الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ﴾ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، بَلْ ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وَالَّذِي [[في جـ، و: "فالذي".]] خَلَقَ آدَمَ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ عِيسَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَإِنْ جَازَ ادِّعَاءُ الْبُنُوَّةِ فِي عِيسَى بِكَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَجَوَازُ ذَلِكَ فِي آدَمَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَمَعْلُومٌ بِالِاتِّفَاقِ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَدَعْوَاهَا فِي عِيسَى أَشَدُّ بُطْلَانًا وَأَظْهَرُ فَسَادًا. وَلَكِنَّ الرَّبَّ، عَزّ وَجَلَّ، أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ قُدْرَتَهُ لِخَلْقِهِ، حِينَ خَلَق آدَمَ لَا مِنْ ذَكَرٍ وَلَا مِنْ أُنْثَى؛ وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ عِيسَى مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ كَمَا خَلَقَ بَقِيَّةَ الْبَرِيَّةَ مَنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [مَرْيَمَ: ٢١] . وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ أَيْ: هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ فِي عِيسَى، الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَلَا صَحِيحَ [[في أ: "والصحيح".]] سِوَاهُ، وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى -آمِرًا رَسُولَهُ ﷺ أَنْ يُبَاهِلَ مَنْ عَانَدَ الْحَقَّ فِي أَمْرِ عِيسَى بَعْدَ ظُهُورِ البيانِ: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ أَيْ: نَحْضُرُهُمْ فِي حَالِ الْمُبَاهَلَةِ ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ أَيْ: نَلْتَعِنْ ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ أَيْ: مِنَّا أَوْ مِنْكُمْ. وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْمُبَاهَلَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا فِي وفد نجران، أن النصارى حين قَدِمُوا فَجَعَلُوا يُحَاجّون فِي عِيسَى، وَيَزْعُمُونَ فِيهِ مَا يَزْعُمُونَ مِنَ الْبُنُوَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ هَذِهِ السُّورَةِ رَدا عَلَيْهِمْ، كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَار وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرُهُ: وقَدم [[في ر: "وفد".]] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَفْدُ نَصَارَى نَجْران، سِتُّونَ رَاكِبًا، فِيهِمْ أربعة عَشرَ رجلا من أشرافهم يؤول إِلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ، وَهُمْ: الْعَاقِبُ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسَّيِّدُ، وَهُوَ الأيْهَم، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أخو بكر بن وائل، وأويس الْحَارِثِ [[في جـ، ر: "وأوس بن الحارث".]] وَزَيْدٌ، وَقَيْسٌ، وَيَزِيدُ، وَنَبِيهٌ، وَخُوَيْلِدٌ، وَعَمْرٌو، وخالد، وعبد الله، وَيُحَنَّس. وأمْرُ هؤلاء يؤول إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ، وَهُمُ: الْعَاقِبُ وَكَانَ أَمِيرَ الْقَوْمِ وَذَا رَأْيِهِمْ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ، وَالَّذِي لَا يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ، وَالسَّيِّدُ وَكَانَ عَالِمَهُمْ وَصَاحِبَ رَحْلهم ومُجتمعهم، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ وَكَانَ أسْقُفهم وحَبْرَهم وَإِمَامَهُمْ وَصَاحِبَ مَدَارِسِهِمْ، وَكَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَلَكِنَّهُ تَنَصَّر، فَعَظَّمَتْهُ الرُّومُ وَمُلُوكُهَا وَشَرَّفُوهُ، وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ وَمَوَّلُوه وأخْدَموه، لِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي دِينِهِمْ. وَقَدْ كَانَ يَعْرِفُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَشَأْنَهُ وَصِفَتَهُ بِمَا عَلِمَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ جَيِّدًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَهُ جَهْلُهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي النَّصْرَانِيَّةِ لِمَا يَرَى [مِنْ] [[زيادة من جـ، ر، أ، و.]] تَعْظِيمِهِ فِيهَا وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ أَهْلِهَا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَدِموا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم المدينة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَه حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الحبرَات: جُبَب وأرْدية، فِي جَمَال رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ: يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: مَا رَأَيْنَا بَعْدَهَمْ وَفْدًا مِثْلَهُمْ. وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ، فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُصَلُّونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: دَعُوهم فَصَلَّوْا إِلَى الْمَشْرِقِ. قَالَ: فَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، أَوِ السَّيِّدُ الْأَيْهَمُ، وَهُمْ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ، مَعَ اخْتِلَافِ أَمْرِهِمْ، يَقُولُونَ: هُوَ اللَّهُ، وَيَقُولُونَ: هُوَ وَلَدُ اللَّهِ، وَيَقُولُونَ: هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. تَعَالَى اللَّهُ [عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا] [[زيادة من جـ، أ.]] وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّصْرَانِيَّةِ، فَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ: "هُوَ اللَّهُ" بِأَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، ويُبْرئُ الأسقامَ، وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ، وَيَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا [[في جـ، ر، أ، و: "طائرا".]] وَذَلِكَ كُلُّهُ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلِيَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ. وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، يَقُولُونَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْلَمُ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ بِشَيْءٍ لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ قَبْلَهُ. وَيَحْتَجُّونَ فِي [[في جـ، ر، أ، و: "على".]] قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَعَلْنَا، وَأَمَرْنَا، وَخَلَقْنَا، وَقَضَيْنَا؛ فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إِلَّا فعلتُ وقضيتُ وأمرتُ وخلقتُ؛ وَلَكِنَّهُ هُوَ وَعِيسَى ومَرْيَم وفي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ [[في جـ، ر: "في".]] قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ. فَلَمَّا كَلَّمَهُ الحَبْران قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أسْلِمَا" قَالَا قَدْ أَسْلَمْنَا. قَالَ: "إنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا فأسْلِما" قَالَا بَلَى، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ. قَالَ: "كَذَبْتُمَا، يمْنَعُكُمَا مِنَ الإسْلامِ دُعَاؤكُما [[في جـ، أ، و: "ادعاؤكما".]] لِلَّهِ وَلَدًا، وَعِبَادَتُكُمَا الصَّلِيبَ وأكْلُكُمَا الخِنزيرَ". قَالَا فَمَنْ أَبَوْهُ يَا مُحَمَّدُ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهُمَا فَلَمْ يُجِبْهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ، وَاخْتِلَافِ أَمْرِهِمْ، صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إِلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا. ثُمَّ تَكَلَّم ابْنُ إِسْحَاقَ عَلَى التَّفْسِيرِ [[في جـ، ر، أ، و: "تفسيرها".]] إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ، والفَصْلُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَأُمِرَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ إنْ رَدّوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ؛ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، دَعْنَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا، ثُمَّ نَأْتِيكَ بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ [[في جـ، ر: "تريد أن تفعل".]] فِيمَا دَعَوْتَنَا إِلَيْهِ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، ثُمَّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ، وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ، فَقَالُوا: يَا عبدَ الْمَسِيحِ، مَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى لَقَدْ عرَفْتم أَنَّ مُحَمَّدًا لنبيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بالفَصْل مِنْ خَبَر صَاحِبِكُمْ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا لاعَن قَوْمٌ نَبِيًّا قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ، وَلَا نَبَتَ صَغيرهم، وَإِنَّهُ لَلِاسْتِئْصَالُ [[في جـ، ر: "الاستئصال".]] مِنْكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ [قَدْ] [[زيادة من أ، و.]] أَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ، فوادعُوا الرجلَ وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ. فَأَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَدْ رَأَيْنَا أَلَّا نُلَاعِنَكَ، وَنَتْرُكَكَ عَلَى دِينِكَ، ونرجعَ عَلَى دِينِنَا، وَلَكِنِ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ تَرْضَاهُ لَنَا، يَحْكُمُ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَإِنَّكُمْ [[في جـ، أ: "وإنكم".]] عِنْدَنَا رِضًا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "ائْتُونِي الْعَشِيَّة أَبْعَثُ مَعَكُمُ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ"، فَكان [[في جـ: "وكان".]] عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَطّ حُبّي إِيَّاهَا يَوْمَئِذٍ، رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا، فَرُحْتُ إِلَى الظُّهْرِ مُهَجّرا، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظهرَ سلَّم، ثُمَّ نَظَر عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتَّى رَأَى أَبَا عُبَيدة بْنَ الجَرَّاح، فَدَعَاهُ: "اخْرُجْ مَعَهُمْ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ". قَالَ عُمَرُ: فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[السيرة النبوية لابن هشام (١/٥٧٣-٥٧٥) ورواه الطبري في تفسيره (٦/١٥١) من طريق سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق به.]] . وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ [[في أ:" عن".]] قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خُدَيْج: أَنَّ وَفْدَ أَهْلِ نَجْرَانَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَشْرَافِ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ. وَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَزِيَادَاتٍ أخَر. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَة بْنِ زُفَر، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ العاقبُ والسيدُ صَاحِبًا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُرِيدَانِ أن يُلَاعِنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ إِنْ [[في أ، و: "لأن".]] كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّاهُ لَا نفلحُ نحنُ وَلَا عَقبنا مِنْ بَعْدِنَا. قَالَا إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا. فَقَالَ: "لأبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلا أَمِينًا [[في أ: "أمينا خير أمين".]] حَقَّ أمِينٍ"، فاستشرفَ لَهَا أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "قُمْ يَا أبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحٍِ" فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَذَا أمِينُ هَذِهِ الأمَّةِ". [وَ] [[زيادة من أ، و.]] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ [[صحيح البخاري برقم (٣٧٤٥) (٧٢٥٤) (٤٣٨٠، ٤٣٨١) وصحيح مسلم برقم (٢٤٢٠) وسنن الترمذي برقم (٣٧٩٦) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٨١٩٧) وسنن ابن ماجة برقم (١٣٥) .]] مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي، عَنْ صِلَة، عَنْ حُذَيْفَةَ، بِنَحْوِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صلَة عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِنَحْوِهِ [[المسند (١/٤١٤) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٨١٩٦) وسنن ابن ماجة برقم (٣١٣٦) .]] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لِكُلِّ أُمَّةٍ أمينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأمَّة أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ" [[البخاري برقم (٣٧٤٤) ، (٤٣٨٢) ، (٧٢٥٥) ، ورواه مسلم في صحيحه برقم (٦٩٠) من حديث أنس بن مالك.]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقِّي أَبُو يَزِيدَ، حَدَّثَنَا فُرَات، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ابن مَالِكٍ الجزَري" عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنْ رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَآتِيَنَّهُ حَتَّى أطَأ عَلَى عُنُقِهِ. قَالَ: فَقَالَ: "لَوْ فعلَ لأخَذته الملائكةُ عِيَانًا، وَلَوْ أَنَّ الْيَهُودَ تمنَّوا الْمَوْتَ لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لرَجَعوا لَا يَجِدُونَ مَالًا وَلَا أَهْلًا" [[في جـ: "أهلا ولا مالا".]] . وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: [حَدِيثٌ] [[زيادة من جـ.]] حَسَنٌ صَحِيحٌ [[المسند (١/٢٤٨) وسنن الترمذي برقم (٣٣٤٨) ، والنسائي في السنن برقم (١١٦٨٥) .]] . وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قصَّة وَفْد نَجْران مُطَوِّلَةً جِدًّا، وَلْنَذْكُرْهُ فَإِنَّ فِيهِ فوائدَ كَثِيرَةً، وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ لِهَذَا الْمَقَامِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ، قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عبدِ يَسُوع، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ يُونُسُ -وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ-: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ طس سُلَيْمَانَ: "بِاسْم إلَهِ إِبْرَاهِيمَ وإسْحَاقَ ويَعْقُوبَ، مِنْ مُحَمَّدٍ الَّنِبيِّ رَسُولِ اللهِ إلَى أسْقف نَجْرانَ وأهْلِ نَجْرانَ سِلْم [[في جـ، ر، أ، و: "أسلم".]] أَنْتُم، فإنِّي أحْمَدُ إلَيْكُمْ إلَهَ إبْرَاهِيمَ وإِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ. أَمَّا بَعْدُ، فإنِّي أَدْعُوكُم إلَى عِبَادَةِ اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ، وأدْعُوكُمْ إلَى وِلايَةِ اللهِ مِنْ وِلايَةِ الْعِبَادِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ [[في جـ، ر، أ، و: "أبيتم فقد".]] آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ والسَّلامُ". فَلَمَّا أَتَى الْأُسْقُفَ الْكِتَابُ فَقَرَأَهُ فَظعَ بِهِ، وذَعَره ذُعرًا شَدِيدًا، وَبَعَثَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يُقَالُ لَهُ: شُرَحْبيل بْنُ وَداعة -وَكَانَ مِنْ هَمْدان وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُدْعَى إِذَا نَزَلَتْ مُعْضلة قَبْلَه، لَا الْأَيْهَمُ وَلَا السِّيد وَلَا الْعَاقِبُ-فَدَفَعَ الأسْقُفُ كتابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى شُرَحْبيل، فَقَرَأَهُ، فَقَالَ الْأَسْقُفُ: يَا أَبَا مريمَ، مَا رَأْيُكَ [[في جـ: "ما رأيك يا أبا مريم".]] ؟ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: قَدْ عَلِمْتَ مَا وَعَدَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ فِي ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَمَا يُؤْمنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ ذَاكَ الرَّجُلُ، لَيْسَ لِي فِي النُّبُوَّةِ رَأْيٌ، وَلَوْ كَانَ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا لَأَشَرْتُ عَلَيْكَ فِيهِ بِرَأْيِي، وجَهِدتُ لَكَ، فَقَالَ لَهُ الْأَسْقُفُ: تَنَحَّ فَاجْلِسْ. فَتَنَحَّى شُرَحْبِيلُ فَجَلَسَ نَاحِيَةً، فَبَعَثَ الْأَسْقُفُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَهُوَ مِنْ ذِي أَصْبَحَ مِنْ حمْير، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحْبِيلَ، فَقَالَ لَهُ الْأَسْقُفَ: فَاجْلِسْ، فتَنَحى فَجَلَسَ نَاحِيَةً. وَبَعَثَ الْأَسْقُفُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، يُقَالُ لَهُ: جَبَّارُ بْنُ فَيْضٍ، مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، أَحَدُ بَنِي الْحَمَاسِ، فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ، وَسَأَلَهُ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحبيل وَعَبْدِ اللَّهِ، فَأَمْرَهُ الْأَسْقُفَ فَتَنَحَّى فَجَلَسَ نَاحِيَةً. فَلَمَّا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ مِنْهُمْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ جَمِيعًا، أَمَرَ الْأَسْقُفُ بِالنَّاقُوسِ فضُرب بِهِ، ورُفعت النِّيرَانُ وَالْمُسُوحُ فِي الصَّوَامِعِ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذَا فَزعوا بِالنَّهَارِ، وَإِذَا كَانَ فزعُهم لَيْلًا ضَرَبُوا بِالنَّاقُوسِ، وَرَفُعِتِ النِّيرَانُ فِي الصَّوَامِعِ، فَاجْتَمَعُوا [[في جـ، ر: "فاجتمع".]] حِينَ ضُرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَرُفِعَتِ الْمُسُوحُ أَهْلَ الْوَادِي أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ -وطولُ الْوَادِي مَسِيرة يَوْمٍ لِلرَّاكِبِ السَّرِيعِ، وَفِيهِ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ قَرْيَةً، وَعِشْرُونَ وَمِائَةُ أَلْفِ مُقَاتِلٍ. فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كتابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَسَأَلَهُمْ عَنِ الرَّأْيِ فِيهِ، فَاجْتَمَعَ رأيُ أَهْلِ الرَّأْيِ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا شُرَحْبِيلَ بْنَ ودَاعة الْهَمْدَانِيَّ، وَعَبْدَ اللَّهِ ابن شُرَحبيل الْأَصْبَحِيَّ، وَجَبَّارَ بْنَ فَيْضٍ الْحَارِثِيَّ، فَيَأْتُونَهُمْ [[في أ: "فيأتوهم".]] بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَانْطَلَقَ الْوَفْدُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَضَعُوا ثِيَابَ السَّفَرِ عَنْهُمْ، وَلَبِسُوا حُلَلا لَهُمْ يَجُرُّونَهَا مِنْ حِبَرَةٍ، وَخَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ [[في جـ: "عليه السلام" وفي أ: "عليهم السلام".]] وَتَصَدَّوْا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَعَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُلَلُ وخواتيم الذهب. فانطلقوا يتبعون عثمان ابن عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَكَانَا مَعْرفة لَهُمْ، فَوَجَدُوهُمَا فِي نَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالُوا: يَا عُثْمَانُ وَيَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، إِنْ نَبِيَّكُمْ كَتَبَ إِلَيْنَا بِكِتَابٍ، فَأَقْبَلْنَا مُجِيبِينَ لَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ سَلَامَنَا، وَتَصَدَّيْنَا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا فَأَعْيَانَا أَنْ يُكَلِّمَنَا، فَمَا الرَّأْيُ مِنْكُمَا، أَتَرَوْنَ أَنْ نَرْجِعَ؟ فَقَالَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -وَهُوَ فِي الْقَوْمِ-: مَا تَرَى يَا أَبَا الْحَسَنِ فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ عَليّ لِعُثْمَانَ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَرَى أَنْ يَضَعُوا حُللهم هَذِهِ وَخَوَاتِيمَهُمْ، وَيَلْبَسُوا ثِيَابَ سَفَرِهِمْ ثُمَّ يَعُودَا إِلَيْهِ. فَفَعَلُوا فَسَلَّمُوا، فَرَدَّ سَلَامَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: "والَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ لَقَدْ أَتَوْنِي الْمرَّةَ الأولَى، وإنَّ إبْلِيسَ لَمَعَهُم" ثُمَّ سَاءَلَهُمْ وَسَاءَلُوهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وَبِهِمُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى قَالُوا: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى، فَإِنَّا نَرْجِعُ إِلَى قَوْمِنَا وَنَحْنُ نَصَارَى، يَسُرُّنَا إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا أَنْ نَسْمَعَ مَا تَقُولُ فِيهِ [[في جـ: "فيه ما تقول".]] ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا عِنْدِي فِيهِ شِيء يَوْمِي هَذَا، فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِمَا [[في أ: "ما".]] يَقُولُ لِي رَبِّي فِي عيسَى". فَأَصْبَحَ الْغَدُ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى] [[زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "إلى قوله".]] الْكَاذِبِينَ﴾ فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْغَدَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِي خَمِيل لَهُ وَفَاطِمَةُ تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُلَاعَنَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ شُرَحْبِيلُ لِصَاحِبَيْهِ: قَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ الْوَادِيَ إِذَا اجْتَمَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ لَمْ يَرِدُوا وَلَمْ يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رَأْيِي [[في ر: "رأي".]] وَإِنِّي وَاللَّهِ أَرَى أَمْرًا ثَقِيلًا وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا مَبْعُوثًا، فَكُنَّا أَوَّلَ الْعَرَبِ طَعَنَ فِي عَيْنَيْهِ [[في جـ، ر: "عينه".]] وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، لَا يَذْهَبُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ وَلَا مِنْ صُدُورِ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُصِيبُونَا بِجَائِحَةٍ، وَإِنَّا لَأَدْنَى الْعَرَبِ مِنْهُمْ جِوَارًا، وَلَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نَبِيًّا مُرْسَلًا فلاعَنَّاه لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَّا شَعْر وَلَا ظُفُر إِلَّا هَلَكَ. فَقَالَ [[في أ: "فقالا".]] لَهُ صَاحِبَاهُ: يَا أَبَا مَرْيَمَ، فَمَا الرَّأْيُ؟ فَقَالَ: أَرَى [[في ر: "رأيي".]] أَنْ أُحَكِّمَهُ، فَإِنِّي أَرَى رَجُلًا لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا. فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ وَذَاكَ. قَالَ: فَلَقِيَ [[في جـ: "فتلقى"، وفي ر: "فيلقى".]] شرحبيلُ رسولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعَنَتِكَ. فَقَالَ: "وَمَا هُوَ؟ " فَقَالَ: حُكْمُكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَيْلَتُكَ إِلَى الصَّبَاحِ، فَمَهْمَا حَكَّمْتَ فِينَا فَهُوَ جَائِزٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَعَلَّ وَرَاءكَ أحَدًا يَثْرِبُ عَلْيكَ؟ " فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: سَلْ صَاحِبَيَّ. فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا مَا يَرِدُ الْوَادِي وَلَا يَصْدرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شُرَحْبِيلَ: فَرَجع رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يُلَاعِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَوْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ: "بِسْم اللَّهِ الرحمنِ الرَّحِيم، هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِي رَسُولُ اللهِ لِنَجْرَانَ -إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمَهُ-فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَكُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَودَاءَ وَرَقِيقٍ فَاضِلٍ [[في و: "فافضل".]] عَلَيْهِمْ، وتَرْك ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ، عَلَى أَلْفَي حُلَّةٍ، فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وفِي كُلِّ صَفَرٍ ألْفُ حُلَّةٍ" وَذَكَرَ تَمَامَ الشُّرُوطِ وَبَقِيَّةَ السِّيَاقِ [[دلائل النبوة للبيهقي (٥/٣٨٥) .]] . وَالْغَرَضُ أَنَّ وُفُودَهُمْ [[في أ: "ورودهم".]] كَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ؛ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ: كَانَ أَهْلُ نَجْرَانَ أَوَّلَ مَنْ أَدَّى الْجِزْيَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَآيَةُ الْجِزْيَةِ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون] َ [[زيادة من جـ، أ، ر، و، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٩] . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ المكي، حدثنا بشر بن مِهْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْعَاقِبُ وَالطَّيِّبُ، فَدَعَاهُمَا إِلَى الْمُلَاعَنَةِ فَوَاعَدَاهُ عَلَى أَنْ يُلَاعِنَاهُ [[في جـ، أ، و: "يعاوداه". وفي ر: "يعاديه".]] الْغَدَاةَ. قَالَ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَأَبَيَا أَنْ يَجِيئَا [[في أ: "يجيبا".]] وأقَرَّا بِالْخَرَاجِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "وَالَّذِي بَعَثَني بالْحَقِّ لَوْ قَالا لَا لأمْطَرَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي [[في جـ: "الوادي عليهم".]] نَارًا" قَالَ جَابِرٌ: فِيهِمْ نَزَلَتْ ﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ قَالَ جَابِرٌ: ﴿وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ رسولُ اللهِ ﷺ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ﴿وَأَبْنَاءَنَا﴾ [[في ر: "وابنانا".]] الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ﴿وَنِسَاءَنَا﴾ فَاطِمَةَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ الْأَزْهَرِيِّ [[في ر: "الأزهر" وفي أ، و: "الزهري".]] عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْر، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِر، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ بِمَعْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [[المستدرك (٢/٥٩٣، ٥٩٤) ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة (٢/٥٩٣) من طريق دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جابر به.]] . هَكَذَا قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ [[في جـ، ر، أ، و: "مغيرة".]] عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا وَهَذَا أَصَحُّ [[رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢/٣١٠) من طريق شعبة به، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (١٤/٥٤٩) ، والطبري في تفسيره (٦/٤٦٨) من طريق جرير عن مغيرة عن الشعبي به مرسلا، ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (٥٠٠) من طريق هشيم عن مغيرة عن الشعبي به مرسلا.]] وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ نَحْوُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي قَصَصْنَاهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فِي شَأْنِ عِيسَى هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَعْدل عَنْهُ وَلَا مَحِيدَ ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّه وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أَيْ: عَنْ هَذَا إِلَى غَيْرِهِ. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ أَيْ: مَنْ عَدَلَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ فَهُوَ الْمُفْسِدُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِهِ، وَسَيَجْزِيهِ عَلَى ذَلِكَ شَرَّ الْجَزَاءِ، وَهُوَ الْقَادِرُ، الَّذِي لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ [سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ حُلُولِ نِقَمَهِ] [[زيادة من و.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب