الباحث القرآني
و [[الواو: زيادة من (د).]] قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [[(كمثل آدم): ليست في (ب)، (د).]] الآية.
نزلت في وَفْدِ نجران، حين قالوا للنبي ﷺ: (وهل رأيت ولدًا من غير ذكرٍ؟)؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية [[ورد هذا السبب بألفاظ مختلفة في "تفسير الطبري" 3/ 295، 471، يرويه عن قتادة، والسدِّي، وابن زيد، ولفظه عن قتادة: (ذُكِر لنا أن سيِّديْ أهل نجران وأسْقُفَّيهم: السيد، والعاقب، لقيا نبي الله ﷺ فسألاه عن عيسى، فقالا: كل آدمي له أب، فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله عز وجل فيه الآية (إنَّ مثل عيسى ..). وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 66 وزاد في نسبته إلى عبد بن حميد. ووردت روايات أخرى من طرق أخرى في سبب نزول هذه الآية، قريبة من السابقة، انظرها في "تفسير الطبري" 6/ 468 - 471، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 665، "أسباب النزول" للواحدي: 99، "لباب النقول" للسيوطي 52، "الدر المنثور" 2/ 67.]]. وقد ذكرنا معنى (المَثَل) فيما تقدم [[انظر: "تفسير البسيط" [البقرة: 26] تحقيق د. الفوزان.]]، وأن المراد به بيان أنَّ سبيلَ الثاني سبيلُ الأول.
فالله تعالى قد ذكر في القرآن قصَّهَ آدَمَ، وإنشاءه إيَّاه من غير والدٍ، ثم دلَّ في هذه الآية على أنَّ سبيلَ الثاني [[(الثاني): ساقطة من: (ج).]] وهو عيسى، في إنشائِه، وخَلْقِهِ من غير ذَكَرٍ سبيلُ الأول، وهو آدَم.
وفي هذه الآية حجةٌ على من أنكر القياس؛ لأن الله تعالى احتجَّ فيها على المشركين، ولا يجوز أن يدلَّهم إلاَّ بما فيه دليلٌ. فقياس [[في (ب): (فيقاس).]] خَلْقِ عيسى من غير ذَكَرٍ، كقياسِ خَلْقِ آدم، بل الشأن فيه أعجب؛ لأنه خُلِقَ من غير ذَكَرٍ ولا أنثى.
وقوله تعالى: ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾. أي: في الخَلْق والإنشاء. خَلَقَ عيسى من غير أب، كما خَلَقَ آدمَ من غير أبٍ ولا أُمٍ. وتمَّ الكلام عند قوله: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [[ممن قال بأن الوقف تامٌّ: يعقوب، وقال أبو بكر بن الأنباري: إن الوقف هنا: حسنٌ، وليس بتامٍّ ولا كافٍ. انظر كتاب "إيضاح الوقف والابتداء" لابن الأنباري: 2/ 578، "القطع والائتناف" للنحاس 226، "منار الهدى" للأشموني: 63.]]، وهو جملةُ تامَّةٌ، وتشبيهٌ كاملٌ. ولو اقتصر عليه حصل المراد. قال: ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾ وهذا ليس بِصِلَه لـ ﴿آدَمَ﴾، ولا صِفَةٍ، لأن الصلة للمبهمات [[لأن (آدم) معرفة، والمعارف لا تُوصل، وإنما الصلات للنكرات. انظر: "معاني القرآن" للفراء: 1/ 219، "تفسير الطبري" 3/ 296.]]، والصفة للنكرات [[لأن الجُمَل بعد النكرات صفات، و (آدم) مَعْرِفة، ولذا لا تكون الجملة بعده صفة له، لأن الجمل لا تكون إلا نكرة، فلا توصف بها معرفة.]]، ولكنَّهُ خبرٌ مستأنَفٌ على جهة التفسير لحال آدم [[أي: إنها جملة مفسرة لوجه التشبيه، فلا وجه لها من الإعراب، وهذا الوجه هو الأظهر.
وقيل: إنها في محل نصب على الحال من (آدم)، مع تقدير (قَدْ) معها لتقربه من الحال؛ لأن الفعل الماضي لا تصل بالأعلام إلا إذا أضمر معه (قَدْ)، والعامل فيها معنى التشبيه. وقال أبو البركات بن الأنباري في كتابه "البيان": إنها جملة مفسرة للمَثَلِ، وهي في موضع رفع؛ لأنها خبر لمبتدأ محذوفٍ؛ كأنه قيل: ما == المثل؟ فقال: خلقه من تراب. أي: المَثَلُ خلَقَهُ من تراب ..). انظر: "معاني القرآن" للفراء: 1/ 219، "تفسير الطبري" 3/ 296، "البيان" للأنباري: 1/ 206، "الدر المصون" 3/ 218، "منار الهدى" 63.]].
قال الزجَّاج [[في "معاني القرآن" له: 1/ 422، نقله عنه بتصرف يسير. والزجَّاج هنا يوضح كيف كانت ﴿خَلَقَهُ﴾ جملة مفسرة.]]: وهذا كما تقول في الكلام: (مَثَلُك، مَثلُ زيدٍ). تريد: أنك تشبهه في فِعْلٍ، ثم تخبر بقصَّة زيد، فتقول: كذا وكذا.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. اختلفوا في المَقُولِ له ﴿كُنْ﴾: فالأكثرون [[انظر: "تفسير الطبري" 3/ 96، "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 665 وقد رواه عن ابن إسحاق، "المحرر الوجيز" 3/ 148.]]: على أنه (آدَمُ)، وعلى هذا يقع الإشكال في لفظ الآية؛ لأنه إنما يقول له: (كُنْ) قبل أن يخلقه لا بعده، وههنا يقول: ﴿خَلَقَهُ﴾ ، ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾. والجواب:
إنَّ الله تعالى أخبرنا أوَّلًا أنه خلق آدم من غير ذَكَر ولا أنثى، ثم ابتدأ خبرًا آخَرَ، أراد أَنْ يُخبرنا به، فقال: ثم [[(ثم): ساقطة من: (ج) و (د).]] إني أخبركم أيضًا بعد خبري الأول: أني قلت له ﴿كُنْ﴾، فكان، [فجاء] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (د)، وهي كذلك في "الدر المصون" 3/ 220؛ حيث نقل السمينُ الحلبيُّ قولَ الواحدي كاملًا.]] [(ثم)] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (ج)، (د)، وكذلك هي في "الدر المصون" 3/ 220، ولكن وردت فيه: (بثم).]] لمعنى [[في (ج)، (د): (بمعنى).]] الخبر الذي تقدم، والخبر الذي تأخر في الذِّكْر، لا أن [[في (ب)، (ج)، (د): (لأن) بدلًا من: (لا أن) وكذلك وردت في "الدر المصون" == 3/ 220: (لأن). وما في هذه النسخ له وجاهته؛ حيث يعني أنه جيء بـ (ثم) لأن الإخبار عن قوله (كن) تأخر عن الإخبار عن الخلق. وما أثبته في الأصل من نسخة (أ)، يتناسب كذلك مع الكلام السابق واللاحق.]] الخَلْقَ تقدم على قوله: ﴿كُنْ﴾، وهذا كما تقول للرجل: أخبرك أني أعطيتك اليوم ألفا، ثم إني أخبرك [أني] [[ما بين المعقوفين زيادة من: (ب)، (ج)، (د)، "الدر المصون".]] قد أعطيتك [[أعطيتك: ساقطة من (د).]] أمس قبلَ هذا ألفا، فـ (أمس) متقدم [[في (د): (متقدما).]] لـ (اليوم)، وإنما جاء (ثم)؛ لأن خبَرَ اليومِ متقدمٌ خبرَ [[(خبر): ساقطة من: ب.]] أمس، وجاء خبرُ أمس بعد مُضِيِّ [[في (ب): (فأخبر أمس بفعل مضى).]] خبرِ اليوم، ومثله قوله: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الزمر: 6]، وقد خُلِقت [[في (ج)، (د): (خلقتا).]] بعد خلق زوجها، ولكن هذا واقع على الخبر دون الخلق؛ لأن التأويل: أخبركم أني قد خلقتكم من نفس واحدة؛ لأن حوَّاء أيضًا خُلِقت من ضلعه، ثم إني أخبركم أني [[في (ب): (أني قد).]] خلقت زوجها منها، ومثل هذا مما جاء في الشعر، قوله:
قُلْ لِمَن سادَ ثمَّ سادَ أبوهُ ... ثم قد سادَ قبلَ ذلك جدُّهْ [[البيت لأبي نواس، وهو في ديوانه: 493. وورد البيت غير منسوب، في "غرائب التفسير" للكرماني: 1/ 260، "رصف المباني" 250، والجني الداني: 428، "مغني اللبيب" 159، "منهج السالك" 3/ 94، "همع الهوامع" 5/ 236 (1605)، "خزانة الأدب" 11/ 37، 40، "الدرر اللوامع" 2/ 173. وقد وردت روايته في == المصادر السابقة: (إنَّ من ساد ..).
وروايته في الديوان:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ... قبلَهُ ثم قبل ذلك جدُّه
وقال البغدادي في "خزانة الأدب" 11/ 40: (وهذا البيت من شعرٍ مولَّدٍ لا يوثق به، وأوله مغيَّر اشتهر به، وهو أول أبيات سبعة مدح بها العباس بن عبيد الله بن أبي جعفر) وهو عم هارون الرشيد.]] ومعلوم أن الأبَ متقدم له، والجدَّ متقدم للأب، ولكنه أخبر عن سيادته أولًا، ثم عن سيادة أبيه، ثم عن سيادة جدِّه؛ فالترتيب يعود إلى الخبر، لا إلى الوجود. ويجوز أن يكون المراد: أنه خلقه قالَبًا من تراب، ثم قال له: (كن بَشَرًا)، فيصح النظم [[يعني المؤلف بقوله (فيصح النظم) والله أعلى: أن الذهاب في تفسير الآية إلى هذا الوجه الأخير الذي ذكره يغني عن تمحل إجابة كالتي سبقت في تفسيرها بالوجه الأول، وأنه لا إشكال في لفظ الآية.]]. وقال بعضهم: المقول له ﴿كُنْ﴾: عيسى عليه السلام [[روى أسباط عن السدِّي عن أبي مالك (غزوان الغفاري) أنه قال عن المَعنِيِّ بالآية: (فهو أمر عيسى والقيامة). انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 666، وبه قال البغوي في "تفسيره" 2/ 47، وهذا القول مذكور في "تنوير المقباس" 48. قال الآلوسي: (والضمير المجرور عائد على ما عاد عليه الضمير المنصوب، والقول بأنه عائد على عيسى، ليس بشيء؛ لما فيه من التفكيك الذي لا داعي إليه، ولا قرينة تدل عليه). "روح المعاني" 3/ 187. ويعني بـ (الضمير المجرور): الضميرَ في ﴿لَهُ﴾، ويعني بـ (الضمير المنصوب): الضميرَ في ﴿خَلَقَهُ﴾. وانظر: "البحر المحيط" 2/ 478.]]، ولا إشكال على هذا.
وفي قوله: ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾، وجهان من التأويل: أحدهما: أن هذا دلالة على أنه تعالى يخلق الشيء من غير نصب ولا تعب؛ لا أنَّه يختلقه بقوله ﴿كُنْ﴾؛ لأنه لو أراد خلق شيء وُجد ذلك الشيء، وإن لم يقل له: (كن).
والثاني: أن قولَه: ﴿كُنْ﴾، علامةٌ لما يريد خلقه وإنشاءه.
وقوله تعالى: ﴿فَيَكُونُ﴾. قال بعض النحويين [[ومنهم الأخفش في "معاني القرآن" له: 1/ 206، وقال: (ومعناه: (كن فكان)، كأنه قال: فإذا هو كائن). والنحاس، في "إعراب القرآن" 1/ 338.]]: هو بمعنى: كان. وكذا فسَّره ابن عباس، فقال [[لم أقف على مصدر قولة، وأورده الخازن في "تفسيره" 1/ 302.]]: ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾، فَكانَ، فجرى عليه [[في (ج)، (د): (فيه).]] الروح. وقد ذكرنا أنه يجوز أن يراد بمثال المستَقبَلِ الماضي، مستقصىً عند قوله: ﴿تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ﴾ [[سورة البقرة: 102. ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾. قال النحاس: (والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عُرفَ المعنى) "إعراب القرآن" له: 1/ 338. وذكر الحدَّاديُّ أنَّ الماضي يذكر بلفظ المستقبل في موضعين:
أحدهما: إذا كان حالاً.
والثاني: إذا كان الفاعل يدوم على الفعل، وكان من سبيله إتيان ذلك الفعل. انظر: "المدخل لعلم تفسير كتاب الله" له: 228.]].
وقال آخرون [[لم أقف عليهم.]]: المعنى: ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾، فيكون كما يأمر الله تعالى. وقوله: ﴿فَيَكوُنُ﴾، حكاية لتلك الحالة التي يكون فيها آدمُ كما شاءَ اللهُ.
{"ayah":"إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابࣲ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق