الباحث القرآني

* قال المؤلف في (دفع إيهام الإضطراب عن آيات الكتاب): قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكم ويَهْدِيَكم سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ . هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ بِظاهِرِها عَلى أنَّ شَرْعَ مَن قَبْلَنا شَرْعٌ لَنا، ونَظِيرُها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [ ٦ ] . وَقَدْ جاءَتْ آيَةٌ أُخْرى تَدُلُّ عَلى خِلافِ ذَلِكَ هي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ الآيَةَ [المائدة: ٤٨]، ووَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اخْتِلافًا مُبِينًا عَلى الِاخْتِلافِ في حُكْمِ هَذِهِ المَسْألَةِ. فَجُمْهُورُ العُلَماءِ عَلى أنَّ شَرْعَ مَن قَبْلَنا إنْ ثَبَتَ بِشَرْعِنا فَهو شَرْعٌ لَنا ما لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ مِن شَرْعِنا عَلى نَسْخِهِ، لِأنَّهُ ما ذُكِرَ لَنا في شَرْعِنا إلّا لِأجْلِ الِاعْتِبارِ والعَمَلِ، وعَلى هَذا القَوْلِ فَوَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ الآيَتَيْنِ أنَّ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ أنَّ شَرائِعَ الرُّسُلِ رُبَّما يُنْسَخُ في بَعْضِها حُكْمٌ كانَ في غَيْرِها أوْ يُزادُ في بَعْضِها حُكْمٌ لَمْ يَكُنْ في غَيْرِها. (p-٢٥٢)فالشِّرْعَةُ إذَنْ إمّا بِزِيادَةِ أحْكامٍ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً قَبْلُ وإمّا بِنَسْخِ شَيْءٍ كانَ مَشْرُوعًا قَبْلُ، فَتَكُونُ الآيَةُ لا دَلِيلَ فِيها عَلى أنَّ ما ثَبَتَ بِشَرْعِنا أنَّهُ كانَ شَرْعًا لِمَن قَبْلَنا، ولَمْ يُنْسَخْ أنَّهُ لَيْسَ مِن شَرْعِنا لِأنَّ زِيادَةَ ما لَمْ يَكُنْ قَبْلُ أوْ نَسْخَ ما كانَ مِن قَبْلُ كِلاهُما لَيْسَ مِن مَحَلِّ النِّزاعِ. وَأمّا عَلى قَوْلِ الشّافِعِيِّ ومَن وافَقَهُ: أنَّ شَرْعَ مَن قَبْلَنا لَيْسَ شَرْعًا لَنا إلّا بِنَصٍّ مِن شَرْعِنا أنَّهُ مَشْرُوعٌ لَنا. فَوَجْهُ الجَمْعِ أنَّ المُرادَ بِسُنَنِ مَن قَبْلَنا وبِالهُدى في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ﴾ أُصُولُ الدِّينِ الَّتِي هي التَّوْحِيدُ لا الفُرُوعُ العِلْمِيَّةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ الآيَةَ. وَلَكِنَّ هَذا الجَمْعَ الَّذِي ذَهَبَتْ إلَيْهِ الشّافِعِيَّةُ يَرُدُّ عَلَيْهِ ما رَواهُ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ في تَفْسِيرِ سُورَةِ ”ص“ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ «سَألَ ابْنَ عَبّاسٍ: مِن أيْنَ أخَذْتَ السَّجْدَةَ في ”ص“ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ﴾ [الأنعام: ٨٤]، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ فَسَجَدَها داوُدُ فَسَجَدَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»، ومَعْلُومٌ أنَّ سُجُودَ التِّلاوَةِ مِنَ الفُرُوعِ لا مِنَ الأُصُولِ، وقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَها اقْتِداءٍ بِداوُدَ، وقَدْ بَيَّنْتُ هَذِهِ المَسْألَةَ بَيانًا شافِيًا في رِحْلَتِي، فَلِذَلِكَ اخْتَصَرْتُها هُنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب