الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوانًا وظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا وكانَ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ . واعْلَمْ أنَّ فِيهِ مَسائِلَ: المَسْألَةُ الأُولى: اخْتَلَفُوا في أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ إلى ماذا يَعُودُ ؟ عَلى وُجُوهٍ: الأوَّلُ: قالَ عَطاءٌ: إنَّهُ خاصٌّ في قَتْلِ النَّفْسِ المُحَرَّمَةِ؛ لِأنَّ الضَّمِيرَ يَجِبُ عَوْدُهُ إلى أقْرَبِ المَذْكُوراتِ. الثّانِي: قالَ الزَّجّاجُ: إنَّهُ عائِدٌ إلى قَتْلِ النَّفْسِ وأكْلِ المالِ بِالباطِلِ؛ لِأنَّهُما مَذْكُورانِ في آيَةٍ واحِدَةٍ. والثّالِثُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّهُ عائِدٌ إلى كُلِّ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هَذا المَوْضِعِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: إنَّما قالَ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوانًا﴾؛ لِأنَّ في جُمْلَةِ ما تَقَدَّمَ قَتْلَ البَعْضِ لِلْبَعْضِ، وقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ حَقًّا كالقَوَدِ، وفي جُمْلَةِ ما تَقَدَّمَ أخْذُ المالِ، وقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ حَقًّا كَما في الدِّيَةِ وغَيْرِها؛ فَلِهَذا السَّبَبِ شَرَطَهُ تَعالى في ذَلِكَ الوَعِيدِ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: هَذِهِ الآيَةُ دالَّةٌ عَلى القَطْعِ بِوَعِيدِ أهْلِ الصَّلاةِ. قالُوا: وقَوْلُهُ: ﴿فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نارًا﴾ وإنْ كانَ لا يَدُلُّ عَلى التَّخْلِيدِ إلّا أنَّ كُلَّ مَن قَطَعَ بِوَعِيدِ الفُسّاقِ قالَ بِتَخْلِيدِهِمْ، فَيَلْزَمُ مِن ثُبُوتِ أحَدِهِما ثُبُوتُ الآخَرِ؛ لِأنَّهُ لا قائِلَ بِالفَرْقِ. والجَوابُ عَنْهُ بِالِاسْتِقْصاءِ قَدْ تَقَدَّمَ في مَواضِعَ، إلّا أنَّ الَّذِي نَقُولُهُ هَهُنا: إنَّ هَذا مُخْتَصٌّ بِالكُفّارِ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوانًا وظُلْمًا﴾ ولا بُدَّ مِنَ الفَرْقِ بَيْنَ العُدْوانِ وبَيْنَ الظُّلْمِ دَفْعًا لِلتَّكْرِيرِ، فَيُحْمَلُ الظُّلْمُ عَلى ما إذا كانَ قَصْدُهُ التَّعَدِّي عَلى تَكالِيفِ اللَّهِ، ولا شَكَّ أنَّ مَن كانَ كَذَلِكَ كانَ كافِرًا، لا يُقالُ: ألَيْسَ أنَّهُ وصَفَهم بِالإيمانِ، فَقالَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: المُرادُ بِهِمُ الكُفّارُ ؟ لِأنّا نَقُولُ: مَذْهَبُكم أنَّ مَن دَخَلَ تَحْتَ هَذا الوَعِيدِ لا يَكُونُ مُؤْمِنًا البَتَّةَ، فَلا بُدَّ عَلى هَذا المَذْهَبِ أنْ تَقُولُوا: إنَّهم كانُوا مُؤْمِنِينَ، ثُمَّ لَمّا أتَوْا بِهَذِهِ الأفْعالِ ما بَقُوا عَلى وصْفِ الإيمانِ، فَإذا كانَ لا بُدَّ لَكم مِنَ القَوْلِ بِهَذا الكَلامِ، فَلِمَ لا يَصِحُّ هَذا الكَلامُ مِنّا أيْضًا في تَقْرِيرِ ما قُلْناهُ ؟ واللَّهُ أعْلَمُ. (p-٦٠)ثُمَّ إنَّهُ تَعالى خَتَمَ الآيَةَ فَقالَ: ﴿وكانَ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ . واعْلَمْ أنَّ جَمِيعَ المُمْكِناتِ بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَةِ اللَّهِ عَلى السَّوِيَّةِ، وحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ أنْ يُقالَ: إنَّ بَعْضَ الأفْعالِ أيْسَرُ عَلَيْهِ مِن بَعْضٍ، بَلْ هَذا الخِطابُ نَزَلَ عَلى القَوْلِ المُتَعارَفِ فِيما بَيْنَنا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهُوَ أهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الرُّومِ: ٢٧] أوْ يَكُونُ مَعْناهُ المُبالَغَةَ في التَّهْدِيدِ، وهو أنَّ أحَدًا لا يَقْدِرُ عَلى الهَرَبِ مِنهُ ولا عَلى الِامْتِناعِ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب