الباحث القرآني
﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى﴾ (p-186)ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ: «”أنَّ وفْدَ نَجْرانَ قالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مالَكَ تَشْتُمُ صاحِبَنا؟ قالَ: ما أقُولُ؟ قالُوا: تَقُولُ: إنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ، قالَ: أجَلْ، هو عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى العَذْراءِ البَتُولِ فَغَضِبُوا وقالُوا: هَلْ رَأيْتَ إنْسانًا قَطُّ مِن غَيْرِ أبٍ فَإنْ كُنْتَ صادِقًا فَأرِنا مِثْلَهُ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ“». وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في «اَلدَّلائِلِ» مِن طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ يَسُوعَ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «”أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَتَبَ إلى أهْلِ نَجْرانَ قَبْلَ أنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ (طس) (سُلَيْمانَ) (بِسْمِ إلَهِ إبْراهِيمَ وإسْحَقَ ويَعْقُوبَ) مِن مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلى أُسْقُفِ نَجْرانَ وأهْلِ نَجْرانَ إنْ أسْلَمْتُمْ فَإنِّي أحْمَدُ اللَّهَ إلَيْكم إلَهَ إبْراهِيمَ وإسْحَقَ ويَعْقُوبَ، أمّا بَعْدُ فَإنِّي أدْعُوكم إلى عِبادَةِ اللَّهِ مِن عِبادَةِ العِبادِ وأدْعُوكم إلى وِلايَةِ اللَّهِ مِن وِلايَةِ العِبادِ، فَإنْ أبَيْتُمْ فالجِزْيَةُ فَإنْ أبَيْتُمْ فَقَدَ آذَنْتُكم بِحَرْبٍ، والسَّلامُ“، فَلَمّا قَرَأ الأُسْقُفُ الكِتابَ فَظِعَ بِهِ وذُعِرَ ذُعْرًا شَدِيدًا فَبَعَثَ إلى رَجُلٍ مِن أهْلِ نَجْرانَ يُقالُ لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ وداعَةَ فَدَفَعَ إلَيْهِ كِتابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَرَأهُ، فَقالَ لَهُ الأُسْقُفُ: ما رَأْيُكَ؟ فَقالَ شُرَحْبِيلُ: قَدْ عَلِمْتُ ما وعَدَ اللَّهُ تَعالى إبْراهِيمَ في ذُرِّيَّةِ إسْمَعِيلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، فَما يُؤْمَنُ أنَّ يَكُونَ هَذا الرَّجُلُ نَبِيًّا ولَيْسَ لِي في النُّبُوَّةِ رَأْيٌ، لَوْ كانَ أمْرٌ مِن أمْرِ الدُّنْيا أشَرْتُ عَلَيْكَ فِيهِ وجَهَدْتُ لَكَ، فَبَعَثَ الأُسْقُفُ إلى واحِدٍ بَعْدَ واحِدٍ مِن أهْلِ نَجْرانَ فَكُلُّهم قالَ مِثْلَ قَوْلِ شُرَحْبِيلَ، فاجْتَمَعَ رَأْيُهم عَلى أنْ يَبْعَثُوا شُرَحْبِيلَ وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ شُرَحْبِيلَ وحَيّارَ بْنَ قَنَصٍ فَيَأْتُونَهم بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فانْطَلَقَ الوَفْدُ حَتّى أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَألَهم وسَألُوهُ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وبِهِمُ المَسْألَةُ حَتّى قالُوا: ما تَقُولُ في عِيسى اِبْنِ مَرْيَمَ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يَوْمِي هَذا فَأقِيمُوا حَتّى أُخْبِرَكم بِما يُقالُ لِي في عِيسى صُبْحَ الغَداةِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسى﴾ إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلى الكاذِبِينَ﴾ فَأبَوْا أنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ فَلَمّا أصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الغَدَ بَعْدَ ما أخْبَرَهُمُ الخَبَرَ أقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلى الحَسَنِ والحُسَيْنِ في خَمِيلَةٍ لَهُ وفاطِمَةُ تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُلاعَنَةِ، ولَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ، فَقالَ شُرَحْبِيلُ لِصاحِبَيْهِ: إنِّي أرى أمْرًا ثَقِيلًا إنْ كانَ هَذا الرَّجُلُ نَبِيًّا مُرْسَلًا فَتَلاعَناهُ لا يَبْقى عَلى ظَهْرِ الأرْضِ مِنّا شَعْرٌ ولا ظُفْرٌ إلّا هَلَكَ، فَقالا لَهُ: ما رَأْيُكَ؟ فَقالَ: رَأْيِي أنْ أحْكُمَهُ فَإنِّي أرى رَجُلًا لا يَحْكُمُ شَطَطًا أبَدًا، فَقالا لَهُ: أنْتَ وذاكَ، فَتَلَقّى شُرَحْبِيلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: إنِّي رَأيْتُ خَيْرًا مِن مُلاعَنَتِكَ قالَ: وما هُوَ؟ قالَ: حُكْمُكَ اليَوْمَ إلى اللَّيْلِ ولَيْلُكَ إلى الصَّباحِ فَما حَكَمْتَ فِينا فَهو جائِزٌ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يُلاعِنْهم وصالَحَهم عَلى الجِزْيَةِ».
ورُوِيَ غَيْرُ ذَلِكَ كَما سَيَأْتِي قَرِيبًا، والمَثَلُ هُنا لَيْسَ هو المَثَلَ المُسْتَعْمَلَ في التَّشْبِيهِ، والكافُ زائِدَةٌ كَما قِيلَ بِهِ بَلْ بِمَعْنى الحالِ والصِّفَةِ العَجِيبَةِ، أيْ: إنَّ صِفَةَ عِيسى ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ: في تَقْدِيرِهِ وحُكْمِهِ، أوْ فِيما غابَ عَنْكم ولَمْ تَطَّلِعُوا عَلى كُنْهِهِ، والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ فِيما تَعَلَّقَ بِهِ الجارُّ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ أيْ كَصِفَتِهِ وحالِهِ العَجِيبَةِ الَّتِي لا يَرْتابُ فِيها مُرْتابٌ.
﴿خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ جُمْلَةٌ اِبْتِدائِيَّةٌ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ مُبَيِّنَةٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ بِاعْتِبارِ أنَّ في كُلٍّ الخُرُوجَ عَنِ العادَةِ وعَدَمَ اِسْتِكْمالِ الطَّرَفَيْنِ، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ جِيءَ بِها لِبَيانِ أنَّ المُشَبَّهَ بِهِ أغْرَبُ وأخْرَقُ لِلْعادَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أقْطَعَ لِلْخِصْمِ وأحْسَمَ لِمادَّةِ شُبْهَتِهِ، و(مِن) لِابْتِداءِ الغايَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِما عِنْدَها، والضَّمِيرُ المَنصُوبُ لِآدَمَ، والمَعْنى اِبْتَدَأ خَلْقَ قالَبِهِ مِن هَذا الجِنْسِ.
﴿ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [ 59 ] أيْ صِرْ بَشَرًا فَصارَ، فالتَّراخِي عَلى هَذا زَمانِيٌّ إذْ بَيْنَ إنْشائِهِ مِمّا ذَكَرَ وإيجادِ الرُّوحِ فِيهِ وتَصْيِيرِهِ لَحْمًا ودَمًا زَمانٌ طَوِيلٌ، فَقَدْ رُوِيَ أنَّهُ بَعْدَ أنْ خَلَقَ قالَبَهُ بَقِيَ مُلْقًى (p-187)عَلى بابِ الجَنَّةِ أرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ؛ والتَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ مَعَ أنَّ المَقامَ مَقامُ المُضِيِّ لِتَصْوِيرِ ذَلِكَ الأمْرِ الكامِلِ بِصُورَةِ المُشاهَدِ الَّذِي يَقَعُ الآنَ إيذانًا بِأنَّهُ مِنَ الأُمُورِ المُسْتَغْرَبَةِ العَجِيبَةِ الشَّأْنِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ لِما أنَّ الكَوْنَ مُسْتَقْبَلٌ بِالنَّظَرِ إلى ما قَبْلَهُ، وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ إلى أنَّ (ثُمَّ) لِلتَّراخِي في الإخْبارِ لا في المُخْبَرِ بِهِ، وحَمَلُوا الكَلامَ عَلى ظاهِرِهِ، ولا يَضُرُّ تَقَدُّمُ القَوْلِ عَلى الخَلْقِ في هَذا التَّرْتِيبِ والتَّراخِي كَما لا يَخْفى، والضَّمِيرُ المَجْرُورُ عائِدٌ عَلى ما عادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ المَنصُوبُ، والقَوْلُ بِأنَّهُ عائِدٌ عَلى عِيسى لَيْسَ بِشَيْءٍ لِما فِيهِ مِنَ التَّفْكِيكِ الَّذِي لا داعِيَ إلَيْهِ ولا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ.
قِيلَ: وفي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى صِحَّةِ النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ اِحْتَجَّ عَلى النَّصارى وأثْبَتَ جَوازَ خَلْقِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِن غَيْرِ أبٍ بِخَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِن غَيْرِ أبٍ ولا أُمٍّ، ثُمَّ إنَّ الظّاهِرَ أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ خَلَقَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ مِن نُطْفَةِ مَرْيَمَ عَلَيْها السَّلامُ بِجَعْلِها قابِلَةً لِذَلِكَ ومُسْتَعِدَّةً لَهُ كَما أشَرْنا إلَيْهِ فِيما تَقَدَّمَ، والقَوْلُ بِأنَّهُ خُلِقَ مِنَ الهَواءِ كَما خُلِقَ آدَمُ مِنَ التُّرابِ مِمّا لا مُسْتَنَدَ لَهُ مِن عَقْلٍ ولا نَقْلٍ و﴿فَنَفَخْنا فِيهِ مِن رُوحِنا﴾ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ أصْلًا.
{"ayah":"إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابࣲ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











