الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾. الإخزاء -في اللغة- يَرِدُ على معانٍ، يَقْرُبُ بعضُها مِنْ بَعْضٍ. قال الزجاج [[لم أقف على مصدر قوله. وورد عنه في: "معاني القرآن" -عند هذه الآية-: (والمَخْزِيُّ -في اللغة-: المُذَلُّ المَحقور بأمرٍ قد لَزمَهُ بِحُجَّة، وكذلك (أخزيته)؛ أي: ألزمته حجة أذْلَلْتهُ معها).]]: (أخزى اللهُ العَدُوَّ)؛ أي: أبْعَدَهُ. وقال غيرُه [[أورد هذا القول الأزهري في: "التهذيب" 1/ 1027 (خزى) ولم ينسبه لقائل؛ حيث أورد قولَ الليث بن المظفر أولًا، ثم قال: (وقال غيره ..) وذكر القول.]]: الخِزْي: الهَوَانُ، و (أخزاهُ الله)؛ أي: أهانه. وقال شَمِر [[قوله في: "تهذيب اللغة" 1/ 1027 (خزى). ونصه في "التهذيب": (قال شمر: قال بعضهم ..) ثم ذكره.]]: أخزيته: فضحته. وفي القرآن: ﴿وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ [هود: 78]. وقال [[في (ج): (قال) بدون واو.]] المُفَضَّلُ [[قوله في "تفسير الثعلبي" 3/ 172 أ.]] -في قوله: ﴿أَخْزَيْتَهُ﴾ -: أي: أهْلَكته. وقال ابن الأنباري [[لم أقف على مصدر قوله.]]: معنى الخِزْي -في اللغة-: الهلاك بتَلفٍ أو انقطاع حُجّةٍ، أو بوقوعٍ في بلاء [[تعرض ابن الأنباري لهذه الكلمة في "الزاهر" 1/ 374 فقال عن قولهم (أخزى الله فلانًا): (معناه: أذله الله وكسَره وأهلكه. قال أبو العباس: الأصل فيه: أن يفعل الرجل فَعْلَةً، يستحي منها وينكسر لها، ويذل من أجلها ..).]]. قال جرير: تَمَّتْ تَمِيمٌ يا أُخَيْطِلُ فانْجَحِرْ ... خَزِيَ الأُخَيْطِلُ حين قُلتُ وقالا [[البيت في: ديوانه: 362. وهو من قصيدة يهجو فيها الأخطل، الشاعر النصراني. وروايته في الديوان: (تمت تميمي يا أخيطل فاحتجز ..). ومعنى (فانْجَحِرْ): ادخل جُحرك. من: (جَحَرَ الضبُّ): دخل جُحره و (جَحَرَ فلانٌ الضَبَّ): أدخله في جحره. انظر: "القاموس" ص 362 (جحر).]] أي: هَلَكَ بانقطاع حُجّتِهِ. ويحتمل: استحيا بانقطاعه. يقال [[من قوله: (يقال ..) إلى (.. إذا استحيا): موجود في: "الزاهر" لابن الأنباري 1/ 374.]]: (خَزِيَ، يَخْزَى، خِزْيًا): إذا هلك. و (خَزِي، يَخْزى [[قوله: (خزيًا: إذا هلك وخزي يخزى) ساقط من (ج).]]، خَزَايةً): إذا استحيا [[ونصه عند ابن الأنباري: (يقال: (خَزِي يخزَى خزايَةً): إذا استحيا. و (خزِي يخزَى خِزْيا): إذا انكسر وهلك وذل).]]. وتعلقت الوَعِيدِيَّةُ بهذه الآية، وقالوا: قد أخبر الله -تعالى-: أنه لا يُخزي النبيَّ والذين آمنوا معه، فوجب أن كلّ مَنْ يدخل النارَ لا يكون مؤمنًا؛ لِقَولِه: ﴿أَخْزَيْتَهُ﴾. والجواب عن هذا، من وجوه: أحدها: ما رَوَى قتادة، عن أنسٍ [[قوله في: "تفسير الطبري" 4/ 211، و"تفسير ابن أبي حاتم" 3/ 842، و"معاني القرآن" للنحاس 1/ 526، و"تفسير الثعلبي" 3/ 172 أ.]] -في قوله: ﴿إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ -، قال: إنك مَنْ تُخَلِّدْ في النار. وقال الثَوْريُّ: بَلَغَنِي عن سعيد بن المسيب [[قوله في "تفسير عبد الرزاق" 1/ 142، و"تفسير الطبري" 4/ 211، و"تفسير الثعلبي" 3/ 172 أ، وفيها: (أخبرنا الثوري، عن رجل، عن ابن المسيب ..). وأورده ابن أبي حاتم في "تفسيره" 964 بدون إسناد.]]، أنه قال في هذه الآية: هي خاصَّةٌ في قومٍ لا يخرُجونَ مِنَ النَّارِ بعد دُخُولِهم إيَّاها. ورُوي هذا المعنى -أيضًا- عن قتادة [[قوله في "تفسير ابن أبي حاتم" 4/ 842، و"تفسير الثعلبي" 3/ 172 أ. وهو قول: سعيد بن جبير، وابن جريج، ومقاتل. انظر: "زاد المسير" 1/ 528.]] نفسِهِ. فمذهب هؤلاء الثلاثة: أنَّ الآية خاصَّةٌ فيمن يدخلها للخلود فيها. يدل عليه آخرُ الآية، وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ يريد: الكفار. والثاني: أن المُدخَل في النار مَخْزِيٌّ في حال دُخُولِهِ، وإن كانت عاقبتُهُ أن يخرج منها، فإن الدخول لا يقع إلّا بخزيٍ في ذلك الوقت. وهذا مذهب جابر بن عبد الله، واختيار ابن الأنباري. يَدُلُّ عليه ما روي عن عَمْرُو بن دينار، أنه قال: قَدِم علينا جابر -في عُمْرةٍ -، فسألته عن هذه الآية، فقال: وما أخزاهُ [[(أ) ، (ب): (اخزاؤه). ولا وجه لها -هنا-. والمثبت من (ج)، ومصادر الخبر التالية. وقوله: (وما أخزاه) أي: ما أشد وأكثر خزيه! أو: يا لخزيه!.]] حين أحرقه بالنار! إنّ دون ذا [[في (ب): (ذلك) وكذا وردت في مصادر الخبر.]] لَخِزْيًا [[أخرج الخبر: الحاكم في "المستدرك" 2/ 300، والطبرى في "تفسيره" 4/ 211،== وأورده السيوطي في "الدر" 2/ 196. وقد رجح الطبريُّ هذا القول. انظر: "تفسيره" 4/ 211.]]. قال ابن الأنباري [[لم أقف على مصدر قوله.]]: وحَمْل الآية على العموم أولى من نقلها إلى خصوصٍ لا دليل عليه. والجواب الثالث: ما قال أهلُ المعاني، وهو: أنّ الإخزاءَ يحتمل معنيين: أحدهما: الإهانة والإهلاك والإبعاد، كما ذكرنا. وهذا للكفّار والثاني: الإخجال؛ يقال: (خَزِيَ خَزَايَةً): إذا استحيا، و (أخزاه غَيْرُهْ): إذا عَمِلَ بِهِ عَمَلًا يُخْجِلُه، ويستحيي منه. ومنه حديث يزيد بن شَجَرَة [[هو: يزيد بن شَجَرة بن أبي شجرة الرُّهاوي. شامي من مذحج، مُخْتَلَفٌ في صُحبته، وكان معاوية (يستعمله على الجيوش، وكان أميرًا حازمًا، قتل في إحدى الغزوات سنة (55 هـ)، وقيل: (58 هـ). انظر: "الاستيعاب" 4/ 138، و"الكامل" 3/ 190، 227، و"أسد الغابة" 5/ 495، و"الإصابة" 3/ 658.]]: (ولا تُخزُوا الحورَ العِين) [[الأثر، مِنْ خُطبة ليَزيد بن شجرة، أخرجه ابن المبارك في "الزهد" 43 رقم (133)، موقوفًا على يزيد، قال: (أخبرنا زائدة عن منصور عن مجاهد، قال: كان يزيد بن شجرة مما يُذَاكرنا فيبكي ..) وذكره. وأخرجه أبو عبيد بن سلام في "غريب الحديث" 4/ 358 - 359، موقوفًا. وأورده الأزهريُّ في "تهذيب اللغة" 1/ 1027 نقلًا عن أبي عبيد، وأورده الزمخشري في "الفائق" 1/ 317، وابن الجوزي في "غريب الحديث" 1/ 277. وقد أورده -كذلك-: ابنُ الأثير في "أسد الغابة" 5/ 495، بنحوه، مرفوعًا عن يزيد، وكذا أورده ابن حجر في "الإصابة": 3/ 658، مرفوعًا عن يزيد. وعزاه، ابن حجر للخرائطي في: مكارم الأخلاق، وابن أبي شيبة، وعزاه للبغوي من طريق خالد الواسطي، ولأبي نعيم من طريق مسعود بن سعد، عن يزيد، ونسب ابن == حجر إخراجه لآخرين غيرهم من طرق مختلفة، ونقل عن البغوي أنه موقوف، وقال ابن حجر: (وهو الصواب).]]؛ كأنهن يَتَطلَّعنَ مَن يَصيرُ إليهن بالشهادة؛ يقول: فلا تُخْجِلُوهُنَّ بِفِرَارِكُم. فعلى هذا، خِزْيُ المؤمنين: الحياءُ مِنْ سائِرِ أهلِ الإيمان، بدخول النار إلى أن يخرجوا منها، وخِزْيُ الكافرين: الهلاكُ بالخلود [[في (ب): (في الخلود).]] فيها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب