الباحث القرآني

قيل المَعْنى ارْجعُوا إلى الدُّنْيا فَخُذُوا من الإيمان نورا تجوزون بِهِ كَما فعل المُؤْمِنُونَ وَقيل ارْجعُوا وراءكم حَيْثُ قسمت الأنْوار فالتمسوا هُناكَ نورا تجوزن بِهِ ثمَّ ضرب بَينهم وبَين أهل الإيمان بسور لَهُ باب باطِنه الَّذِي يَلِي المُؤمنِينَ ﴿فِيهِ الرَّحْمَة وظاهره﴾ الَّذِي يليهم ﴿من قبله العَذاب﴾ فَإذا جاوز المُؤْمِنُونَ الصِّراط ولا يجوزه إلّا مُؤمن أمنُوا من دُخُول النّار فيحبسون هُناكَ على قنطرة بَين الجنَّة والنّار فيقتص لبَعْضهِم من بعض مظالم كانَت بَينهم في دار الدُّنْيا حَتّى إذا هذبوا أذن لَهُم في دُخُول الجنَّة فَإذا اسْتَقر أهل الجنَّة في الجنَّة وأهل النّار في النّار أنِّي بِالمَوْتِ في صُورَة كَبْش أمْلَح فَيُوقف بَين الجنَّة والنّار ثمَّ يُقال يا أهل الجنَّة فيطلعون وجلين، ثمَّ يُقال يا أهل النّار فيطلعون مستبشرين فَيُقال هَل تعرفُون هَذا فَيَقُولُونَ نعم وكلهمْ قد عرفه فَيُقال هَذا المَوْت فَيذْبَح بَين الجنَّة والنّار ثمَّ يُقال يا أهل الجنَّة خُلُود ولا موت ويا أهل النّار خُلُود ولا موت فَهَذا آخر أحْوال هَذِه النُّطْفَة الَّتِي هي مبدأ الإنْسان وما بَين هَذا المبدإ وهَذِه الغايَة أحْوال وأطباق قدر العَزِيز العَلِيم تنقل الإنْسان فِيها وركوبة لَها طبقًا بعد طبق حَتّى يصل إلى غايَته من السَّعادَة والشقاوة. ﴿قتل الإنْسان ما أكفره﴾ * (موعظة) كَيْفَ بِهِمْ إذا حُشِرُوا إلى جِسْرِ جَهَنَّمَ؟ وهو أدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وأحَدُّ مِنَ الحُسامِ، وهو دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، مُظْلِمٌ لا يَقْطَعُهُ أحَدٌ إلّا بِنُورٍ يُبْصِرُ بِهِ مَواطِئَ الأقْدامِ، فَقُسِّمَتْ بَيْنَ النّاسِ الأنْوارُ، وهم عَلى قَدْرِ تَفاوُتِها في المُرُورِ والذَّهابِ، وأُعْطُوا نُورًا ظاهِرًا مَعَ أهْلِ الإسْلامِ، كَما كانُوا بَيْنَهم في هَذِهِ الدّارِ يَأْتُونَ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ والحَجِّ والصِّيامِ، فَلَمّا تَوَسَّطُوا الجِسْرَ عَصَفَتْ عَلى أنْوارِهِمْ أهْوِيَةُ النِّفاقِ، فَأطْفَأتْ ما بِأيْدِيهِمْ مِنَ المَصابِيحِ، فَوَقَفُوا حَيارى لا يَسْتَطِيعُونَ المُرُورَ، فَضُرِبَ بَيْنَهم وبَيْنَ أهْلِ الإيمانِ بِسُورٍ لَهُ بابٌ، ولَكِنْ قَدْ حِيلَ بَيْنَ القَوْمِ وبَيْنَ المَفاتِيحِ، باطِنُهُ الَّذِي يَلِي المُؤْمِنِينَ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وما يَلِيهِمْ مِن قِبَلِهِمُ العَذابُ والنِّقْمَةُ، يُنادُونَ مَن تَقَدَّمَهم مِن وفْدِ الإيمانِ، ومَشاعِلُ الرَّكْبِ تَلُوحُ عَلى بُعْدٍ كالنُّجُومِ، تَبْدُو لِناظِرِ الإنْسانِ ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ لِنَتَمَكَّنَ في هَذا المَضِيقِ مِنَ العُبُورِ، فَقَدْ طُفِئَتْ أنْوارُنا، ولا جَوازَ اليَوْمَ إلّا بِمِصْباحٍ مِنَ النُّورِ ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وراءَكم فالتَمِسُوا نُورًا﴾ حَيْثُ قُسِّمَتِ الأنْوارُ، فَهَيْهاتَ الوُقُوفُ لِأحَدٍ في مِثْلِ هَذا المِضْمارِ! كَيْفَ نَلْتَمِسُ الوُقُوفَ في هَذا المَضِيقِ؟ فَهَلْ يَلْوِي اليَوْمَ أحَدٌ عَلى أحَدٍ في هَذا الطَّرِيقِ؟ وَهَلْ يَلْتَفِتُ اليَوْمَ رَفِيقٌ إلى رَفِيقٍ؟ فَذَكَّرُوهم بِاجْتِماعِهِمْ مَعَهم وصُحْبَتِهِمْ لَهم في هَذِهِ الدّارِ، كَما يُذَكِّرُ الغَرِيبُ صاحِبَ الوَطَنِ بِصُحْبَتِهِ لَهُ في الأسْفارِ ﴿ألَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ﴾ نَصُومُ كَما تَصُومُونَ، ونُصَلِّي كَما تُصَلُّونَ، ونَقْرَأُ كَما تَقْرَءُونَ، ونَتَصَدَّقُ كَما تَتَصَدَّقُونَ، ونَحُجُّ كَما تَحُجُّونَ؟ فَما الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَنا اليَوْمَ، حَتّى انْفَرَدْتُمْ دُونَنا بِالمُرُورِ؟ ﴿قالُوا بَلى﴾ ولَكِنَّكم كانَتْ ظَواهِرُكم مَعَنا وبَواطِنُكم مَعَ كُلِّ مُلْحِدٍ، وكُلِّ ظَلُومٍ كَفُورٍ ﴿وَلَكِنَّكم فَتَنْتُمْ أنْفُسَكم وتَرَبَّصْتُمْ وارْتَبْتُمْ وغَرَّتْكُمُ الأمانِيُّ حَتّى جاءَ أمْرُ اللَّهِ وغَرَّكم بِاللَّهِ الغَرُورُ - فاليَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكم فِدْيَةٌ ولا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النّارُ هي مَوْلاكم وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ [الحديد: ١٤-١٥].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب