الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾ قال أبو إسحاق [[في "معاني القرآن" له 1/ 399.]]: المعنى اصطفى ذرِّيَةً بعضها من بعض؛ فيكون نصب (ذريةً) على البدل [[والمُبدَل منه، فيه ثلاثة أقوال: قيل: مُبدَل من (آدم). ولم يرتض هذا العكبري، قائلا: (لأنه ليس بذرية). وقيل: مبدل من (نوح). وإليه ذهب العكبري. وقيل: مبدل من (آل إبراهيم وآل عمران). وبه قال الزمخشري. انظر: "الكشاف" 1/ 424، "التبيان" للعكبري: 1/ 184.]]، وجائز [[في (ب): (وجاز)، وفي "معاني القرآن" (وجائزًا).]] أن ينتصب [[في (ج): (ينصب)، وهكذا هي في "معاني القرآن".]] على الحال، المعنى: اصطفاهم في حال كون بعضهم مِن بعض [[وجوز الهمداني رفعها، على تقدير: تلك ذرية. انظر: "الفريد في إعراب القرآن المجيد" 1/ 563.]]. وقوله: ﴿بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: بعضها من ولد بعض؛ لأنَّ الجميع [[في (ب): (الأول).]] ذُرِّية آدمَ ثم ذُرِّية نوح [[أورد هذا القول الماوردي في "النكت والعيون" 1/ 386، وعزاه لبعض المتأخرين دون أن يُعيِّنْ، وأورده ابن الجوزي في "الزاد" 1/ 375 وقال: (ذكره بعض أهل التفسير).]]. الثاني: (بعضها [من بعض)] [[ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.]]، أي: في التناصر [[في (ب): (التباصر).]] في الدين [[وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة. انظر المصادر السابقة]]، فيكون المعنى: أنَّ بعضها يوالي [[في (ب): (توافي).]] بعضاً، ولا يَتَبَرَّأُ بعضهم من بعض، كما يتبرأ الكافرون؛ ألا تراه [[(ألا تراه): ساقط من (ج).]] قال: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:166]. فقوله: ﴿بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ﴾، أي: هم على غير صفة الكافرين؛ لأنهم إخوان متوالون [[في (ب): (لما يتوالون)، بدلًا من إخوان متوالون.]]، وهذا كقوله: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [التوبة: 67]؛ أي: بعضهم يُلابس [[أي: يخالط، وقد سبق بيانها.]] بعضاً، ويوالي بعضاً وليس المعنى: على النسل والولادة، [لأنه قد يكون من نَسْلِ] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في: (أ)، والمثبت من بقية النسخ.]] المنافقِ مُؤمنٌ، ومِنْ نَسْلِ المؤمنِ مُنافقٌ. قال عُبَيْد الرَّاعي [[هو: أبو جندل، عبيد بن حُصين بن معاوية النُّمَيْري، تقدم 2/ 318. انظر: "طبقات فحول الشعراء" 2/ 502، "الشعر والشعراء" ص 265، "شرح شواهد المغني" 1/ 336.]]: فَقلتُ ما أنا مِمَّن لا يُواصِلُنِي ... ولا ثَوائِيَ [[في (ب): (رأي). (أ)، (ج) ثواي. والمثبت من: الديوان، ومصادر البيت.]] إلا رَيْثَ أحْتَمِلُ [[الييت في: "ديوانه" 197. وقد ورد منسوبًا له في "الحجة" للفارسي 1/ 173، إلا أنه لم يجزم بنسبته إليه، بل قال: (أظنه الراعي). و"أساس البلاغة" 1/ 388، و"المقاصد النحوية" للعيني 2/ 336. وورد في "المقاصد النحوية" (يوافقني) بدلًا من: (يواصلني)، وورد في "أساس البلاغة" (وما) بدلًا من: (ولا). وورد في الديوان، وبقية المصادر: (أرتحل) بدلًا من: (أحتمل).]]. أي: لا [أُلابس مَنْ لا] [[ما بين المعقوفين غير مقروء في: (أ)، وفي (ب): (أنا ممن لا)، والمثبت من: (ج)، (د)، لأنها أقرب لما ذكره المؤلف من قبل.]] يواصلني، ولا أُواليهِ. والعرب تقول: (هو مِنْ بني فلان)؛ إذا كان يواليهم ويُلابسهم، وإن لم يكن من نسلهم. وهذا القول يُحكى معناه عن أبي رَوْق [[الذي في "تفسير الثعلبي" 3/ 38 أ: (وقال أبو روق: بعضها على دين بعض). وأبو رَوْق، هو: عَطِيّة بن الحارث الهَمْداني الكوفي تقدم.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. قال عطاء عن ابن عباس [[لم أهتد إلى مصدر هذه الرواية عنه من طريق عطاء، والذي عثرت عليه هو ما سبق من رواية أبي صالح عنه في هذا المعنى عند قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾، آية: 31، وقد سبق الكلام على هذه الرواية.]]: هذا مخاطبة لليهود الذين قالوا: نحن أبناءُ الله وأحبَّاؤه، وأبناء [[في (ب): (وأما).]] الأنبياء الذين اصطفاهم. فأنزل فيهم قوله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾، الآيات إلى قوله: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، ويريد: ﴿سَمِيعٌ﴾ لقولكم الذي تقولون: إنكم من ولد إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ومن آل عمران. وإنَّما فضَّلت أولئك، ورفعتهم واصطفيتهم؛ بطاعتهم، ولو عصوني، لأنزلتهم منازل العاصين. ﴿عَلِيمٌ﴾ بما في قلوبكم من تكذيب محمد، وعصيانه، بعد إقراركم بالتوراة، وتصديقكم بما فيها من صفته. وذكر أهل المعاني في هذا قولين آخرين: أحدهما: أنَّ المعنى: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لما تقوله (الذرية) المصطفاة ﴿عَلِيمٌ﴾ بما تضمره [[والذُرِّيَّة: تأتي مذكرًا ومؤنثًا ومفردًا وجمعًا، ولذا جاء هنا تذكير الضمائر. انظر تفسير قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا﴾ من آية: 38. من هذه السورة.]]؛ فلذلك فضلها على غيرها، لما في معلومه من استقامتها في فعلها وقولها [[لم أهتد إلى قائل هذا القول ولكن ورد مثل هذا القول في "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 636 عن ابن إسحاق، حيث قال: (أي: سميع لما يقولون، .. عليم بما يخفون).]]. القول الثاني: أنَّ هذه الآية تتصل بما بعدها، تقديرها: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لما تقوله امرأة عمران، ﴿عَلِيُمٌ﴾ بما تضمره، إذْ قالتْ: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ﴾ [آل عمران: 35]، الآية، وفيه إشارة إلى أنه لا يضيع لها شيء من جزاء عملها [[وهذا قول الطبري في "تفسيره" 3/ 235.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب