الباحث القرآني
﴿رَبَّنا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ﴾ مُبالَغَةٌ في اسْتِدْعاءِ الوِقايَةِ مِنَ النّارِ، وبَيانٌ لِسَبَبِهِ، وصُدِّرَتِ الجُمْلَةُ بِالنِّداءِ مُبالَغَةً في التَّضَرُّعِ إلى مُعَوِّدِ الإحْسانِ كَما يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الرَّبِّ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: اسْمُ اللَّهِ تَعالى الأكْبَرُ رَبِّ رَبِّ، والتَّأْكِيدُ بِأنَّ الإظْهارَ كَمالُ اليَقِينِ بِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ والإيذانِ بِشِدَّةِ الخَوْفِ، ووُضِعَ الظّاهِرُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلتَّهْوِيلِ، وذُكِرَ الإدْخالُ في مَوارِدِ العَذابِ لِتَعْيِينِ كَيْفِيَّتِهِ وتَبْيِينِ غايَةِ فَظاعَتِهِ والإخْزاءِ - كَما قالَ الواحِدِيُّ - جاءَ لِمَعانٍ مُتَقارِبَةٍ، فَعَنِ الزَّجّاجِ يُقالُ: أخْزى اللَّهُ تَعالى العَدُوَّ أيْ أبْعَدَهُ، وقِيلَ: أهانَهُ وقِيلَ: فَضَحَهُ وقِيلَ: أهْلَكَهُ، ونُقِلَ هَذا عَنِ المُفَضَّلِ، وقِيلَ: أحَلَّهُ مَحَلًّا وأوْقَفَهُ مَوْقِفًا يَسْتَحِي مِنهُ.
وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: الخِزْيُ في اللُّغَةِ الهَلاكُ بِتَلَفٍ أوْ بِانْقِطاعِ حُجَّةٍ أوْ بِوُقُوعٍ في بَلاءٍ، والمُرادُ فَقَدْ أخْزَيْتُهُ خِزْيًا لا غايَةَ وراءَهُ، ومِنَ القَواعِدِ المُقَرِّرَةِ أنَّهُ إذا جُعِلَ الجَزاءُ أمْرًا ظاهِرَ اللُّزُومِ لِلشَّرْطِ سَواءٌ كانَ اللُّزُومُ بِالعُمُومِ والخُصُوصِ كَما في قَوْلِهِمْ: مَن أدْرَكَ مَرْعى الصُّمّانِ فَقَدْ أدْرَكَ، أوْ بِالِاسْتِلْزامِ كَما في هَذِهِ الآيَةِ يُحْمَلُ عَلى أعْظَمِ أفْرادِهِ وأخَصِّها لِتَرْبِيَةِ الفائِدَةِ، ولِهَذا قُيِّدَ الخِزْيُ بِما قُيِّدَ، واحْتَجَّ حُكَماءُ الإسْلامِ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ العَذابَ الرُّوحانِيَّ أقْوى مِنَ العَذابِ الجُسْمانِيِّ وذَلِكَ لِأنَّهُ رُتِّبَ فِيها العَذابُ الرُّوحانِيُّ وهو الإخْزاءُ بِناءً عَلى أنَّهُ الإهانَةُ والتَّخْجِيلُ عَلى الجُسْمانِيِّ الَّذِي هو إدْخالُ النّارِ وجُعِلَ الثّانِي شَرْطًا والأوَّلُ جَزاءً، والمُرادُ مِنَ الجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ الجَزاءُ والشَّرْطُ قَيْدٌ لَهُ، فَيُشْعِرُ بِأنَّهُ أقْوى وأفْظَعُ وإلّا لَعُكِسَ، كَما قالَ الإمامُ الرّازِيُّ - وأيْضًا المَفْهُومُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ( وقِنا عَذاب النّارِ ) طَلَبُ الوِقايَةِ مِنهُ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: رَبَّنا إلَخْ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَكَأنَّهُ طَلَبَ الوِقايَةَ مِنَ المَذْكُورِ لِتَرَتُّبِ الخِزْيِ عَلَيْهِ فَيَدُلُّ عَلى أنَّهُ غايَةٌ يُخافُ مِنهُ - كَما قالَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ - واحْتَجَّ بِها المُعْتَزِلَةُ عَلى أنَّ صاحِبَ الكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ لِأنَّهُ إذا أدْخَلَهُ اللَّهُ تَعالى فَقَدْ أخْزاهُ، والمُؤْمِنُ لا يُخْزى لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ وأُجِيبَ بِأنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن أنْ لا يَكُونَ مَن آمَنَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُخْزِيًا أنْ لا يَكُونَ غَيْرُهُ وهو مُؤْمِنٌ كَذَلِكَ، وأيْضًا الآيَةُ لَيْسَتْ عامَّةً لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ مِنكم إلا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ فَتُحْمَلُ عَلى مَن أُدْخِلَ النّارَ لِلْخُلُودِ وهُمُ الكُفّارُ وهو المَرْوِيُّ عَنْ أنَسٍ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وقَتادَةَ وابْنِ جُرَيْجٍ.
وأيْضًا يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ كُلَّ مَن يَدْخُلُها مُخْزًى حالَ دُخُولِهِ وإنْ كانَتْ عاقِبَةُ أهْلِ الكَبائِرِ مِنهُمُ الخُرُوجَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي﴾ إلَخْ، نَفْيُ الخِزْيِ فِيهِ عَلى الإطْلاقِ، والمُطْلَقُ يَكْفِي في صِدْقِهِ صُورَةٌ واحِدَةٌ وهو نَفْيُ الخِزْيِ المُخَلَّدِ، وأيْضًا يُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: الإخْزاءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّخْجِيلِ والإهْلاكِ، والمُثْبَتُ هو الأوَّلُ والمَنفِيُّ هو الثّانِي، وحِينَئِذٍ لا يَلْزَمُ التَّنافِي، واحْتَجَّتِ المُرْجِئَةُ بِها عَلى أنَّ صاحِبَ الكَبِيرَةِ لا يَدْخُلُ النّارَ لِأنَّهُ مُؤْمِنٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصاصُ في القَتْلى﴾ وقَوْلُهُ تَعالى:: ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ والمُؤْمِنُ لا يُخْزى لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ﴾ إلَخْ، والمُدْخَلُ في النّارِ مُخْزًى لِهَذِهِ الآيَةِ، وأُجِيبَ بِمَنعِ المُقَدِّماتِ بِأسْرِها، (p-163)أمّا الأُولى فَبِاحْتِمالِ أنْ لا يُسَمّى بَعْدَ القَتْلِ مُؤْمِنًا، وإنْ كانَ قَبْلُ مُؤْمِنًا، وأمّا الأُخْرَيانِ فَبِخُصُوصِ المَحْمُولِ وجُزْئِيَّةِ المَوْضُوعِ كَما تَقَرَّرَ آنِفًا.
﴿وما لِلظّالِمِينَ مِن أنْصارٍ﴾ (192) أيْ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنهم ناصِرٌ يَنْصُرُهُ ويُخَلِّصُهُ مِمّا هو فِيهِ، والجُمْلَةُ تَذْيِيلُ لِإظْهارِ فَظاعَةِ حالِهِمْ، وفِيهِ تَأْكِيدٌ لِلِاسْتِدْعاءِ، ووَضْعُ الظّالِمِينَ مَوْضِعَ ضَمِيرِ المُدْخَلِينَ لِذَمِّهِمْ والإشْعارِ بِتَعْلِيلِ دُخُولِهِمُ النّارَ بِظُلْمِهِمْ، وتَمَسَّكَتِ المُعْتَزِلَةُ بِنَفْيِ الأنْصارِ عَلى نَفْيِ الشَّفاعَةِ لِسائِرِ المُدْخَلِينَ، وأُجِيبَ بِأنَّ الظّالِمَ عَلى الإطْلاقِ هو الكافِرُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ وقِيلَ: نَفِيُ النّاصِرِ لا يَمْنَعُ نَفْيَ الشَّفِيعِ لِأنَّ النَّصْرَ دَفْعٌ بِقُوَّةٍ، والشَّفاعَةُ تَخْلِيصٌ بِخُضُوعٍ وتَضَرُّعٍ ولَهُ وجْهٌ، والقَوْلُ: بِأنَّ العُرْفَ لا يُساعِدُهُ غَيْرُ مُتَّجِهٍ.
وقالَ في الكَشْفِ: الظّاهِرُ مِنَ الآيَةِ أنَّ مَن دَخَلَ النّارَ لا ناصِرَ لَهُ مِن دُخُولِها، أمّا إنَّهُ لا ناصِرَ لَهُ مِنَ الخُرُوجِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلا، وذَلِكَ لِأنَّهُ عامٌّ في نَفْيِ الإفْرادِ مُهْمَلٌ بِحَسَبِ الأوْقاتِ، والظّاهِرُ التَّقْيِيدُ بِما يَطْلُبُ النَّصْرَ أوَّلًا لِأجْلِهِ كَمَن أُخِذَ يُعاقَبُ فَقُلْتَ: ما لُهُ مَن ناصِرٍ، لَمْ يُفْهَمْ مِنهُ أنَّ العِقابَ لا يَنْتَهِي بِنَفْسِهِ، وأنَّهُ بَعْدَ العِقابِ لَمْ يُشَفَّعْ، بَلْ فُهِمَ مِنهُ لَمْ يَمْنَعْهُ أحَدٌ مِمّا حَلَّ بِهِ، ثُمَّ إنْ سَلِمَ التَّساوِي لَمْ يَدُلَّ عَلى النَّفْيِ، وأجابَ غَيْرُ واحِدٍ عَلى تَقْدِيرِ عُمُومِ الظّالِمِ وعَدَمِ الفَرْقِ بَيْنَ النَّصْرِ والشَّفاعَةِ بِأنَّ الأدِلَّةَ الدّالَّةَ عَلى الشَّفاعَةِ وهي أكْثَرُ مِن أنْ تُحْصى مُخَصَّصَةٌ لِلْعُمُومِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ما يَنْفَعُكَ هُنا.
{"ayah":"رَبَّنَاۤ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَیۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











