الباحث القرآني

قوله تعالى: هوَ ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ قال ابن عباس: دعا ربه [[ذكره البغوي 5/ 337، وابن الجوزي 5/ 374 من غير نسبة لأحد.]]. ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ وأصابني الجهد ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ أكثرهم رحمه. وهذا تعريض منه بمسالة الرحمة إذ أثنى عليه بأنه [[في (أ): (فإنه).]] الأرحم وسكت. وقال أهل العلم: لم يكن هذا جزعًا من أيوب؛ لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ ولكن هذا دعاء منه لله تعالى ألا ترى أن الله تعالى قال: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ [[قال الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 39 ب: (سمعت أستاذنا أبا القاسم بن حبيب -رحمه الله- يقول: حضرتُ مجلسًا غاصًّا بالفقهاء والأدباء في دار سلطان فسئلت عن هذه الآية بعد إجماعهم على أن قول أيوب (مسني الضر) شكاية، وقد قال الله تعالى (إنا وجدناه صابرا) فقلت: ليس هذا بشكاية، وإنما هو دعاء بيانه قوله (فاستجبنا له) والإجابة تعتقب الدعاء لا الاشتكاء، فاستحسنوه وارتضوه. أهـ.]]. وروي عن ربيعة بن كلثوم [[هو ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري، روى عن أبيه والحسن البصري وغيرهما. قال الذهبي: ثقة وقال ابن حجر: صدوق يهم. "الكاشف" للذهبي 1/ 307، "تهذب التهذيب" 3/ 263، "تقريب التهذيب" 1/ 248.]] أنه قال: دخلنا على الحسن [[هو البصري.]] وهو يشتكي ضرسه وهو يقول: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، اقتدى بأيوب عليه السلام في دعائه ليستجاب له كما استجيب لأيوب [[لم أجده.]]. على أن الجزع إنما هو الشكوى إلى الخلق، فأما من اشتكى إلى الله تعالي ما حل به فليس يسمى جازعًا؛ لأنه مثاب على ذلك إذا كان إلى الله، والجازع مذموم، وقول يعقوب عليه السلام ﴿أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف: 86] لا يحمل على الجزع. وهذا معنى ما قال سفيان بن عيينة [[ذكره ابن الجوزي 5/ 374.]] في هذه الآية: من شكا إلى الله لم يعد ذلك بشكوى ولا جزع، ألم تسمع قوله: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ قال وكذلك من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعًا ألم تسمع قول النبي -ﷺ-: "أجدني مغمومًا وأجدني مكروبًا" [[هذا طرف من حديث طويل رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 3/ 129 عن الحسين بن علي -رضي الله عنه- وفيه أن جبريل عليه السلام قال للنبي -ﷺ- كيف تجدك؟ فقال النبي -ﷺ-: "أجدني يا جبريل مغمومًا، وأجدني يا جبريل مكروبًا". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/ 35: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن ميمون القداح وهو ذاهب الحديث.]]، وقوله: "بل أنا وارأساه" [[رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: المرضى، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وارأساه، أو اشتد بي الجوع 10/ 123 من طريق القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: وارأساه. الحديث وفيه: فقال النبي -ﷺ-: "بل أنا وارأساه". ورواه الإمام أحمد في "مسنده" 6/ 228، وابن ماجة في "سننه" الجنائز، باب: ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها 1/ 270 من طريق آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: رجع رسول الله -ﷺ- ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي، وأنا أقول: وارأساه! قال: "بل أنا وارأساه" الحديث. قال البوصيري في "الزوائد" 1/ 475: إسناد رجاله ثقات، ورواه البخاري من وجه آخر عن عائشة مختصرًا.]]. وليس في مثل هذا شكوى من الله، ولا قلة رضا بقضائه، بل رغبة فيه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب