ إلَيْهِ مِنَ الفِعْلِ المُقَدَّرِ وفاعِلَ ( يُضِلُّ ) ضَمِيرٌ راجِعٌ إلَيْهِ ومَفْعُولَهُ مَحْذُوفٌ أيْ يَعْلَمُ مَن يُضِلُّ النّاسَ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِلتَّحْذِيرِ عَنْ طاعَةِ الكَفَرَةِ وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ مَجْرُورَةً بِالإضافَةِ أيْ أعْلَمُ المُضِلِّينَ (p-13)مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ أوْ مِن قَوْلِكَ: أضْلَلْتُهُ إذا وجَدْتُهُ ضالًّا كَأحْمَدْتُهُ إذا وجَدَتُهُ مَحْمُودًا وأنْ تَكُونَ اسْتِفْهامِيَّةً مُعَلَّقًا عَنْها الفِعْلُ أيْضًا وأنْ يَكُونَ فاعِلُ ( يَضِلُّ ) ضَمِيرَ اللَّهِ تَعالى ومَن مَنصُوبَةً بِما ذُكِرَ مِنَ الفِعْلِ المُقَدَّرِ أيْ يَعْلَمُ مَن يُضِلُّهُ اللَّهُ تَعالى قِيلَ: وكانَ الظّاهِرُ أنْ يُقالَ: بِالمَهْدِيِّينَ وكَأنَّ وجْهَ العُدُولِ عَنْهُ الإشارَةُ إلى أنَّ الهِدايَةَ صِفَةٌ سابِقَةٌ ثابِتَةٌ لَهم في أنْفُسِهِمْ كَأنَّها غَيْرُ مُحْتاجَةٍ إلى جَعْلٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ»: بِخِلافِ الضَّلالِ فَإنَّهُ أمْرٌ طارَ أوْجَدَهُ فِيهِمْ فَتَأمَّلْ. والتَّفْضِيلُ في العِلْمِ إمّا بِالنَّظَرِ إلى المَعْلُوَماتِ فَإنَّها غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ أوْ إلى وُجُوهِ العِلْمِ الَّتِي يُمْكِنُ تَعَلُّقُهُ بِها وإمّا بِاعْتِبارِ الكَيْفِيَّةِ وهي لُزُومُ العِلْمِ لَهُ سُبْحانَهُ أوْ كَوْنُهُ بِالذّاتِ لا بِالغَيْرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب