الباحث القرآني
﴿لَكِنِ الرّاسِخُونَ في العِلْمِ مِنهُمْ﴾ اسْتِدْراكٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأعْتَدْنا﴾ إلَخْ وبَيانٌ لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ عَلى خِلافِ حالِهِمْ عاجِلًَا أوْ آجِلًَا أيْ: لَكِنِ الثّابِتُونَ في العِلْمِ مِنهُمُ المُتْقِنُونَ المُسْتَبْصِرُونَ فِيهِ غَيْرُ التّابِعِينَ لِلظَّنِّ كَأُولَئِكَ الجَهَلَةِ، والمُرادُ بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ وأصْحابُهُ.
﴿والمُؤْمِنُونَ﴾ أيْ: مِنهم، وُصِفُوا بِالإيمانِ بَعْدَ ما وُصِفُوا بِما يُوجِبُهُ مِنَ الرُّسُوخِ في العِلْمِ بِطَرِيقِ العَطْفِ المُنْبِئِ عَنِ المُغايَرَةِ بَيْنَ المَعْطُوفَيْنِ تَنْزِيلًَا لِلِاخْتِلافِ العُنْوانِيِّ مَنزِلَةَ الِاخْتِلافِ الذّاتِيِّ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ حالٌ مِنَ "المُؤْمِنُونَ" مُبَيِّنَةٌ لِكَيْفِيَّةِ إيمانِهِمْ. وقِيلَ: اعْتِراضٌ مُؤَكِّدٌ لِما قَبْلَهُ. وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ قِيلَ: نُصِبَ بِإضْمارِ (p-254)فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: وأعْنِي المُقِيمِينَ الصَّلاةَ عَلى أنَّ الجُمْلَةَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ المُبْتَدَإ والخَبَرِ. وقِيلَ: هو عَطْفٌ عَلى "ما أُنْزِلَ إلَيْكَ" عَلى أنَّ المُرادَ بِهِمُ: الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، أيْ: يُؤْمِنُونَ بِالكُتُبِ وبِالأنْبِياءِ أوِ المَلائِكَةِ. قالَمَكِّيُّ: أيْ: ويُؤْمِنُونَ بِالمَلائِكَةِ الَّذِينَ صِفَتُهم إقامَةُ الصَّلاةِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ . وقِيلَ: عَطْفٌ عَلى الكافِ في "إلَيْكَ" أيْ: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْهِ وإلى المُقِيمِينَ الصَّلاةَ، وقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى "المُؤْمِنُونَ" بِناءً عَلى ما مَرَّ مِن تَنْزِيلِ التَّغايُرِ العُنْوانِيِّ في مَنزِلَةِ التَّغايُرِ الذّاتِيِّ وكَذا الحالُ فِيما سَيَأْتِي مِنَ المَعْطُوفَيْنِ، فَإنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿والمُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ عَطْفٌ عَلى "المُؤْمِنُونَ" مَعَ اتِّحادِ الكُلِّ ذاتًَا وكَذا الكَلامُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ فَإنَّ المُرادَ بِالكُلِّ مُؤْمِنُو أهْلِ الكِتابِ، قَدْ وُصِفُوا أوَّلًَا بِكَوْنِهِمْ راسِخِينَ في عِلْمِ الكِتابِ إيذانًَا بِأنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْإيمانِ حَتْمًَا وأنَّ مَن عَداهم إنَّما بَقُوا مُصِرِّينَ عَلى الكُفْرِ لِعَدَمِ رُسُوخِهِمْ فِيهِ ثُمَّ بِكَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ بِجَمِيعِ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ عَلى الأنْبِياءِ ثُمَّ بِكَوْنِهِمْ عامِلِينَ بِما فِيها مِنَ الشَّرائِعِ والأحْكامِ واكْتُفِيَ مِن بَيْنِها بِذِكْرِ إقامَةِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ المُسْتَتْبِعَيْنِ لِسائِرِ العِباداتِ البَدَنِيَّةِ والمالِيَّةِ ثُمَّ بِكَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ بِالمَبْدَإ والمَعادِ تَحْقِيقًَا لِحِيازَتِهِمُ الإيمانَ بِقُطْرَيْهِ وإحاطَتِهِمْ بِهِ مِن طَرَفَيْهِ وتَعْرِيضًَا بِأنَّ مَن عَداهم مِن أهْلِ الكِتابِ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ بِواحِدٍ مِنهُما حَقِيقَةً فَإنَّهم بِقَوْلِهِمْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ سُبْحانَهُ وبِقَوْلِهِمْ: لَنْ تَمَسَّنا النّارُ إلّا أيّامًَا مَعْدُودَةً كافِرُونَ بِاليَوْمِ الآخِرِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلَيْهِمْ بِاعْتِبارِ اتِّصافِهِمْ بِما عُدِّدَ مِنَ الصِّفاتِ الجَمِيلَةِ وما فِيهِ مِن مَعْنى البُعْدِ لِلْإشْعارِ بِعُلُوِّ دَرَجَتِهِمْ وبُعْدِ مَنزِلَتِهِمْ في الفَضْلِ، وهو مُبْتَدَأٌ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَنُؤْتِيهِمْ أجْرًا عَظِيمًا﴾ خَبَرُهُ والجُمْلَةُ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَإ الَّذِي هو الرّاسِخُونَ وما عُطِفَ عَلَيْهِ، والسِّينُ لِتَأْكِيدِ الوَعْدِ وتَنْكِيرُ الأجْرِ لِلتَّفْخِيمِ وهَذا أنْسَبُ بِتَجاوُبِ طَرَفَيِ الاسْتِدْراكِ حَيْثُ أُوعِدَ الأوَّلُونَ بِالعَذابِ الألِيمِ ووُعِدَ الآخَرُونَ بِالأجْرِ العَظِيمِ كَأنَّهُ قِيلَ: إثْرَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَأعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنهم عَذابًا ألِيمًا﴾ " لَكِنِ المُؤْمِنُونَ مِنهم بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخَرِ سَنُؤْتِيهِمْ أجْرًا عَظِيمًا " وأمّا ما جَنَحَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ مِن جَعْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ إلَخْ خَبَرًَا لِلْمُبْتَدَإ فَفي كَمالِ السَّدادِ خَلا أنَّهُ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِتَقابُلِ الطَّرَفَيْنِ، وقُرِئَ "سَيُؤْتِيهِمْ" بِالياءِ مُراعاةً لِظاهِرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ .
//////////////////////////////
{"ayah":"لَّـٰكِنِ ٱلرَّ ٰسِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ یُؤۡمِنُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِیمِینَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَنُؤۡتِیهِمۡ أَجۡرًا عَظِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











