الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾. أي: تَمَنَّت [[انظر: "تفسير الطبري" 6/ 500، "مفردات ألفاظ القرآن" 860 (ودد).]]. وذكرنا الكلام فيه عند قوله: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُم﴾ [[سورة البقرة: 96. ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾.]] الآية [[(الآية): ساقطة من: (ج)، (د).]]. ﴿طَائِفَةٌ﴾؛ الطائفةُ، معناها في اللغة: القطعة من كل شيء. يقال: (طائفةٌ من الناس)، (وطائفة من الليل) [[انظر (مادة: طوف) في "تهذيب اللغة" 3/ 2154، "اللسان" 5/ 2722. قال الراغب: (والطائفة من الناس: جماعة منهم، ومن الشيء: القطعة منه .. وقال بعضهم: قد يقع ذلك على واحدٍ فصاعدا). "مفردات ألفاظ القرآن" 532 (طوف). وبيَّن ابن فارس (أن كل جماعة يمكن أن تحفَّ بشيء فهي عندهم طائفة. ولا يكاد هذا يكون إلا في اليسير ثم يتوسعون في ذلك من طريق المجاز، فيقولون: أخذتُ== طائفةً من الثوب؛ أي: قطعة منه. وهذا على معنى المجاز؛ لأن الطائفة من الناس، كالفرقة والقطعة منهم) "مقاييس اللغة" 3/ 433 (طوف).]]. قال بعض أهل اللغة: الطائفة: الفِرْقَة؛ سُمِّيَت بها لتصرفها في الإقبال والإدبار؛ كأنها تطوف [[لم أقف على من قال بهذا القول، ولكن معناه صحيح، قال ابن فارس: (الطاء والواو والفاء، أصلٌ واحدٌ صحيح، يدل على دوران الشيء على الشيء وأن يحفَّ به) ثم قال: (فأما الطائفة من الناس، فكأنها جماعة تطيف بالواحد أو بالشيء). "المقاييس" 3/ 432 (طرف).]]؛ كقولهم: (الإنسان [[في (ج)، (د): (للإنسان).]]، دَيُّور وديَّار)؛ لكثرة دورانه [[في (ب): (مداراته). وفي "اللسان" (.. وما بالدَّار دُوريٌّ ولا ديَّار، ولا دَيُّورٌ على إبدال الواو من الياء، أي: ما بها أحدٌ، لا يُستعمل إلا في النفي، وجمع الدَّيَّار، والدَّيُّور لو كُسِّرَ: دواويرُ) 3/ 1450 (دور). وانظر: "الزاهر" 1/ 366، "الصحاح" 2/ 660 (دور). ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [سورة نوح: 26]. وانظر: "تفسير أبي السعود" 9/ 41.]]. وقوله تعالى: ﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾. ولم يقل: أنْ يُضِلُّونكم، لأن (لو) [[في (ج): (أو).]] أوفق مع التمني [[في (ج): (المتمني).]]، فإنَّ [[في (ب): (وإن).]] قولك: (لو كان كذا)، تَمَنٍّ [منك] [[ما بين المعقوفين: زيادة من: (ج)، (د).]] تمنيته [[(تمنيته): ساقطة من: (ج)، (د).]] لِكَوْنِه [[انظر: "رصف المباني" 360، "الجنى الداني" 288.]]. ومثله: قوله: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ﴾ [البقرة: 96]، وقد مرَّ. والإضلال [[من قوله: (والإضلال ..) إلى (.. عن الطريق): نقله بنصه عن "تهذيب اللغة" 3/ 2128 (ضلل). وقال الطبري: (والإضلال في هذا الموضع: الإهلاك)، ولم يختلف المعنى؛ لأن الإهلاك من نتائج الإضلال ولوازمه. وقد بيَّن الطبري نفسه هذا الأمر فقال في نفس الصفحة: (.. لو يصدُّونكم أيها المؤمنون عن الإسلام، ويصدونكم عنه إلى ما هم عليه من الكفر، فيهلونكم بذلك). "تفسيره" 3/ 304. ولذا قال ابن عطية عن تفسير الطبري لهذه اللفظة بـ (الهلاك): (وهذا تفسير غير خاص باللفظة، وإنما اطَّرد له؛ لأن هذا الضلال في الآية اقترن به الهلاك، وأما أن تفسر لفظة الضلال بالهلاك فغير قويم). "المحرر الوجيز" 3/ 163.]] في كلام العرب ضد الهداية والإرشاد. يقال: (أضللتُ فلانا): إذا وجَّهته للضلال عن الطريق فلم ترشده. نزلت هذه الآية في نَفَرٍ من اليهود. قال ابن عباس [[لم أقف على مصدر هذه الرواية عنه. وقد أورد ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 404، وأبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 488 عن ابن عباس أنَّ المقصود بالطائفة هم اليهود حين دعوا معاذ بن جبل، وعمار بن ياسر إلى دينهم.]]: هم قُرَيظَة والنَّضير وبنو قَيْنُقاع؛ أرادوا أن يَسْتَنزِلوا [[في (د): (يستزلوا).]] المسلمين عن دينهم ويردوهم إلى الكفر [[قيل: إن المقصود بـ ﴿طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾: هم النصارى، وبه قال سفيان بن عيينة، فقد ورد عنه قوله: (كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب، فهو في النصارى). أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 671، وأورده السيوطي في " الدر" 2/ 239، وزاد في نسبته إلى ابن المنذر. ودفع هذا القول الشوكاني في "الفتح" 1/ 352، وقال: (ويدفع هذا أن كثيرًا من خطابات أهل الكتاب المذكورة في هذه السورة، لا يصح حملها على النصارى == البتة، ومن ذلك هذه الآيات)، ثم بين أن المقصود بالطائفة هم: اليهود خاصة. وقيل: هم اليهود كما سبق أن رُوي عن ابن عباس، وهو قول مقاتل في "تفسيره" 1/ 283. وذكر هذا القول بعض المفسرين دون عزو إلى قائل، ومنهم: البغوي في "تفسيره" 2/ 50، والواحدي في "أسباب النزول" (110). وقال أبو حيان: بأن عليه إجماع المفسرين. انظر: "البحر المحيط" 2/ 488. وعلى هذين القولين تكون ﴿مِّن﴾ في الآية تبعيضية. وقيل: هم اليهود والنصارى، ولفظ ﴿أَهْلِ الكِتَابِ﴾ يعمهم، وتكون حينها ﴿مِّن﴾ في الآية لبيان الجنس. وبه قال أبو سليمان الدمشقي، كما في "زاد المسير" 1/ 404. وإليه ذهب الطبري في "تفسيره" 3/ 304، والنحاس في "معاني القرآن" 1/ 419. ونقل ابن عطية عن مكي: أنهم يهود بني قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع، ونصارى نجران. انظر: "المحرر الوجيز" 3/ 164.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ [[إلى هنا انتهى ما وقفت عليه من نسخة (د).]] لأن المؤمنين لا يقبلون فولهم، وما يدعونهم إليه فيحصل عليهم الإثم بتمنيهم إضلال المؤمنين. وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أي: وما يعلمون أن هذا يضرهم، وما يضر المؤمنين.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب