قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ أكثر المفسرين على أن هذا عام في كل ضحك وبكاء، يدل عليه ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: مر النبي -ﷺ- على قوم يضحكون فقال: "لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلاً" فنزل عليه جبريل فقال: إن الله -عز وجل- يقول: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ فرجع إليهم، فقال: "إن الله هو أضحك وأبكى" [[أخرجه الثعلبي في "تفسيره" 12/ 18 أ، والواحدي في "أسباب النزول" ص 461. وأخرجه ابن مردويه عنها. انظر: "إحياء علوم الدين" 4/ 450، و"الجامع لأحكام القرآن" 17/ 116، و"الدر" 6/ 300.]].
وهذا يدل على أن كل ما يعمله الإنسان بقضائه وإرادته وخلقه حتى الضحك والبكاء، وكذلك ما روي عن جبار الطائي [[جبار بن القاسم الطائي، روى عن ابن عباس، وعنه أبو إسحاق، ضعفه الأزدي وذكره ابن حبان في "الثقات" بروايته عن ابن عباس. انظر: "لسان الميزان" 2/ 120.]] قال: شهدت جنازة أم مصعب [[هي الرباب بنت أنيف الكلبية انظر: "طبقات ابن سعد" 5/ 182، و"سير أعلام النبلاء" 4/ 141.]] وفيها ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر، وابن عباس يقاد على أتان له، فمرا وفي الجنازة صوارخَ فقلت: يا أبا عباس: تفعل هذا؟ قال: دعنا منك يا جبار فإن الله هو أضحك وأبكى [[لم أجده.]].
ومن المفسرين من خصَّ؛ وهو قول الكلبي. قال: أضحك أهل الجنة وأبكى أهل النار [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 3/ 101، و"جامع البيان" 27/ 44، و"البغوي" 4/ 255.]]، ومنهم من حمل الضحك والبكاء على المجاز، وهو قول عطاء بن أبي مسلم قال: معناه أفرح وأحزن؛ لأن الضحك يجلبه السرور والفرح، والبكاء يوجبه الحزن والنزح [[انظر: "الكشف والبيان" 12/ 18 ب، و"معالم التنزيل" 4/ 255.]]، ومنهم من حمل الآيهَ على الاستعارة وهو قول الضحاك.
قال: المعنى أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر [[(بالمطر) ساقطة من (ك)، والتصحيح من "الوسيط".
انظر: "الكشف والبيان" 12/ 18 ب، و"الوسيط" 4/ 204، و"معالم التنزيل" 4/ 255، قلت: وهذا التفسير يخالف ما يفهم من ظاهر الآية، وحمله على الضحك والبكاء المعروفين أولى، والله أعلم.]].
{"ayah":"وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ"}