الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: يا محمد، إن ربك الذي نهاك أن تطيع هؤلاء العادلين بالله الأوثانَ، لئلا يُضِلوك عن سبيله، هو أعلم منك ومن جميع خلقه أيُّ خلقه يَضلّ عن سبيله بزخرف القول الذي يوحِي الشياطين بعضُهم إلى بعض، فيصدُّوا عن طاعته واتباع ما أمر به = ﴿وهو أعلم بالمهتدين﴾ ، يقول: وهو أعلم أيضًا منك ومنهم بمن كان على استقامة وسدادٍ، لا يخفى عليه منهم أحد. يقول: واتبع، يا محمد، ما أمرتك به، وانته عما نهيتك عنه من طاعة مَنْ نهيتك عن طاعته، فإني أعلم بالهادي والمضلِّ من خلقي، منك. * * * واختلف أهل العربية في موضع:"مَن" في قوله: ﴿إن ربك هو أعلم من يضل﴾ . فقال بعض نحويي البصرة: موضعه خفض بنيّة"الباء". قال: ومعنى الكلام: إن ربك هو أعلم بمن يضِلُّ. [[انظر ما سلف ١١: ٥٦٠، تعليق: ١، وأن قائله هو الأخفش.]] * * * وقال بعض نحويي الكوفة: موضعه رفع، لأنه بمعنى"أيّ"، والرافع له"يضلّ". [[انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء ١: ٣٥٢، وهذا قول الفراء.]] * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنه رفع بـ"يضل"، وهو في معنى"أيّ". وغير معلوم في كلام العرب اسم مخفوض بغير خافض، فيكون هذا له نظيرا. * * * وقد زعم بعضهم أن قوله: ﴿أعلم﴾ ، في هذا الموضع بمعنى"يعلم"، واستشهد لقيله ببيت حاتم الطائي: فَحَالَفَتْ طَيّئٌ مِنْ دُونِنَا حِلِفًا ... وَاللهُ أَعْلَمُ ما كُنَّا لَهُمْ خُذْلا [[البيت ليس في ديوان حاتم، وهو في تفسير القرطبي ٧: ٧٢، عن هذا الموضع من تفسير أبي جعفر: وقوله: ((حلف)) هو بكسر الحاء واللام، ألحق اللام كسرة الحاء لضرورة الشعر. ولو قال ((حلفا)) (بفتح وكسر اللام) وهو مصدر ((حلف يحلف)) مثل ((الحلف)) (بكسر فسكون) ، لكان صوابًا، لأن ((الحلف)) الذي هو العهد، إنما سمى ((حلفًا)) بمصدر ((حلف)) بمعنى أقسم، لأن العهد يوثق باليمين والقسم.]] وبقول الخنساء: القَوْمُ أَعْلَمُ أَنَّ جَفْنَتَهُ ... تَعْدُو غَدَاةَ الرِّيحِ أَوْ تَسري [[ديوانها: ١٠٤، في رثاء أخيها صخر، وبعده: فَإِذَا أَضَاءَ وَجَاشَ مِرْجَلُهُ ... فَلَنِعْمَ رَبُّ النَّارِ والقِدْرِ وقولها: ((تغدو)) ، أي تغدو على قومه وضيوفه. و ((غداة الريح)) ، أي غدوة في زمن الشتاء، في زمان القحط وقلة الألبان، ((وتسرى)) . يعني في الليل. وقولها: ((أضاء)) ، أي أوقد ناره لتوضع عليها القدور، ويراها الضيفان.]] وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل، وإن كان جائزًا في كلام العرب، فليس قولُ الله تعالى ذكره: ﴿إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله﴾ ، منه. وذلك أنه عطف عليه بقوله: ﴿وهو أعلم بالمهتدين﴾ ، فأبان بدخول"الباء" في"المهتدين" أن"أعلم" ليس بمعنى"يعلم"، لأن ذلك إذ كان بمعنى"يفعل"، لم يوصل بالباء، كما لا يقال:"هو يعلم بزيد"، بمعنى: يعلم زيدًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب