الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ودَّتْ طائِفَةٌ مِن أهْلِ الكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكم وما يُضِلُّونَ إلّا أنْفُسَهم وما يَشْعُرُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ مِن طَرِيقَةِ أهْلِ الكِتابِ العُدُولَ عَنِ الحَقِّ والإعْراضَ عَنْ قَبُولِ الحُجَّةِ، بَيَّنَ أنَّهم لا يَقْتَصِرُونَ عَلى هَذا القَدْرِ، بَلْ يَجْتَهِدُونَ في إضْلالِ مَن آمَنَ بِالرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِإلْقاءِ الشُّبُهاتِ كَقَوْلِهِمْ: إنَّ مُحَمَّدًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُقِرٌّ بِمُوسى وعِيسى ويَدَّعِي لِنَفْسِهِ النُّبُوَّةَ، وأيْضًا إنَّ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - أخْبَرَ في التَّوْراةِ بِأنَّ شَرْعَهُ لا يَزُولُ، وأيْضًا القَوْلُ بِالنَّسْخِ يُفْضِي إلى البَداءِ، والغَرَضُ مِنهُ تَنْبِيهُ المُؤْمِنِينَ عَلى أنْ لا يَغْتَرُّوا بِكَلامِ اليَهُودِ، ونَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿ودَّ كَثِيرٌ مِن أهْلِ الكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكم مِن بَعْدِ إيمانِكم كُفّارًا حَسَدًا مِن عِنْدِ أنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ١٠٩]، وقَوْلُهُ ﴿ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً﴾ [النساء: ٨٩] . واعْلَمْ أنَّ ”مِن“ هاهُنا لِلتَّبْعِيضِ وإنَّما ذَكَرَ بَعْضَهم ولَمْ يَعُمَّهم؛ لِأنَّ مِنهم مَن آمَنَ، وأثْنى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ ﴿مِنهم أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ﴾ [المائدة: ٦٦]، ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ [آل عمران: ١١٣]، وقِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في مُعاذٍ وعَمّارِ بْنِ ياسِرٍ وحُذَيْفَةَ دَعاهُمُ اليَهُودُ إلى دِينِهِمْ، وإنَّما قالَ: ﴿لَوْ يُضِلُّونَكُمْ﴾ ولَمْ يَقُلْ أنْ يُضِلُّوكم؛ لِأنَّ ”لَوْ“ لِلتَّمَنِّي فَإنَّ قَوْلَكَ: لَوْ كانَ كَذا يُفِيدُ التَّمَنِّيَ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوَدُّ أحَدُهم لَوْ يُعَمَّرُ ألْفَ سَنَةٍ﴾ [البقرة: ٩٦] . * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما يُضِلُّونَ إلّا أنْفُسَهُمْ﴾ وهو يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنها: إهْلاكُهم أنْفُسَهم بِاسْتِحْقاقِ العِقابِ عَلى قَصْدِهِمْ إضْلالَ الغَيْرِ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وما ظَلَمُونا ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: ٥٧]، وقَوْلِهِ: ﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] ﴿لِيَحْمِلُوا أوْزارَهم كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ ومِن أوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهم بِغَيْرِ عِلْمٍ ألا ساءَ ما يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥]، ومِنها إخْراجُهم أنْفُسَهم عَنْ مَعْرِفَةِ الهُدى والحَقِّ لِأنَّ الذّاهِبَ عَنِ الِاهْتِداءِ يُوصَفُ بِأنَّهُ ضالٌّ، ومِنها أنَّهم لَمّا اجْتَهَدُوا في إضْلالِ المُؤْمِنِينَ ثُمَّ إنَّ المُؤْمِنِينَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِمْ فَهم قَدْ صارُوا خائِبِينَ خاسِرِينَ حَيْثُ اعْتَقَدُوا شَيْئًا ولاحَ لَهم أنَّ الأمْرَ بِخِلافِ ما تَصَوَّرُوهُ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما يَشْعُرُونَ﴾ أيْ وما يَعْلَمُونَ أنَّ هَذا يَضُرُّهم ولا يَضُرُّ المُؤْمِنِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب