الباحث القرآني
ثم ذكر حال المنافقين في ذلك اليوم فقال: قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ} يوم بدل من قوله: ﴿يَوْمَ تَرَى﴾ [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 356 - 357.]] فقال أبو أمامة: يغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورًا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئًا فيمضي المؤمنون ويقول المنافقون ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ قال: وهي خدعة خدع بها المنافقون، قال الله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: 142]، فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم وقد ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ﴾ [[أخرجه ابن المبارك في "الزهد" ص 108 (الرقائق)، والحاكم في "المستدرك" وصححه، والبيهقي في "الأسماء والصفات" 2/ 435، ببيان أطول مما هاهنا، وهو صحيح الإسناد موقوف على أبي أمامة، وانظر: "ابن كثير" 4/ 38، و"الدر" 6/ 173.]].
وقال ابن عباس ومجاهد: إن المؤمنين والمنافقين جميعًا يعطون النور وذلك أنهم يحشرون معًا ويعطون النور فيطفأ نور المنافقين ويقولون للمؤمنين ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [[انظر: "تفسير مجاهد" 2/ 657، و"جامع البيان" 27/ 129.]].
وقال الكلبي: يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فإذا سبقهم المؤمنون قالوا: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ أي انتظرونا [[انظر: "تنوير المقباس" 5/ 354، و"الجامع لأحكام القرآن" 17/ 245.]] ونظر بمعنى انتظر في التنزيل والشعر كثير، قال الله تعالى: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: 53] منتظرين إدراكه، وأنشد أبو علي [[البيت ورد في "اللسان" (ش) ولم ينسبه، وفيه: (راعي الغنم).]]:
ما زِلت مُذ أشهرَ السُّفَّارُ أنْظُرُهُم ... مثلُ انتظارِ المضحّي راعيَ الإبلِ المعنى: انتظرهم انتظارًا مثل انتظار الضحي ويجي فعلت وافتعلت بمعنى كثيرًا كقولهم: شريت واشتريت وحفرت واحتفرت [[انظر: "الحجة للقراء السبعة" 6/ 272، وأشهر السفار: أي مضى عليهم شهر.]].
وقرأ حمزة ﴿أنْظِرُونَا﴾ بقطع الألف [[قرأ حمزة (أَنْظِرُونَا) بقطع الهمزة مفتوحة وكسر الظاء، وقرأ الباقون (انظُرُونَا) بوصل الهمزة وضم الظاء. انظر: "النشر" 2/ 384، و"الإتحاف" ص 410.]] من الإنظار: قال أبو عبيد: التي تختارها هي الأولى [[أي قراءة الجمهور.]]؛ لأن تأويلها: انتظرونا، وأما الأخرى: فإنما هي من التأخير ولا أعرب للتأخير هاهنا موضعاً [[قلت: وإذا ثبتت القراءة عن النبي -ﷺ-كما هنا فلا عبرة بما قال غيره، وعدم معرفة أبي عبيد -رحمه الله - لهذا المعنى في القراءة لا يطعن في صحة القراءة وقوتها ولا يقلل من قدره رحمه الله، ومعرفة غيره من علماء اللغة لهذا المعنى تشهد لصحة القراءة لغة وقد صحت سندًا، والله أعلم.]] فأبطل هذه القراءة.
قال أبو إسحاق: ﴿انْظُرُونَا﴾ بقطع الألف معناه: انتظرونا أيضًا، وأنشد بيت عمرو بن كلثوم [[البيت من معلقة عمرو بن هند. انظر: "شرح المعلقات السبع" للزوزني ص 98، و"الخزانة" 3/ 628.]]:
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
وقال أبو علي: وقد يكون أنظرتُ في معنى انتظرت بقولك: أنظرني التنفيس الذي يطلب بالانتظار من ذلك قوله:
وأنظرنا نخبرك اليقينا
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الأعراف: 14] إنما هو طلب الإمهال والتسويف، فالمطلوب بقوله: وأنظرنا: تسويف، وكذلك قوله: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ﴾ نفسونا نقبتس، وانتظروا علينا. وكذلك ما جاء في الحديث من إنظار المعسر [[أخرج مسلم في "صحيحه"، كتاب الفضائل، باب من أنظر انقياد الشجر للنبي -ﷺ- وفيه (من أنظر معسرًا، أو وضع عنه، أظله الله في ظله).]] فهذا وإن كان التأخير يشملها فهو على تأخير دون تأخير، وليس تسرّع من تسّرعَ إلى تخطئة من قال: "أنظرونا" بشيء وليس ينبغي أن يقال فيما لطف إنه خطأ، وهو زعموا قراءة يحيى بن وثاب والأعمش [[انظر: " الحجة للقراء السبعة" 6/ 273، و"معاني القرآن" للفراء 3/ 133، و"إعراب القرآن" للنحاس 3/ 357، وقوله: فيما لطف، أي فيما غمض معناه وغفى، و"اللسان" 3/ 369 (لطف).]].
قوله تعالى: ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ﴾ قال ابن عباس: يقول المؤمنون لهم ارجعوا وراءكم [[انظر: "تنوير المقباس" 5/ 354، و"الوسيط" 4/ 249]]. وقال مقاتل: قالت لهم الملائكة ارجعوا وراءكم من حيث جئتم من الظلمة [[انظر: "تفسير مقاتل" 140 ب، و"جامع البيان" 27/ 129، ونسب القول للمؤمنين موضحًا معنى الآية.]].
﴿فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ قال أبو إسحاق: تأويله لا نور لكم عندنا [[انظر: "معاني القرآن" 5/ 124.]].
قوله: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ﴾ قد ذكرنا أن المنافقين ينصرفون لطلب النور فلا يجدون، ثم يقبلون إلى المؤمنين ليلحقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين ويضرب بينهم سد، وهو قوله: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ﴾ أي أن بين المنافقين والمؤمنين ﴿بِسُورٍ﴾ وهو الحائط، والباء فيه صلة للتأكيد، قاله الأخفش [[انظر: "معاني القرآن" 2/ 704.]]. وقد مضى الكلام فيه.
﴿لَهُ بَابٌ﴾ لذلك السور باب ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ أي في باطن ذلك السور الرحمة، قال ابن عباس والمفسرون [[انظر: "جامع البيان" 27/ 129، و"معالم التنزيل" 4/ 296، و"زاد المسير" 8/ 166.]]: يعني الجنة التي فيها المؤمنون ﴿وَظَاهِرُهُ﴾ يعني وخارج السور ﴿مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ أي من قبله يأتيهم العذاب، والمعنى أن ما يلي المؤمنين ففيه الرحمة، وما يلي الكافرين يأتيهم من قبله العذاب.
قال ابن عباس: يريد جهنم [[انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 17/ 246، و"فتح القدير" 5/ 171.]]، وقال الحسن: يعني النار [[انظر: "معالم التنزيل" 4/ 296، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 309.]].
وقال الكلبي: هذا السور هو سور الأعراف [[انظر: "تفسير مقاتل" 141 أ، و"جامع البيان" 27/ 129، و"الجامع" للقرطبي 17/ 246، و"ابن كثير" 4/ 903، عن مجاهد وابن زيد، وقال ابن كثير: وهو الصحيح.]].
وقال قتادة: هو حائط بين الجنة والنار [[انظر: "جامع البيان" 27/ 129، و"تفسير القرآن العظيم" 4/ 39، وزاد نسبته للحسن.]]، والمعنى أن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة، والمنافقين يحصلون [[قوله: (يحصلون) أي يميزون، والمُحَصَّلة: التي تْمَيِزّ الذهب من الفضة، و"اللسان" 1/ 654 (حصل).]] في العذاب والنار وبينهم السور الذي ذكر الله تعالى.
{"ayah":"یَوۡمَ یَقُولُ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتُ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِیلَ ٱرۡجِعُوا۟ وَرَاۤءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُوا۟ نُورࣰاۖ فَضُرِبَ بَیۡنَهُم بِسُورࣲ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِیهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَـٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق