قوله تعالى: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ} : في مثلِ هذا التركيبِ للناسِ مذاهبُ: مذهب البصريين أن مفعول «يريد» محذوف تقديره: يريد الله تحريمَ ما حَرَّمَ وتحليلَ ما حَلَّل وتشريعَ ماتقدَّم لأجلِ التبيين لكم، ونَسَبه بعضُهم لسيبويه، فمتعلَّقُ الإِرادة غيرُ التبيين وما عُطِف عليه، وإنما تأولوه بذلك لئلا يلزَم تعدِّيَ الفعلِ إلى مفعولِه المتأخر عنه باللام وهو ممتنعٌ، وإلى إضمارِ «أَنْ» بعد اللام الزائدة.
والمذهب الثاني: ويعزى أيضاً لبعض البصريين أَنْ يُقَدَّر الفعلُ الذي قبل اللام بمصدرِ في محل رفع بالابتداء، والجار بعده خبره، فيقدر {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ} إرادةُ الله للتبيين، وقوله:
1575 - أريدُ لأنْسَى ذِكْرَها. . . . . . . . ... أي: إرادتي، وقوله تعالى: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} أي: أُمِرْنا بما أُمِرْنا [به] لنسلمَ، وفي هذا القولِ تأويلُ الفعل بمصدر من غير حرف مصدر، وهو ضعيف نحو: «تَسْمَعُ بالمُعَيْدَيِّ خيرٌ مِنْ تراه» قالوا: تقديره: «أنّْ تسمعَ» فلمَّا حَذَفَ «أن» رَفَع الفعل، وهو في تأويل المصدر لأجل الحرف المقدر فكذلك هذا، فلامُ الجر على الأول في محل نصب لتعلُّقها ب «يريد» وعلى هذا الثاني في محلِّ رفع لوقوعها خبراً.
الثالث: وهو مذهب الكوفيين أن اللامَ هي الناصبة بنفسها من غير إضمار «أَنْ» ، وهي وما بعدها مفعول الإِرادة، ومنع البصريون ذلك؛ لأن اللامَ ثَبَت لها الجر في الأسماء، فلا يجوز أن يُنْصَبَ بها، فالنصب عندهم بإضمار «أن» كما تقدم.
الرابع: وإليه ذهب الزمخشري وأبو البقاء أن اللامَ زائدة، و «أَنْ» مضمرة بعدها، والتبيينُ مفعولُ الإِرادة. قال الزمخشري: {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ} يريد اللهُ أن يبيِّن، فزيدت اللامُ مؤكدة لإِرادة التبيين، كما زيدت في «لا أبا لك» لتأكيد إضافة الأب «. وهذا كما رأيت خارجٌ عن أقوال البصريين والكوفيين، وفيه أنَّ» أنْ «تضمر بعد اللام الزائدة، وهي لا تُضْمر فيما نص النحويون بعد لامٍ وتلك اللامُ للتعليل أو للجحود.
وقال بعضهم: اللامُ هنا لام العاقبة كهي في قوله: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [القصص: 8] ، ولم يَذْكُر مفعولَ التبيين، بل حَذَفه للعلم به، فقدَّره بعضهم:» ليبين لكم ما يقرِّبكم «، وبعضُهم:» أن الصبر عن نكاح الأماء خيرٌ «، وبعضُهم:» ما فَصَّل من الشرائع «، وبعضهم:» أمرَ دينكم «وهي متقاربة.
ويجوز في الآية وجهٌ آخرُ حسنٌ: وهو أَنْ تكونَ المسألةُ من باب الإِعمال: تنازع» يبيِّن «و» يَهْدي «في {سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ} ؛ لأنَّ كلاً منهما يَطْلبه من جهة المعنى، وتكونُ المسألة من إعمال الثاني، وحَذَفَ الضميرَ من الأول تقديرُه: ليبيِّنهَا لكم ويهديَكم سنن الذين من قبلكم، والسُّنَّة: الطريقة، ويؤيد هذا أن المفسرين نقلوا أنَّ كل ما بَيَّن لنا تحريمَه وتحليلَه من النساء في الآيات المتقدمة فقد كان الحكمُ كذلك أيضاً في الأمم السالفة، أو أنه بَيَّن لكم المصالحَ؛ لأنَّ الشرائعَ وإنْ كانت مختلفةً في نفسِها إلا أنها متفقةٌ في المصلحة.
{"ayah":"یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُبَیِّنَ لَكُمۡ وَیَهۡدِیَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَیَتُوبَ عَلَیۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ"}