الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ الآية. ذَكَرَ النحويون -الفرّاء [[في "معاني القرآن" له 1/ 234.]]، والزّجاج [[في "معاني القرآن" له 1/ 468.]]، وغيرُهما [[انظر: "معاني القرآن" للأخفش 1/ 215، و"تفسير الطبري" 4/ 86، و"إيضاح الوقف والابتداء" لابن الأنباري 2/ 583، و"القطع والائتناف" للنحاس 233، و"معاني القرآن" له 1/ 474. واستحسنه الثعلبي في "تفسيره" 3/ 115 ب.]] - في هذه الآية قولين: أحدهما: أنَّ قوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ عَطْفٌ عَلَى قوله: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾، ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾، ويكون قولُه: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ اعتراضًا بين المعطوف والمعطوف عليه؛ كما تقول: (ضَرَبْتُ زيدًا -فاعْلَمْ ذلك- وعَمْرًا) [[وقد رجح الطبري هذا الرأي في "تفسيره" 4/ 86، وقال معلَّلًا: (لأنه لا شيء من أمرالخلق إلى أحد سوى خالقهم، قبل توبة الكفار وعقابهم، وبعد ذلك).]]. فعلى هذا القول: هذه الآية متصلة بما قبلها. القول الثاني: وهو أنَّ الموافق لِمَا ذُكِرَ في تفسير هذه الآية: أنَّ معنى (أو) -ههنا- معنى (حتَّى) و (إلّا أنْ)؛ وذلك أنَّ أكثر المُفَسِّرِين -ابنَ عباس [[لم أقف على مصدر قوله. وقد ذكره الماوردي في "النكت" (423)، وابن الجوزي في "الزاد" 1/ 456.]]، والحسنَ [[قوله، في: "تفسير الطبري" 4/ 87، 88، و"النكت والعيون" 2/ 423، و"زاد المسير" 456.]]، وقتادةَ [[قوله في المصادر السابقة.]]، والربيع [[قوله في المصادر السابقة.]] - قالوا: لَمّا كان من المشركين يوم أحد ما كان [[(ما كان): ساقطة من (ج).]]، مِنْ كَسْرِ رَبَاعِيّةِ [[الرَّبَاعِيَّة: هي السن بين الثَّنِيَّة والناب. وجمعها: رباعيات. وهن أربع رباعيات: ثنتان من فوق، وثنتان من أسفل. انظر: كتاب "خلق الإنسان"، لابن أبي ثابت 166، و"القاموس" (719) (ربع). قال ابن حجر: (والمراد بكسر الرَّباعية .. أنها كسرت فذهب منها فلقة، ولم تقلع من أصلها). "فتح الباري" 7/ 366. وفي "سيرة ابن هشام" عن ابن إسحاق أن الذي فعل ذلك هو: عقبة بن أبي وقاص. == حيث رمى النبي ﷺ فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته العليا وشَجَّه في وجهه. ويذكر ابن هشام، عن أبي سعيد الخدري، أن عبد الله بن شهاب الزهري شجَّه في وجهه، وأن ابن قَميئة جرح وجنته، فدخل حلقتان من حِلَق المِغْفَر في وجنته. انظر: "سيرة ابن هشام" 3/ 27، و"تاريخ الطبري" 2/ 514.]] النبي ﷺ، وشَجِّهِ حتَّى جَرَت الدِّماءُ على وجهه، قال: "كيف يُفْلِحُ قومٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيِّهم، وهو يدعوهم إلى ربهم؟! " [[الحديث -كذلك- ورد من رواية أنس، وقد أخرجته الكتب التالية بألفاظ مختلفة، بنحو الذي ذكره المؤلف. فقد أخرجه البخاري -معلقًا- 5/ 35. كتاب المغازي. باب (ليس لك من الأمر شيء)، وأخرجه مسلم في (1791) كتاب الجهاد. باب غزوة أحد، وأحمد 3/ 206، 3/ 99، 253، 288، والترمذي (3002 - 3003) كتاب التفسير. (سورة آل عمران) وقال: (حسن صحيح). وابن ماجه (4027) كتاب الفتن: باب الصبر على البلاء. والنسائي في "تفسيره" 1/ 329، والبغوي في "شرح السنة" 13/ 333 رقم (3748) وقال عنه: (صحيح)، وابن سعد في "الطبقات" 2/ 44، والطبري في "تفسيره" 4/ 87، وفي "تاريخه" 2/ 515، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 3/ 756، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" 1/ 213، والثعلبي في "تفسيره" 3/ 114 أ، والبغوي في "تفسيره" 2/ 102، والمؤلف في "أسباب النزول" (124).]]، فأنزل اللهُ هذه الآية، لِعِلْمِهِ أنَّ كثيرًا منهم سيؤمِنُونَ، فَكَفَّ عن ذلك [[وهناك أسباب أخرى لنزول هذه الآية ذكرها المفسرون. انظر: "تفسير الطبري" 4/ 86 - 89، و"ابن أبي حاتم" 3/ 756 - 758، و"أسباب النزول" للمؤلف 124 - 126، و"لباب النقول" 57 - 58، و"الصحيح المسند من أسبالب النزول" 53 - 56.]]. وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ مختَصَرُ معناه: ليس لَكَ مِنَ الأمْرِ في عقابهم، أو [[في (ج): (و) بدلًا من: (أو).]] استصلاحهم شيءٌ، حتى تقَعَ إنابَتُهم [[وهكذا وردت في "تفسير الوسيط" للمؤلف (تح: بالطيور): 326. وورد في "تفسير الوجيز" له 1/ 118 (إثابتهم).]] أو تعذيبهم. فيكون أمْرُكَ -حينئذٍ - تابعًا لأمْرِ اللهِ، بِرِضَاكَ بتدبيره قال الفرّاء [[في "معاني القرآن" له 1/ 234. نقله بمعناه وانظر: "معاني القرآن" 2/ 70.]]: ومِثْلُ هذا مِن الكلام: (لأَذُمَّنَّكَ [[في (أ)، (ب): (لا أذمنك). وهي خطأ. والمثبت من (ج).]] أو تُعْطِيَنِي)؛ على معنى: (إلّا أنْ تُعْطِيَني)، و (حتى تُعْطِيَنِي) [[الذي في "معاني القرآن" -في هذا الموضع-: (وإن شئت جعلت نصبه على مذهب (حتى)؛ كما تقول: (لا أزال ملازمك أو تعطيني)، أو (إلا ان تعطيني حقي). وقال في موضع آخر 2/ 70: (والله لأضربَنك أوْ تُقِرَّ لي). فيكون معناه معنى (حتى) أو (إلا).]]. وأنشد ابن الأنباري [[في "إيضاح الوقف والابتداء" له 2/ 584.]] على هذا: فَقُلْتُ لَهُ لا تَبْكِ عيْنُكَ إنَّما ... نُحاوِلُ مُلْكًا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا [[في (ج): (فنعذرا). والبيت لامرئ القيس، في "ديوانه" 64. وقد سبق إيراده وبيان مصادره عند تفسير قوله تعالى: ﴿أَو يُحَاجُّوكُمْ﴾ [الآية: 73 من سورة آل عمران].]] أراد: (حتَّى)، و (إلّا أنْ نموت) [[الذي في كتاب "إيضاح الوقف والابتداء"، قوله -بعد أن ذكر البيت-: (أراد: حتى نموت). وهناك قولان آخران في نصب ﴿يَتُوبَ﴾، وهما: -النصب بإضمار (أنْ) عطفًا على (الأمر)، والتقدير: (ليس لك من الأمر لك من الأمر شيء، أو من أن يتوب عليهم، أو يعذبهم)؛ أي: ليس لك من الأمر أو من توبته عليهم، أو من تعذيبهم شيء. وهو قول أبي حاتم، كما في "تفسير الثعلبي"- إنها معطوفة بالتأويل على ﴿شَئءٍ﴾ وتقديرها: ليس لك من الأمر شيءٌ، أو توبةُ الله عليهم، أو تعذيبهم؛ أي: ليس لك أيضًا توبتهم ولا تعذيبهم، إنما مرد ذلك إلى الحقِّ تعالى. انظر: كتاب "إيضاح الوقف والابتداء" 2/ 584، وكتاب "القطع والائتناف" 233، و"تفسير الثعلبي" 3/ 115 ب، و"الدر المصون" 3/ 393.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب