الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ معنى التدبير والتدبر في اللغة النظر في العواقب [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 82، "تهذيب اللغة" 2/ 1143، "مقاييس اللغة" 2/ 324، "الصحاح" 2/ 655 (دبر).]]، ومنه قول الأكثم [[في المخطوط: "الأكثر" والتصويب من "تهذيب اللغة" 2/ 1143 (دبر) وأكثم هو بن صيفي بن رباح بن الحارث التميمي الحكيم المشهور، أحد المعمرين، أدرك الإسلام وقصد المدينة ليسلم فمات في الطريق في نحو سنة 9 هـ. انظر: "جمهرة أنساب العرب" ص (210)، "أسد الغابة" 1/ 134، "الإصابة" 1/ 110، "الأعلام" 2/ 6.]] ألا [[في "تهذيب اللغة" 2/ 1143، "اللسان" 3/ 1321 (دبر): "لا"، ولعله هو الصواب كما سيأتي من بيان لقول أكثم.]] تتدبروا أعجز [[في "التهذيب": "أعجاز".]] الأمور قد ولت صدورها [["تهذيب اللغة" 2/ 1143، "اللسان" 3/ 1321 (دبر)، "التفسير الكبير" 10/ 196، وقال الأزهري مبينًا قول أكثم: "يقول: إذا فاتكم الأمر لم ينفعكم الرأي، وإن كان محكمًا".]]. ويقال لمن نظر في أمر قد أدبر: استدبر فلان أمره، ويقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، أي: لو عرفت في صدره ما عرفت في عاقبته [[انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1143 (دبر)، "التفسير الكبير" 10/ 196، "اللسان" 3/ 1321 (دبر).]]. وقال الزجاج: معنى تدبرت الشيء: نظرت في عاقبته، وسمي النحل دبرًا لأنه يعقب ما ينتفع به. والمال الكثير دبر، لأنه يبقى للأعقاب والأدبار [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 82، وانظر: "زاد المسير" 2/ 144.]]. ومعنى الآية: أفلا يتأملون القرآن ويتفكرون فيه. قال ابن عباس: وما فيه من المواعظ والذكر والأمر والنهي [[انظر: "زاد المسير" 2/ 144، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 91.]]. وقال الزجاج: يعني به المنافقون [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 82.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ قال ابن عباس: يريد لو كان من عند مخلوق لكان فيه كذب واختلاف وباطل [[انظر: "الكشف والبيان" 4/ 91 ب، "زاد المسير" 2/ 144، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 91.]]. وقد بين الزجاج وكشف عن هذا المعنى فقال: لو كان ما يُخبرون به مما بينوا وما يسرون فيوحى إلى النبي ﷺ لولا أنه من عند الله لكان الإخبار به مختلفًا؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 82.]]. فالاختلاف على هذا التفسير معناه الكذب. وقال قتادة وابن زيد في قوله: ﴿اخْتِلَافًا﴾: أي تناقضًا من جهة حق وباطل [[هذا معنى قولهما، وقد أخرجه ابن جرير 5/ 179 - 180، وانظر: "معاني القرآن" للنحاس 2/ 140، "النكت والعيون" 1/ 510، "الدر المنثور" 2/ 332.]]. وهذا القول معناه كالأول؛ لأنَّ تأويله: أنه لو كان من عند غير الله لكان ما فيه من الإخبار عن الغيب بعضه حقًا وبعضها باطلًا. وقال بعض أهل المعانى: قوله: ﴿لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا﴾ أي من جهة بليغ ومرذول [["النكت والعيون" 1/ 510، ونسبه الماوردي لبعض البصريين، وانظر: "زاد المسير" 2/ 145.]]. يعني أنه لو كان من عند مخلوق لكان على قياس كلام العباد، بعضه بليغ حسن وبعضه مرذول فاسد، فلما كان جميع القرآن بليغًا عرف أنه من عند الله. ومعنى الاختلاف في اللغة: أن يذهب أحد الشيئيين خلاف ما ذهب إليه الآخر، والأقوال المختلفة أن يذهب بعضها إلى الخطأ وبعضها إلى الصواب، أو بعضها إلى الحسن البليغ وبعضها إلى المرذول القبيح. وليس بحمد الله في القرآن اختلاف تناقض، ولا اختلاف تفاوت، بأن يكون بعضها حسنًا وبعضه قبيحًا. فأما اختلاف القراءات، واختلاف مقادير الآيات والسور، واختلاف الأحكام في الناسخ والمنسوخ فكلٌّ صواب وكله حق، وليس ذلك اختلافًا يؤدي إلى فساد وتناقض، بل هو اختلاف يوافق بعضه بعضًا في الحسن [[ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام جيد يوضح هذا المعنى ويؤكده، فمما قال حول ذلك: "الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وذلك صنفان: أحدهما: أن يُعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبة تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمَّى ... كما قيل في اسم السيف: الصارم والمهند، وذلك مثل أسماء الله الحسنى وأسماء رسوله ﷺ وأسماء القرآن. الصنف الثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه .... ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملًا للأمرين، إما لكونه مشتركًا في اللفظ كلفظ (قسورة) الذي يراد به الرامي ويراد به الأسد. ولفظ (عسعس) الذي يراد به إقبال الليل وإدباره ... " "مجموع الفتاوى" 13/ 333 - 340، وانظر: "البحر المحيط" 3/ 305.]]. وقال ابن عباس في رواية الكلبي عنه في هذه الآية: أفلا يتفكرون في القرآن فيرون بعضه يُشبه بعضًا، ويصدق بعضه بعضًا، وأن أحدًا من الخلائق لم يكن يقدر عليه، فيسلمون بذلك أنه من عند الله، إذ لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا أي تفاوتًا وتناقضًا كثيراً [["تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 91.]]. فجعل الاختلاف في هذا القول اختلاف التناقض.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب