الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ الآية. اختلفت النحوية [[هكذا في (أ)، (د). ومراده النُّحاة.]] في وجه اللام في قوله: ﴿لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾. فقال الفراء: العرب تجعل اللام التي بمعنى (كي) في موضع (أن) في: أردت وأمرت، فتقول: أردت أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم. قال الله: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 71]، وقال في موضع آخر: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام: 14]، وقال: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا﴾ [الصف: 8]، و ﴿أَنْ يُطْفِئُوا﴾ [التوبة: 32]. وإنما صلحت اللام في موضع أن في: أمرت وأردت؛ لأنهما يطلبان المستقبل، ولا يصلحان مع الماضي، ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح: أمرتك أن قمت. (وكذلك: أردت أن تقوم، ولا يصلح: أردت أن قمت) [[ما بين القوسين ليس في "معاني القرآن" المطبوع لديّ، فقد يكون ساقطًا منه، وهذا يدل على أهمية "البسيط" في تكميل لبعض الناقص من المصادر المتقدمة.]]. فلما رأوا (أن) في غير هذين تكون للماضي وللمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكَي وباللام التي على [[في "معاني الفراء" 1/ 262 بدل على: في.]] معنى كي، (وربما جمعوا بين اللام وكي) [[ما بين القوسين ليس في "معاني الفراء" المطبوع لديّ.]] وربما جمعوا بين ثلاثتهن، وأنشد [[عند الفراء: وأنشدني أبو ثروان.]]: أردت لكيما لَا ترى لي عَثرة ... ومن ذا [[في (أ)، (د): (ذى).]] الذي يُعطى الكَمال فيكمُلُ [[ينظر: "همع الهوامع" 2/ 371، و"خزانة الأدب" 8/ 486، و"اللسان" (أثل)، و"الأمالي" 2/ 46.]] فجمع بين اللام و (بين) [[ليس في (د).]] كي. وقال الله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد: 23]. وقال الآخر [[في (أ)، (د) الآ، فقد يكون سقط آخر الكلمة سهوًا من الناسخ.]] في الجمع بينهن: أردتَ لِكَيمَا أنْ تَطِير بِقِربتي ... فتتركُها شنًّا ببَيْداءَ بَلْقَعِ [[البيت غير منسوب في الطبري 5/ 27، "الإنصاف" للأنباري ص 466. وجاء في حاشيته: .. وشنًا: أي يابسة متخرقة، والبيداء: الصحراء التي يبيد سالكها. أي يهلك، والبلقع الخالية. والشاهد منه أن الشاعر أظهر أن بعد: كي.]] وإنما جمعوا بينهما [[في "معاني الفراء" (بينهن) بالجمع، وكذلك بقية الضمائر.]] لاتفاقهما في المعنى، واختلاف لفظهما [["معاني الفراء" 1/ 261، 262، وانظر: "تفسير الطبري" 5/ 26 - 28، "معاني الزجاج" 2/ 32، 43،، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 409، "الكشف والبيان" 4/ 40 ب.]]. وأنكر الزجاج أن تقع اللام في معنى (أن)، واستشهد على ذلك بقول الشاعر: أردت لِكَيما يعلمُ الناس أنها ... سراويل سعدٍ [[في "معاني الزجاج" 2/ 43: قيس بدل: سعد، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 409. وهو الصواب كما سيأتي في الكلام على البيت.]] والوُفود شْهوُد [[البيت لقيس بن سعد بن عُبادة في قصةٍ أوردها المُبَرِّد في "الكامل" 2/ 152. خلاصتها: أن ملك الروم بعث رجلًا طويلا إلى معاوية - رضي الله عنه - يتحداه أن يجد أطول منه، وكان قيس بن سعد آيةً في الطول، فبعث إليه معاوية، فلما حضر وعلم الخبر خلع سراويله وأمر الرومي بلبسها فبلغت ثندوته، فخجل الرومي وضحك القوم، لكن قيسًا ليم على ذلك، فقال أبياتًا هذا مطلعها.]] فلو كانت بمعنى أن لم تدخل على كي، كما لا يدخل عليها أن. (ومذهب سيبويه وأصحابه أن اللام فى خلت في هذا وأشباهه على تقدير المصدر، أي: الإرادة للبيان) [[ما بين القوسين ليس في "معاني الزجاج".]]، كما قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: 43]، أي: إن كانت عبارتكم للرؤيا، وكذلك قوله: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: 154] أي: الذين هم رهبتهم لربهم [[انتهى من "معاني الزجاج" 2/ 43 بتصرف.]]. وأنشدوا لكُثَيّر: أُريد لأنّسى ذِكرَها فكأنما ... تَخَيَّل لي ليلى بكل سبيلِ [["ديوانه" ص 108، "المحتسب" 2/ 32، والبيت غير منسوب في "الكشف والبيان" 4/ 41 أ.]] أي: إرادتي لهذا. فأما التفسير، فقال ابن عباس: يريد الله ليبين لكم ما يبعدكم منه ويقربكم إلى طاعته [[لم أقف عليه، وقد ذكر الثعلبي معناه عن عطاء. انظر: "الكشف والبيان" 4/ 41 أ، "معالم التنزيل" 2/ 198.]]. وقال الكلبي: يريد الله ليبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير لكم [[من "الكشف والبيان"4/ 41 أ، وانظر: "بحر العلوم" 1/ 348، "معالم التنزيل" 2/ 198، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 82]]. وقال غيره: يريد الله أن يبين لكم شرائع دينكم ومصالح أمركم [[قال ذلك الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 41 أ، لكن فيه: أموركم بدل: أمركم.]]. وقوله تعالى: ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾. قال ابن عباس: يريد دين إبراهيم وإسماعيل، دين الحنيفية [[لم أقف عليه]]. وقال الزجاج: أي: يدلكم على طاعته، كما دل الأنبياء والذين اتبعوهم من قبلكم [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 43.]]. وقال مقاتل [[هو مقاتل بن حيان كما في "الدر المنثور" 2/ 256.]]: ويهديكم سنن الذين من قبلكم من تحريم الأمهات والبنات وكذلك كانت سنّة الذين من قبلكم [[ذكره بمعناه السمرقندي في "بحر العلوم" 1/ 348، وأورده السيوطي بلفظه في "الدر المنثور" 2/ 256، وعزاه لابن أبي حاتم في تفسيره، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 41 أ.]]. وقال الكلبي: يقول: هكذا حرمت على مَن كان قبلكم من أهل التوراة، والإنجيل، و (الزبور) [[في (أ) كأنها: (الربيون).]]، وسائر الكتب [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص82.]]. فالبيان على قول هذين خاص في المحرمات وإن عم اللفظ؛ لأن الشرائع مختلفة. وقوله تعالى: ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾. قال ابن عباس: حتى لا تعرفوا غيره ولا تدعوا معه إلهًا آخر [[لم أقف عليه. وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 82]]. وبيان هذا المعنى ما قاله محمد بن جرير: يعني: يرجع بكم من معصيته التي كنتم عليها [[في (أ): (عليه).]] قبل هذا إلى طاعته التي أمركم بها. وإذا فعل بهم ذلك لم يعرفوا غيره إلهًا [[انتهى من "تفسير الطبري" 5/ 27 بمعناه.]]. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما يُصلحكم في تدبيره فيكم [[انظر: الطبري 5/ 27، "الكشف والبيان" 4/ 41 ب.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب