الباحث القرآني
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا﴾ الآية. كان ابن عباس يقول: الإشارة تعود إلى كل ما نُهي عنه من أول سورة النساء إلى هذا الموضع [[انظر: "زاد المسير" 2/ 62، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 83.]]. فعلى هذا الوعيد راجع إلى جميع المحرمات السابقة في هذه السورة.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أفي كل ذلك؟ قال: لا، ولكن في قتل النفس [[أخرجه بمعناه الطبري 5/ 36، وابن المنذر كما في "الدر المنثور" 2/ 260.]]. فالوعيد على قول عطاء خاص في قتل النفس المُحرمة، ووجهه أنه يرده إلى أقرب مذكور إليه [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 410.]].
وقال قوم: الوعيد راجع إلى أكل المال بالباطل وقتل النفس المحرمة، فالوعيد بكل واحدة من الخصلتين. وهذا اختيار الزجاج، قال: وعد الله عز وجل على أكل المال ظلمًا، وعلى القتل عدوانًا النار. قال: ومعنى العدوان أن يعدوا ما أُمِر به [["معاني الزجاج" 2/ 44. لكن آخر كلام الزجاج: وعلى القتال النار.]].
والأظهر هذا القول؛ لاتصال الوعيد بذكر النهي عن الأمرين.
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ يقال: يسر الشيء فهو يسير، وهو ضد عسير [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 45.]]. ومعناه أنه قادر على المتوعد لا يتهيأ له الامتناع منه ولا الهرب عنه فيتعذر الإيقاع به [[انظر: "الطبري" 5/ 36.]].
31 - قوله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ الآية. الاجتناب والتجنّب والمجانبة المُباعدة عن الشيء وتركه جانبًا [[انظر: "اللسان" 2/ 692 (جنب).]]، قال:
وقالت تَجَنَّبنا ولا تَقْرَبنَّنا ... فَكَيف وأنتم حاجَتِي أَتَجَنَّبُ [[البيت ليزيد بن مفرغ الحميري في "ديوانه" ص 44، وبلا نسبة في "الأغاني" 18/ 278، و"الحماسة" 2/ 103، ومنسوبًا في "وفيات الأعيان" 6/ 352.]]
وسنذكر هذا ملخصًا عند قوله: ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ [النساء: 36] إن شاء الله.
واختلفوا في الكبائر ما هي؟ فروى عبد الله بن عمرو [[هو أبو محمد أو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي صحابي فاضل، أسلم قبل أبيه وكان عالمًا بالقرآن والكتب المتقدمة ومن كتاب رسول الله ﷺ ويعد من العبادلة الفقهاء، توفي -رحمه الله- سنة 65هـ.
انظر: "أسد الغابة" 2/ 348، "سير أعلام النبلاء" 3/ 80، "الإصابة" 2/ 351.]] أن رسول الله ﷺ قال: "الكبائر: الإشراك بالله، واليمين الغموس، وعقوق الوالدين، وقتال النفس" [[أخرجه البخاري (6675) كتاب الإيمان والنذور، باب: اليمين الغموس.]].
وروى أبو هريرة عنه ﷺ أنه قال: "الكبائر أولهن الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم بِدارًا أن يكبَروا، وفرارٌ يوم الزحف، ورمي المحصنة، والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة" [[أخرجه بمعناه البخاري (2766) كتاب الوصايا، باب: 23 قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ 3/ 195، ومسلم (89) كتاب الإيمان، باب: == بيان الكبائر 1/ 92 (ح 145). وأخرجه بهذا اللفظ الثعلبي -شيخ المؤلف- في "الكشف والبيان" 4/ 44، 45.]].
وقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: كل شيء عُصِي اللهُ فيه فهو كبيرة، فمن عمل منها شيئًا فليستغفر الله، فإن الله لا يُخلّد في النار من هذه الأمة إلا راجعًا عن الإسلام، أو جاحد فريضة، أو مكذبًا بقدر [[أخرجه من أوله إلى قوله: فهو كبيرة الطبري 5/ 41. وقد ضعف هذا القول ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 66.]].
وقال في رواية علي بن أبي طلحة: هي كل ذنب ختمه الله عز وجل بنار، أو غصب، أو لعنة، أو عذاب [["تفسير ابن عباس" ص 144، وأخرجه ابن جرير 5/ 41.]].
وهذا قول الحسين [[هكذا والظاهر أن الصواب: الحسن. انظر: "زاد المسير" 2/ 66، وابن كثير 1/ 531.]] وسعيد بن جبير والضحاك. قالوا: كل مما جاء في القرآن مقرونًا بذكر الوعيد فهو كبير، نحو قتل النفس المحرمة، وقذف المحصنة، والربا، والزنا، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف [[أخرجه عن سعيد بن جبير والضحاك بمعناه دون التمثيل بقتل النفس وما بعده من الطبري 5/ 42، وانظر "زاد المسير" 2/ 62.]].
وروى السدي، عن أبي مالك، قال: ذكروا الكبائر عند عبد الله بن مسعود، فقال عبد الله بن مسعود: افتتحوا سورة النساء، فكل شيء نهى الله عنه حتى ثلاث وثلاثين آية [[في (أ): (أنه)؛ ولعله تصحيف، فهو مخالف للآثار الواردة.]] فهو كبيرة.
ثم قال: مصداق ذلك: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ الآية [[أخرجه من طريق السدي الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 45 أ، ب، وأخرجه من طرق أخرى بنحوه الطبري 5/ 37، وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد بلفظ قريب من هذا اللفظ. انظر "الدر المنثور" 2/ 260.]] وإلى هذا القول ذهب مقاتل [[انظر: "تفسير مقاتل" بن سليمان 1/ 369، "بحر العلوم" 1/ 349.]].
والصحيح أنه ليس لها حدّ يعرفه العباد وتتميّز به من الصغائر تميُّزَ إشارة، ولو عُرف ذلك لكانت الصغائر مباحة، ولكن الله تعالى يعلم ذلك وأخفاه عن العباد، ليجتهد كل أحد في اجتناب ما نهى عنه رجاء أن يكون مجتنب الكبائر. ونظير هذا في الشريعة إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات، وليلة القدر في ليالي رمضان، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة.
يؤكد هذا ما رُوي عن ابن جبير أنه قال: سأل رجل ابن عباس عن الكبائر أسبع هي؟ قال: هي إلى السّبعمائة أقرب، إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار [[أخرجه الطبري 5/ 41، وابن المنذر وابن أبي حاتم، انظر: "الدر المنثور" 2/ 261.]].
وقال السدي: الكبائر ما رآه الناس بينهم فاحشة قبيحة. وذهب في هذا إلى معنى اللفظ، وذلك أن حقيقة الكبائر ما كَبُر وعظُم من الذنوب. قاله الزجاج [["معانى القرآن وإعرابه" 2/ 45.]].
وقوله تعالى: ﴿نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾. السيئات المكفّرة باجتناب الكبائر هي ما دون الكبائر، والمعاصي مما يجتمع في عمله أهل الصلاح وأهل الفسق، مثل النظرة والكذبة واللمسة والقُبلة، وأشباه ذلك. وهذه تقع مكفّرةً بالصلوات الخمس، فقد قال ﷺ: "الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت [[في (أ): (ما اجتنب).]] الكبائر" [[هذه الكلمة ليست في (د).]] [[أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر" (233) كتاب الطهارة، باب: 5 الصلوات الخمس.]].
وقوله تعالى: ﴿وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾. وقرئ (مَدخلا) [[هذه القراءة لأبي جعفر ونافع. انظر: "الحجة" 3/ 153، "المبسوط" ص 156، "النشر" 2/ 249.]] بفتح الميم. وهو بعد قوله: ﴿وَنُدْخِلْكُمْ﴾ محتمل أمرين: أحدهما: أن يكون مصدرًا وتضمر له فعلًا دلّ عليه الفعل المذكور، وانتصابه بذلك الفعل المضمر. والتقدير: وندخلكم فتدخلون مَدْخَلًا.
والثاني: أن يكون مكانًا، كأنه قال: وندخلكم مكانًا. وهو على هذا التقدير منتصب بهذا الفعل المذكور [[الوجهان لهذه القراءة من "الحجة" 3/ 153، 154 بتصرف.]].
ومن قرأ بضم الميم جاز أن يكون مكانًا، وأن يكون مصدرًا، فإن جعلته مصدرًا جاز أن تريد مفعولًا محذوفًا من الكلام، كأنه: وندخلكم الجنة مدخلًا كريمًا، أي إدخالًا كريمًا [[انظر: "الحجة" 3/ 154.]].
والأشبه على القراءتين أن يكون مكانًا؛ لأن المفسرين قالوا في قوله: ﴿مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾: هو الجنة [[انظر: "الطبري" 5/ 45 - 46]]، ولأنا رأينا المكان وصف بالكريم، وهو قوله: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [الدخان: 26]، فوصف المكان بالكريم، فكذلك يكون قوله: ﴿مُدْخَلًا﴾ يراد به المكان مثل المقام.
ويجوز أن يكون المراد به الدخول أو الإدخال؛ فإن [[في "الحجة" 3/ 154 - والكلام من قوله: والأشبه- له وجاء هذا الحرف (وإن) وهو أصوب.]] كان قد وصف بالكريم، ويكون المعنى: دخولًا تكرمون فيه، خلاف من قيل فيهم: ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ﴾ [الفرقان: 34] الآية [[انتهى من "الحجة" 3/ 154.]].
ومعنى الكريم: الشريف الفاضل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الحجرات: 13] أي أفضلكم، وقال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70] أي شرفناهم وفضلناهم، ومنه قوله: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ [الإسراء: 62] أي فضلت. وزدنا بيانًا لمعنى الكريم في سورة الأنفال، عند قوله: ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: 4].
{"ayah":"وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ عُدۡوَ ٰنࣰا وَظُلۡمࣰا فَسَوۡفَ نُصۡلِیهِ نَارࣰاۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق