الباحث القرآني

قوله: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ قال قتادة ومقاتل: (لكن) ههنا بمعنى: استدراك، والاستثناء لمؤمني أهل الكتاب [[أخرجه عن قتادة عبد بن حميد وابن المنذر، انظر: "الدر المنثور" 2/ 434، و"تفسير مقاتل" 1/ 422.]]. قال ابن عباس: يعني: المبالغين [[هكذا في المخطوط، وقد يكون الصواب: "البالغين".]] في علم الكتاب منهم. يريد عبد الله ابن سلام [[تقدمت ترجمته.]] وعدة نفر [[انظر: "زاد المسير" 2/ 250، 251، وابن كثير 1/ 646، و"تنوير المقباس" == بهامش المصحف ص 103، و"الدر المنثور" 2/ 434.]]. قال الزجاج: يعني: أنهم لعلمهم وثبوتهم وبصيرتهم في علمهم آمنوا بالنبي ﷺ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 130.]]. وقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ قال ابن عباس: والمؤمنون من أصحاب محمد عليه السلام [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 103.]]. وقوله تعالى: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ اختلفوا في وجه نصب المقيمين: فقال أبو زيد: هو نسق على الهاء والميم في (منهم)، المعنى: لكن الراسخون في العلم منهم ومن المقيمين [[انظر: "معاني الزجاج" 2/ 130، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 470، 471، و"الكشف والبيان" 4/ 143 أ.]]. قال الزجاج: وهذا عند النحويين رديء؛ لأنه لا يُنسق الظاهر المجرور على المضمر المجرور إلا في اضطرار [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 131.]]. وذهب بعضهم إلى أن هذا وهم من الكتاب. رُوي ذلك عن عائشة [[أخرج الأثر عنها: الطبري 6/ 25، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 143 أ.]] رضي الله عنها، وأبان [[هو أبو سعيد أو أبو عبد الله أبان بن عثمان بن عفان الأموي، من كبار الثقات التابعين. مات رحمه الله سنة 105هـ انظر: "تاريخ الثقات" 1/ 199، و"سير أعلام النبلاء" 4/ 351، و"التقريب" ص 87 رقم (141).]] بن عثمان [[أخرجه الطبري 6/ 25، وانظر: "الكشف والبيان" 4/ 143/ أ. ومثل هذا القول لا يثبت عن الصحابة، وقد رده المحققون من العلماء كما سيأتي قريبًا.]]. ورُوي أيضًا أنَّ عثمان قال: أرى في المصحف لحنًا، وستقيمه العرب بألسنتها [[لا يصح هذا الخبر عن عثمان، بل قال ابن تيمية: إنه باطل. انظر: "زاد المسير" 2/ 252، و"مجموع الفتاوى" 15/ 153، و"شرح شذور الذهب" ص 50.]]. وقال أبو حاتم والزجاج وغيرهما: وهذا القول بعيد، لأن الذين جمعوا القرآن من الصحابة كانوا أهل اللغة والقدوة، فكيف يتركون في كتاب الله شيئًا يصلحه غيرهم، وهم الذين أخذوه عن رسول الله ﷺ وجمعوه، ولم يكونوا ليُعلِّموه الناس على الغلط، فهذا مما لا ينبغي أن يُنسب إليهم، والقرآن محكم لا لحن فيه، ولا فيه شيء تتكلم العرب بأجود منه في الإعراب [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 131.]]. ولسيبويه والخليل وجميع النحويين في هذا باب يسمونه: باب المدح، وقد بينوا فيه صحة هذا وجودته. قالوا: إذا قلت: مررت بزيد الكريم، فإن أردت أن تُخلِّص زيدًا من غيره، فالخفض وجه الكلام حتى يعرف زيد الكريمُ من غير الكريم، وإن أردت المدح والثناء نصبت، فقلت: الكريمَ، كأنك قلت: أذكُرُ الكريمَ، وإن شئت على: هو الكريمُ. وجاءني قومك المطعمين في المَحْل والمُغيثون في الشدائد، على معنى: أذكر المطعمينَ وهم المغيثون، وكذلك هذه الآية، معناها: أذكر المقيمين وهم المؤتون للزكاة [["معاني الزجاج" 2/ 131، 132، وانظر: "الكتاب" 1/ 201، 2/ 62 - 66، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 470 - 471.]]، وأنشدوا قول خرنق [[هي الخرنق بنت بدر بن هفان البكرية القيسية، من الشعراء في الجاهلية، وهي أخت لطِرفة بن العبد لأمه، وكانت زوجة عبد عمرو بن بشر سيد قومه، ولها == ديوان مطبوع. انظر: "الشعر والشعراء" ص (103)، و"الكامل" 3/ 40، و"الأعلام" 2/ 303، ومقدمة ديوانها.]]: لا يَبْعَدن قومي الذين همُ ... سُمُّ العداة وآفةُ الجُزْرِ النازِلين بِكُلِّ مُعْتَركٍ ... والطيبونَ معاقِدَ الأزْرِ [["ديوانها" ص 43، و"الكتاب" 1/ 202، 2/ 64، و"مجاز القرآن" 1/ 143، و"الكامل" 3/ 40، و"معاني الزجاج" 2/ 132، و"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 407. ومعنى "لا يبعدن": لا يهلكن، والعداة: جمع عاد، و"آفة الجزر": الآفة العلة، والجزر جمع جزور، أي المكثرين لنحر الإبل. والمعترك: موضع القتال.]] على معنى: أُذكر النازلين وهم الطيبون، رفعه ونصبه على المدح، وبعضهم برفع النازلين وينصب الطيبين، وهذا قول جميع البصريين [["معاني الزجاج" 2/ 132.]]، وعلى هذا القول المؤرِّج والفراء [[لم أقف عليه.]] وأبو العباس [[لعله المبرد. انظر: "الكامل" 3/ 40.]]. وقد ذكرنا شرح هذا الباب عند قوله: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ﴾ [البقرة: 177] [[انظر: الكتاب 2/ 63 - 66.]]. وقال أبو علي: نص سيبويه على أن قوله: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاة﴾ نصب على المدح [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 470 - 471، و"الدر المصون" 4/ 154.]]. وكان الكسائي يذهب إلى أن (المقيمين) في محل الخفض بالعطف على ما في قوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: 162] والمعنى عنه: ويؤمنون بالمقيمين الصلاة، وتفاؤل في المقيمين الصلاة أنهم الأنبياء، وينكر أن يكون منصوبًا على المدح، قال: لأنه لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم يتم الكلام ههنا، ألا ترى أنك حين قلت ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ كأنك تنتظر الخبر، وخبره في قوله: ﴿أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾. وقول البصريين في هذا هو الصحيح الظاهر [[وهذا ما رجحه أيضًا النحاس في "إعراب القرآن" 1/ 470 - 471.]]، وقوله: إن الكلام لم يتم، إذ الخبر قوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ لا يصح، لأن الخبر إنما هو: ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ مع أنه قد يجوز الاعتراض بالمدح بين الاسم والخبر، كما يجوز الاعتراض بالقسم، لأنه في تقدير جملة تامة. قال الفراء: والعرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام في الناقص والتام واحد [[لم أقف عليه.]]. وذهب قطرب إلى أن المعنى: وما أنزل من قبلك ومن قبل المقيمين [[انظر: "البحر المحيط" 3/ 396، و"الدر المصون" 4/ 155.]]. وهذا القول في الفساد كقول أبي زيد.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب